عبدالحميد زيباري
تُعَدّ الأخبار أو التقارير، وحتى المقالات الصحفية التي تحتوي على أرقام وإحصائيات، أكثر مصداقية وموثوقية من المواد الصحفية الأخرى التي تفتقر إلى ذلك. حيث تقدم البيانات الرقمية دليلاً ملموسًا يدعم النقاط المطروحة، مما يجعل المقال أكثر موثوقية وإقناعًا. كما تساعد هذه الأرقام في جذب انتباه القارئ نحو وجهة نظر معينة أو تدعيم حجة ما. وعند الحديث عن ما أنجزته حكومة إقليم كردستان خلال التشكيلة التاسعة، التي استمرت نحو خمسة أعوام بسبب تأخر إجراء انتخابات البرلمان، المقرر إجراؤها في 20 أكتوبر الجاري، يتوجب علينا الخوض في عالم الأرقام لنفهم حجم الإنجازات التي حققتها هذه الحكومة.
في كل قطاع ومجال، أنجزت الحكومة العديد من المشاريع، ويمكننا القول إن إنجازاتها تجاوزت البرنامج الانتخابي الذي قدمه رئيس الحكومة مسرور بارزاني عند أدائه اليمين القانونية قبل خمسة أعوام في البرلمان.
إذا نظرنا إلى مجال الأمن الغذائي الذي حظي باهتمام كبير من الحكومة نظرًا للظروف الجيوسياسية والمناخية التي تمر بها المنطقة، بالإضافة إلى مواجهة التصحر وانخفاض نسبة المياه الجوفية الذي أثر على القطاع الزراعي، نجد أن الحكومة أنجزت بناء 9 سدود بتكلفة 265 مليار دينار عراقي، لتخزين 250 مليون متر مكعب من المياه، بالإضافة إلى إنشاء 8 برك مائية لخزن المياه لاستخدامها في الزراعة.
ولم تقتصر مهام الحكومة على بناء السدود والبرك المائية، بل شملت أيضًا إنشاء صوامع لإنهاء مشكلة الفلاحين في إقليم كردستان، التي كانت تتكرر كل عام بسبب حيرتهم في كيفية تسويق كميات الحبوب الفائضة. حيث لجأت حكومة الإقليم إلى بناء 4 صوامع بتكلفة 85 مليار دينار لتخزين 160 ألف طن من الحبوب. بالإضافة إلى دعم ذوي المهن الصناعية والراغبين في الاستثمار في هذا القطاع، تم إنشاء 994 مصنعًا لتكون المنتجات الزراعية في الإقليم مواد خام لهذه المصانع.
أما في المجال الزراعي، فقد ارتفع حجم الاستثمار في هذا القطاع من 1.8% إلى 8%، مع بناء 30 ألف بيت زجاجي لسد احتياجات الإقليم من المنتجات الزراعية على مدار العام، وعدم الاعتماد على دول الجوار في تلبية هذا النقص. ولم تتوقف الجهود عند هذا الحد، بل تم بناء 101 مخزن مبرد، ليتمكن الفلاحون من تخزين إنتاجهم الفائض للمواسم التالية دون إتلافه. من ناحية أخرى، شجعت هذه الخطوات الفلاحين على الاهتمام بالقطاع الزراعي.
رأت حكومة الإقليم أن الاهتمام بالقطاع الزراعي يجب ألا يقتصر فقط على دعم الفلاحين وزيادة الإنتاج، بل ينبغي أيضًا تقديم التسهيلات لهم لنقل الإنتاج إلى المدن. لذا، وضعت خطة لتحسين الطرق الخارجية، وأنجزت 585 مشروعًا للطرق خارج المدن بتكلفة 930 مليار دينار، فيما تم تبليط أو ترميم أكثر من 1363 كم من الطرق. كما تم إنجاز 1967 مشروعًا لفتح الشوارع داخل المدن بتكلفة 1863 تريليون دينار.
أما في قطاع الخدمات العامة كالتربية والتعليم والصحة، فقد شهدت هذه القطاعات، أيضًا تطورًا ملحوظًا من خلال بناء العديد من المدارس والعمل على إنهاء الدوامين الثنائي والثلاثي لمدارس الإقليم، مع إنشاء مجمعات تعليمية متطورة. حيث تم بناء 194 مدرسة، بالإضافة إلى 43 مدرسة أخرى في طور البناء، وترميم 1670 مدرسة أخرى، وإضافة 629 صفًا دراسيًا لعدد من المدارس. كما شهد هذا القطاع إعادة 27 ألف طفل من الشارع إلى مقاعد الدراسة، بعد أن تسربوا منها لأسباب متعددة خلال السنوات الماضية، فضلًا عن بناء جامعتين جديدتين في الإقليم، رغم الظروف المالية الصعبة التي مرت بها كردستان ومشاكل مستمرة مع الحكومة الاتحادية لتأمين الميزانية ورواتب موظفي القطاع العام.
فيما يتعلق بالخدمات الصحية، فقد تم بناء 30 مستشفى و21 مركزًا صحيًا، بالإضافة إلى تأمين عشرات الأجهزة الطبية المتطورة وإعادة تشغيل عدد من المراكز الطبية التخصصية الدقيقة في الإقليم، لتقديم الخدمات الطبية للمواطنين، وحرصًا على عدم اضطرارهم للسفر إلى دول الجوار لتلقي العلاج.
أما في قطاع خدمات المياه والكهرباء، فقد تم تأمين 2.8 متر مكعب من الماء يوميًا، مع تطوير البنية التحتية للكهرباء. ولم يكن هذا القطاع غائبًا عن البرنامج الحكومي، حيث تم بناء 7 محطات جديدة، مع إضافة 1340 ميجاوات لشبكة الكهرباء، ليصل الإنتاج إلى 3817 ميجاوات من الكهرباء يوميًا.
كما شهد قطاع الاستثمار في الإقليم منح التراخيص لـ414 مشروعًا في 11 قطاعًا مختلفًا، بمبلغ يزيد عن 16 مليار دولار، بعض منها ذهب إلى قطاع السياحة الذي شهد بناء 118 مشروعًا بتكلفة تفوق 48 مليار دينار عراقي.
كما ذكرنا، جميع القطاعات حظيت باهتمام كبير من قبل حكومة الإقليم، التي أولت اهتمامًا خاصًا بالبيئة من خلال العمل على زيادة المساحات الخضراء بنسبة 3%، مع بناء 3 محطات مستقرة لتقييم الأنواء الجوية، وتم تنظيف 7 مليون متر مكعب من المساحات المزروعة بالألغام.
من منطلق برنامجها الحكومي في إعطاء صلاحيات أكبر للوحدات الإدارية، من خلال تطبيق نظام اللامركزية الإدارية في إقليم كردستان، تم تحويل مركزي قضاء زاخو وسوران إلى إدارات مستقلة، مع تحديث 11 مركز قضاء و8 نواحي، في خطوة لتحسين الخدمات للمواطنين وتسهيل الأمور الإدارية، لكي لا يتحملوا مشقة قطع مسافات طويلة لإنجاز بعض أمورهم الإدارية.
ورغم إيقاف التعيينات في مؤسسات القطاع العام الحكومي على مستوى العراق بقرار من الحكومة الاتحادية بسبب الأزمة المالية، لجأت حكومة الإقليم إلى تأمين فرص العمل للشباب العاطلين والخريجين الجدد من الجامعات والمعاهد في الإقليم، وتمكنت من توفير 130 ألف فرصة عمل من خلال الاستثمار. كما تم تحويل 38 ألف محاضر لعقود دائمة في وزارتي التربية والتعليم العالي، فضلًا عن الموافقة على تعيين 4925 شخصًا من الأوائل في الجامعات والمعاهد في كردستان. وعملت أيضًا على استفادة 11528 شخصًا من التدريب المهني ليتمكنوا من الحصول على فرص العمل في القطاع الخاص.
نستطيع القول إن هذه الإنجازات تحققت في وقت مرت فيه حكومة إقليم كردستان بظروف وتحديات صعبة، من بينها تفشي وباء كورونا والإغلاق العالمي في كل القطاعات، مما أثر على انخفاض نسبة الواردات المحلية والضرائب. وما أن انتهت هذه الجائحة حتى شهد الإقليم صراعًا مع الحكومة الاتحادية في بغداد، تمثل في منع الإقليم من تصدير النفط من اباره عبر ميناء جيهان التركي بعد كسب الحكومة الاتحادية دعوى قضائية في إحدى المحاكم الفرنسية. ليبدأ الإقليم بعد ذلك صراعًا مع وزارة المالية الاتحادية لتأمين رواتب موظفي القطاع العام، دون صرف ميزانية للخدمات أو المجالات الاستثمارية، وما زالت المشكلة قائمة رغم مصادقة مجلس النواب العراقي على قانون الميزانية الاتحادية لثلاثة أعوام، والتي تضمن تخصيص نحو 12% من الميزانية للإقليم، مقابل تسليم الإقليم للنفط ووارداته الداخلية إلى خزينة الحكومة الاتحادية.