د. توفيق رفيق التونچي
البيئة التي تحيط بنا مهمة جدا في حياتنا اليومية كما تؤثر على حالتنا النفسية ومزاجنا. تزين الساحات بالتماثيل للشخصيات او للحوادث المهمة في تاريخ الشعوب واحيانا تكون التماثيل مجرد رمزية وفي جميع مدن العالم. تزين الساحات برموز شخصيات وطنية لتذكير الأجيال القادمة بفضل هؤلاء من قادة وعلماء وأدباء من أبناء المجتمع لاستمرارية استذكارهم هم وأعمالهم.
لكن كل ذلك يجب ان لا يتعدى الذوق العام وإلا هجره الناس ونبذوه. استحسان الناس لتلك التماثيل مهمة جدا لاستمرارية في البقاء وصيانتها وعدم العبث به. هناك تماثيل ونصب في ساحات مدن العالم تحول مع الزمن الى معلم سياحي يجلب الملاين للدخل الوطني ولعل أشهر تلك النصب تراه في العاصمة الفرنسية باريس واعني ( برج ايفل ) الشهير ذلك النصب الحديدي البارد الذي اصبح مع الزمن احد أهم معالم السياحية في العالم اجمع. اما تمثال الحرية الواقع على جزيرة صغيرة في خليج نيويورك فهي أشهر تماثيل العالم اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية نصب الحرية وتصرف على صيانتها ملايين الدولارات سنويا. كما ان بوذا والمسيح ريو دي جانيرو ومن التماثيل الشهيرة ابو الهول ويجلب السياح لمشاهدتها وهي هبة جاءت من حضارات مصر القديمة .
الطريقة المبتكرة في عرض الأعمال الفنية من تماثيل ونصب في اسبانيا التي تامها حوالي 80 مليون سائح سنويا، جديرة بالتمعن والاستفادة من تلك التجربة. الطريقة تتمثل في كون النصب والتماثيل قابلة للنقل من مكان الى اخر وبذلك يتم تعميم الثقافة الفنية في معظم انحاء البلاد. فالذي يريد ان يتمتع بمشاهدة تماثيل من عمل بيكاسو مثلا ، لا عليه الا ان ينتظر ليرى تلك التماثيل في ساحات المدينة بعد انتقالها من المصدر.
لا ريب ان وجود العمل الفني ثابتا في مكانة يحتاج الى السفر الى تلك المدينة لمشاهدتها كما عليها جدارية الحرية للنحات والرسام العراقي الأشهر جواد سليم. ذلك العمل الملحمي يزين احد اكبر ساحات العاصمة بغداد والمسماة ساحة التحرير.
العمل الفني يمكن ان يتحول الى رمز سلام ومحبة بمقدار ما يرمز اليه. باعتقادي على الدولة تجميل الساحات العامة كما عليها سن القوانين تلزم في بناء الأحياء السكنية والتجارية ومجمعات الدوائر الرسمية وجميع شركات البناء والمقاولات بتخصيص نسبة معينة من ميزانية مشاريع البناء لاقتناء الأعمال الفنية وإضافة بعض الرموز الفنية الإنسانية الى الأحياء والمجمعات السكنية من ناحية اخرى تشجيع الفنانين المحلين للإنتاج الإبداعي الفني وتخليد إعمالهم من لوحات او تماثيل. ناهيك عن دور البلديات في هذا المسعى في إضافة الروح الإنسانية بتشجيع الفنانين باقتناء اعمالهم وعرضها في بنايات التابعة لهمز اما تماثيل الشخصيات من ملوك وأدباء او فنانين ورجال علم فهم هوية وطنية وإنسانية. لا ريب ان الحضارات القديمة في بلاد الرافدين ومصر الكنانة واليونان والحضارة الرومانية قد أسهمت في إيصال علوم ومعارف عن تلك الحقب التاريخية الينا. اليوم تزدهر وتفتخر العديد من متاحف الألم بمقتنياتها من تماثل ونصب اكتشفت في الشرق الأوسط قبل الحضارتين الإغريقية والرومانية. المسلة المصرية توجد اليوم كنصب خالد في العديد من عواصم العالم واصبت رمزا حضاريا ان كان في باريس او واشنطن او حتى في استانبول. هذا الدور الحضاري ليس فقط لزينة المدن وساحتها بل هي عبارة عن رسالة تأتينا عبر الزمن خالدة تذكرنا بأمجاد حضارات الشرق التي أهدت الى الدنيا تلك الرموز الثقافية كارث للإنسانية جمعاء.
يزور الملاين اليوم متاحف العالم لمشاهدة تمثال او نصبا تذكاريا. لا بد التذكير بان حتى البنايات التاريخية أصبحت مهمة ولعل بناية الأوبرا في سدني استراليا احد تلك البنايات التي أصبحت قبلة للسياح.
هذه الإعمال الفنية المهمة كانت في بداياتها مكروه من قبل الناس حتى برج ايفل وبناية الاوبرا كرهها الناس في بداية تشيدها.
بيئة المدينة مهمة جدا لساكنيها ولذا نرى بان الفنانين ممن يصممون الأجهزة والآلات والمکائن يراعون الذوق العام حتى وسائط النقل العام والقطارات وجميع المحطات المترو ومواقف الباصات (حافلات). الفوضى يؤثر دائما على الفكر ويشتت الانتباه ويؤدي الى حوادث مؤسفة ونحن في العصر الحديث نعتمد كليا على الرموز في الشوارع ونفهم تلك اليافطات خاصة المرورية منها ورموز بعض المحلات كالصيدلية وباركات السيارات والمستشفيات وسيارات الاسعاف والمطافئ ودوائر الشرطة. ….. كما ان هناك ألوان محددة متفقة عليها عالميا لتلك اليافطات فمثلا اللون الأحمر للتحذير والأزرق للمسموح والقهوائي (البني) متعارف عليه على أساس أماكن تاريخية أثريه قديمة وهكذا.
سيكون ندائي الى العاملين في تخطيط المدن من العاملين في إدارة بلديات جميع مدن الإقليم، رفقا بالذوق العام ارفعوا جميع لافتات المحلات المزركشة والملونة في واجهة المحلات التجارية. يجب كذلك إصدار ضوابط خاصة بكتابة أسماء المحلات والأماكن العامة بعيدا عن الألوان الصارخة والفوضى والصور كي تحافظ المدن على كينونتها وهويتها الحضارية فی مظهرها وحتى الألوان البنايات الخارجية يجب أن تكون لها معاير معينة للألوان الأصباغ المستخدمة في واجهات العمارات.
اليافطات لفتة حضارية وتهم الذوق العام فيجب الحفاظ على بيئة المدن من الهرج والمرج وجنون الألوان في واجهات المحلات.
الأندلس 2024