سردار علي سنجاري
لم نتفاجأ عند سماعنا نبأ تصدي قائمة حزبنا الديموقراطي الكوردستاني المناضل الصدارة والفوز في الانتخابات البرلمانية الاخيرة التي جرت يوم الأحد من اجل انتخاب برلمان كوردستان الذي يمثل إرادة الشعب الكوردي بمختلف اطيافه في اقليم كوردستان.
فبالرغم من العراقيل التي واجهت هذه الانتخابات سواء من القرارات المجحفة التي اتخذتها المحكمة الاتحادية في البداية وتراجعت عنها بسبب تمسك البارتي بحقوق الأقليات وضمان صوتهم في البرلمان القادم او من الاطراف الداخلية التي حاولت ان تمارس سياسة الضغط على البارتي لتنفيذ اجندتها على حساب المشروع القومي الكوردي واستخدام بعض الجهات أساليب جديدة لم يتعهدها شعبنا من الذم والقذف بحق مناضلين وشخصيات سياسية هامة . تلك الأساليب التي لم تعد قادرة على التأثير في المشهد السياسي للمجتمع الكوردي لوعي هذا الشعب لتاريخه المعاصر.
والسؤال الذي يطرح نفسه ويطرحه المراقبون بالشؤون الكوردية لماذا البارتي دوما في الطليعة رغم كل ما يحاك عليه من مؤامرات ودسائس؟
البارتي هذا الحزب الجماهيري الكبير تأسس في ظروف استثنائية حيث كان صعود الفكر القومي العربي والتركي في أوجه وهنا كان لابد للكورد في السعي الجاد في تبني مشروع قومي يضمن لهم الحماية ويتطلع إلى مستقبل اكثر وضوحاً ويدعوا إلى تحقيق الأهداف القومية للامة الكوردية التي جزأته اتفاقية سايكس بيكو عام ١٩١٦ وحرمت شعبه من ان ينعم بدولة مستقلة حرة كباقي الامم . وهنا برزت الشخصية القومية الكوردية الكبرى المُلا مصطفى البارزاني الذي كان معروفا بتأريخ عائلته النضالية والثورات المتعاقبة التي قامت بها بارزان ضد الدولة العثمانية من جهة وضد الدولة العراقية الملكية من جهة اخرى وتبنى المشروع القومي الكوردي بعدالة واخلاق وشرف .
قام البارزاني الخالد بتأسيس الحزب الديموقراطي الكوردستاني في عام ١٩٤٦ ليكون الحزب الناطق باسم الأمة الكوردية والمطالب بحقوق الشعب الكوردي التي تجسدت آنذاك بالحكم الذاتي والاعتراف بالحقوق الثقافية والإنسانية ومن ثم بدأت المطالبة بتثبيت الحقوق المشروعة للشعب الكوردي في العراق ضمن الدستور العراقي الذي نص على ان العراق بلد قوميتين هم العربية والكوردية.
انطلق الحزب الديموقراطي الكوردستاني من خلال فئة مؤمنة بنهجه وفكره الإنساني المسالم . خلال العقود الماضية التي شهدت علاقات مد وجزر بين الحزب الديموقراطي الكوردستاني والحكومات العراقية المتعاقبة استطاع الحزب بالرغم كل المؤامرات وأكبرها مؤامرة اتفاقية الجزائر بين صدام حسين الذي كان آنذاك نائب رئيس الجمهورية وشاه ايران سنة ١٩٧٥ بحضور رئيس جمهورية الجزائر الأسبق هواري بوميدين . هذه الانكسارات والانتكاسات لم تكون الاولى ولن تكون الاخيرة .ولكن بالرغم من المؤامرات استطاع الحزب الديموقراطي الكوردستاني اعادة تنظيم كوادره وقوته العسكرية البيشمه ركة والعودة الى المطالبة بحقوق الشعب الكوردي عبر ثورة جديدة سميت بثورة كولان .
هذه الثورة والتي سبقتها جاءت في مرحلة هامة من مراحل تأريخ امتنا الكوردية حيث بدأت العلاقات الدولية تتضح اكثر في المشهد السياسي الدولي وبدأت ترسم للمنطقة سياسات جديدة تمثلت بايجاد حكومات قومية في غالب الدول العربية وكذلك اتضحت اللعبة في ان شاه ايران قد لا يكون مرغوبا به بعد اليوم وعليه العمل لازالة الآثار الملكية لإيران واستبداله بنظام إسلامي ليشكل محورا جديدا في العلاقات الإقليمية والدولية والتي تعتبر القضية الكوردية جزءا هاما من تلك العلاقة لان الكورد في ايران والعراق يشكلون القوة الحقيقية للكورد في المنطقة.
في تلك الظروف الصعبة والتي كانت قيادات بعض الأحزاب الجديدة تتمتع بالحصانة والامان في العديد من عواصم العالم كانت قوات الحزب الديموقراطي الكوردستاني وقيادته المتمثلة بالسيد مسعود البارزاني والمرحوم الشهيد الخالد إدريس البارزاني والبيشمه ركة الاشاوس تعيد ترتيب صفوفها وتطالب المجتمع الدولي في التدخل للحد من المجازر البشعة التي يرتكبها النظام الصدامي وأعوانه في كوردستان العراق والتي توجت بعمليات الأنفال السيئة الصيت ومجزرة حلبجة.
وبعد انتفاضة شعبنا الكوردي الباسل على الطاغية صدام عام ١٩٩١ والتي شكلت البنية الأساسية لقيام الكيان الكوردي المستقل في اقليم كوردستان كان الحزب الديموقراطي الكوردستاني الحزب الجماهيري الكبير الذي استطاع ان يقنع كافة الأحزاب الكوردية المنشقة عنه بعد انتكاسة ثورة أيلول للعودة الى احضانه والعمل معا من اجل كوردستان حرة مستقلة، وبالفعل بدأت رسم معالم اول برلمان كوردي ليكون الصوت الحقيقي للشعب الكوردي والمكونات التي تعمل تحت سقفه وقد كان فعلا عرسا وطنيا بحق ذلك اليوم التأريخيّ الذي خرجنا جميعا لنقول نعم لقيام برلمان ينطق باسم شعبنا ويكون ممثليه من ابناء الشهداء والبيشمركة والمناضلين.
تأسس البرلمان الاول وتشكلت الحكومة الاولى ولكن سرعان ما بدات للأسف الصراعات الداخلية بدوافع من حكومات محلية لإنهاء التجربة الكوردية الفتية وإشغال القيادات الكوردية بحروب داخلية، بالرغم من كل ما مر به البارتي من أزمات سياسية مع الوطني الكوردستاني الا انه توحد معه وشكل حكومة كوردية موحدة وتم ترشيح المرحوم مام جلال الطالباني الشخصية الكوردية القومية والتي ان اختلفنا معها الا اننا نعطيها حقها في العمل القومي حيث كان مام جلال بحق رجل سياسة ودبلوماسية ومدافعا عن حقوق الشعب الكوردي ومطالبا باتخاذ كل الإجراءات لحمايته والاعتراف به في كافة المحافل الدولية رجلا شجاعا وصلبا. تم ترشيح مام جلال رحمه الله لرئاسة الجمهورية العراقية ليكون اول شخصية كوردية تشغل هذا المنصب منذ تأريخ تاسيس الدولة العراقية الحديثة.
الحزب الديموقراطي الكوردستاني استطاع من خلال نضاله الطويل والذي رفض استخدام أساليب منافيةً للأخلاق الكوردية الأصيلة المتجذرة في روح الكورد كالاغتيالات السياسية او التفجيرات في الأماكن العامة او قصف الأبرياء والأحياء السكنية او تعذيب وقتل الأسرى والحد من كرامتهم . هذه الافعال الانسانية جعلت منه الحزب العراقي الأكثر شعبية في وسط جميع المكونات حيث لجأ اليه الإخوة العرب المنشقين عن الانظمة العراقية المتعاقبة وحتى يومنا هذا لمعرفتهم ان كرامتهم محفوظة وان حياتهم في أمان وكانوا من كافة الأحزاب القومية حيث لجأ العديد من أعضاء حزب البعث العراقي المنشقين عن صدام وأعوانه الى كوردستان وكذلك الحزب الشيوعي العراقي والأحزاب الإسلامية ناهيك عن وجود كل مكونات الشعوب الغير كوردية مثل الآشوريين والكلدان والأرمن والسريان والايزديين والصابئة وحتى فئات كبيرة من التركمان في صفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني .