تأريخ بدايات ثورة گولان ٢٦/ ٥/ ١٩٧٦

الجزء العاشر

تأليف: أسعد عدو

ترجمة: بلند داوود

تقديم: د. عبد الفتاح علي البوتاني

تحرير صحفي: سالم بخشي

 

*بالرغم من الحرمان وصعوبة الظروف وارهاب وبطش النظام، كانت الجماهير تمد لنا يد العون والمساعدة ويشاركونا رغيف خبزهم وامكانياتهم البسيطة وحتى التضحية بأبنائهم

 

* البيشمركة (ملا محمود) واجه ظروف قاسية اضطرته الى اتخاذ قرار تسليم  نفسه للنظام، وفي اللحظة التي القى بندقيته استعداداً للتسليم، اصيب بجلطة قلبية واستشهد كمداً وحسرة

 

برايتي: الى أين كانت تمتد الرقعة الجغرافية لنشاطات مفارزكم؟

مفارزنا كانت تصل لجميع الرقعة الجغرافية المحددة لنا، بالأخص مع زيادة عدد بيشمركتنا وتعزيز التنظيمات الحزبية، ومن المفارز التي لعبت دوراً مهماً وأسهمت في الحد من تحركات العدو هي مفارز كل من (نصرالدين مصطفى، تحسين شاويس، قادر فرج، محمد صالح روزبيانى، مصطفى احمد، فتح الله و حسن خوشناو) وكذلك الذين كان لهم دوراً كأعضاء في القطاع والمفارز الأخرى.

بالرغم من اننا قدمنا في البداية العديد من الشهداء حيث ان مفرزة تحسين شاويس التي هاجمها قوات النظام في قرية (زالة) على اطراف (جمجمال) بتاريخ (10/5/1977) قدمت لوحدها (7) شهداء وكان ذلك خسارة كبيرة، ولكنهم لم يستسلموا والناجين من تلك المعركة ما يزالون مستمرين ومتواجدين في ساحات النضال والعمل الحزبي.

 

 

 

كما ان البعض منهم لعبوا دوراً كبيراً جداً في المجال التنظيمي للحزب ومنهم الشهيد ملا رسول الذي كان كادراً نشيطاً يحمل افكاراً دينية وقومية في آن واحد، تمكن من ايصال النشاط التنظيمي الى داخل مدن كركوك والسليمانية وبغداد، فضلا عن شقيقة الشهيد عزيز داخل مدينة السليمانية التي تركت بصمة واضحة في تنظيماتنا الحزبية، التي امتدت الى داخل القوات المسلحة للنظام وخاصة في مدينة قلعة دزه، التي تمت الوشاية بأعضاء لجنتها المحلية، وتم اعتقالهم واعدامهم من قبل النظام، وفي الجانب العسكري خضنا معارك عديدة وحققنا انتصارات كبيرة بخسائر قليلة جداً.

برايتي: تحدثتم عن المعارك التي خضتموها في تلك الفترة، حيث كان لمعركة (شارستين) صدى كبير ودوياً قوياً في الشارع الكوردستاني ورفعت من معنوياتكم، حبذا لو تحدثنا باختصار عن تلك المعركة؟

كانت معركة (شارستين) اختباراً مهماً لنا وحققنا انتصاراً كبيراً فيها، ومن ثم أنشأنا عدة مقرات في وادي جافايتي وعلى سفوح جبل آسوس، وشينكايتي، ودابان وسيدر، وشارستين، واماكن اخرى، وشن النظام وفقاً لخطة مسبقة هجوماً على مقرنا في قرية (سيدر) التي كانت تبعد عدة كيلومترات عن المدينة وعن القاعدة العسكرية في دوكان، وكنا بصدد الذهاب نحو المعركة من أجل مساعدة رفاقنا البيشمركة، ولكن تبين فيما بعد ان النظام يهاجمنا من عدة محاور، وبدورنا توجهنا الى سيداره على محورين عن طريق قريتي (شارستين) و(ياخييان) وتبين لنا ان عدداً كبيراً من جنود العدو وصلوا الى اسوار قرية (شارستين) وكانت الساعة حوالي (6،30) صباحاً، وكان الجو ضبابياً ما بين (شارستين وهواره برزه)، أخذنا مواقعنا خلف ظهر قوة العدو، وشرعنا بضرب القوة المهاجمة، كانت معركة عنيفة جداً، حققنا نصراً كبيراً، وبحسب التقارير التي وصلتنا من القرية، فأن حصيلة المعركة كانت مقتل (163) ضابطا وجندياً، واسقاط مروحية للعدو، في حين لم نكن نمتلك سلاحاً ثقيلاً، وكانت قوات البشمركَة تفتقد حتى لوسيلة نقل، وكنا نسير على الأقدام نحو المعارك ومواقع العدو، وكانت خسائرنا في تلك المعركة البطولية (7) شهداء و(9) جرحى، وكنت ضمن الجرحى، كما أستشهد (16) مواطناً من ابناء القرية غالبيتهم من النساء والأطفال والشيوخ وجرح(51) مواطناً آخرين.

وبالرغم من كثرة عديد قوات العدو وقلة اعداد البيشمركَة، تعرضنا للقصف العنيف من قبل (12) مروحية، ولكن النصر هو دائماً حليف الحق، وكان لهذه المعركة البطولية، صداً قوياً في وسائل الأعلام المحلية والأجنبية، ورفعت من معنويات الجماهير والبيشمركَة، وهنا لابد من الإشارة الى نقطة مهمة وهي ان الكثير من اهالي المنطقة ساندونا بأسلحتهم الشخصية.

برايتي: نظراً للانتصارات المتحققة وتسلمكم زمام المبادرة في المعارك، الم يحاول النظام عرض حوار او شيء من هذا القبيل عليكم؟

نعم حاول ذات مرة، وكان ذلك بعد اعتقال عدد من الخبراء البولنديين من قبل قوات البيشمركة، حيث بعث مسؤولاً كبيراً للنظام رسالة لنا ، طالب فيها اطلاق سراح الخبراء مقابل مبلغ من المال يتم تحديد مقداره من قبلنا، ومن جانبهم عرضوا علينا مبلغ (100) ألف دينار يتم ارساله الى مكان يتم تحديده من قبلنا، كما جاء في الرسالة ان الحفاظ على حياة هؤلاء الخبراء، واجب على كل مواطن عراقي شريف، وكان ردنا على الرسالة هو كالآتي: نعم الحفاظ على حياة الخبراء واجب كل مواطن شريف، ولكنكم لستم شرفاء لما تقترفونه من جرائم ضد الأطفال والنساء الكورد الأبرياء.

 

 

واضفنا في جوابنا على الرسالة: الخبراء سيبقون معززين مكرمين لدينا وسنحافظ على سلامتهم ونحن مستعدون لدفع اي مبلغ تحددونه من اجل إطلاق سراح المواطنين الكورد المعتقلين لديكم. قدمنا هذا العرض في وقت لم نكن نمتلك اية اموال في حينها، وبعد هذا الرد يأسوا وقطعوا اتصالهم بنا.

برايتى: كيف كان مستوى التعاون الجماهيري معكم؟

كنا نعاني من شحة السلاح والذخيرة والطعام ومنهكين، لكن اهالي القرى كانوا يدعموننا بشكل كبير، سواء داخل كوردستان العراق، او المناطق الأخرى من كوردستان ايران وتركيا وسوريا، لا يمكن ان ننسى دعم ومساندة الجماهير لنا، ولولا تلك المساندة، لما تمكننا من الأستمرار في الثورة وما كنا وصلنا الى هذا اليوم الذي نحن فيه.

وبالرغم من الحرمان وصعوبة الظروف وارهاب وبطش النظام، كانت الجماهير تمد لنا يد العون والمساعدة ويشاركونا رغيف خبزهم وامكانياتهم البسيطة وحتى التضحية بأبنائهم، فضلا على جمع المعلومات عن تحركات العدو وارساله الينا وسط مخاوف ومخاطرة كبيرة، شاركونا في التصدي ومقاومة العدو بأسلحتهم الشخصية، وقدموا الشهداء والجرحى في المعارك بشكل طوعي ،من دون ان يكونوا ملتحقين بقوات البيشمركة  او منضمين في صفوف وتنظيمات الحزب.

برايتي: كيف كنتم تسيرون شؤون اهالي القرى؟

كانت ثقة الجماهير بنا كبيرة، الى درجة كانوا يطرحون مشاكلهم القانونية والاجتماعية مع بعض عناصر البيشمركة الملمين بأمور الشرع والقانون ومن جهتنا شكلنا لجان شرعية لحل تلك المشاكل، وكان الناس يحترمون قرارتها ويلتزمون بها، ومن اعضاء تلك اللجان (الشهيد ملا رسول والملا خدر والملا محمد والملا محمود) كما ساهمت تلك اللجان في وضع حلول للعداوات والثارات العشائرية القديمة في مناطق نشاطاتهم وكنا نكلفهم بتلك المهام ومن جهتهم كانوا يقومون بحل تلك القضايا بشكل عادل.

هنا لابد من الإشارة الى موقف تعرض له البيشمركة ملا محمود، واجهته ظروف قاسية اضطرته اتخاذ قرار تسليم نفسه للنظام، وفي اللحظة التي القى بندقيته استعداداً للتسليم، اصيب بجلطة قلبية واستشهد كمداً وحسرة.

 

برايتي: كيف كانت علاقاتكم فيما بينكم ومع خارج كوردستان؟

جميع المفارز كانت مرتبطة مع القطاع، وبالنسبة للقطاعين كانت علاقاتنا وثيقة وودية وكنا مرتبطين بالقيادي الراحل جوهر نامق المعروف ب(سليم) كما كانت لنا ارتباطات عبر تنظيمات جامعة بغداد، التي قامت بتنسيق بعض الأمور لنا.

اما فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، فكانت تدار من قبل الشهيد الخالد ادريس بارزاني وكان يقوم بإدارة هذا الملف بنفسه، واحياناً كان يقوم بمساعدتنا بحل بعض الإشكاليات من دون ان نستنجد به. اتذكر ذات مرة طلبنا النصح والإرشاد من الرئيس بارزاني، فأجاب الشهيد ادريس بنفسه وقال: شعبنا مظلوم، العدو ظلمه كثيراً وهذا الشعب امانة بأعناقكم، لا تجرحوا قلوبهم وكونوا مرنين ولطيفين معهم بقدر المستطاع وتعاملوا معهم بصدور رحبة وقلوب منفتحة واحترموا كبارهم وصغارهم وتعاملوا معهم بتواضع اثناء مكوثكم في القرى والمدن، وفي ذات الوقت كونوا اشداء في مواجهة العدو ولا تتراجعوا في مواجهته، لإنكم مع الحق فالله سبحانه وتعالى معكم، انتم سكان تلك المناطق بالأساس وتعرفون كيفية التعامل معهم.

برايتي: كلمة اخيرة دكتور؟

الجواب: بمناسبة الذكرى السنوية الـ(17) لثورة كولان المباركة، أحيي ارواح شهداء هذه الثورة الوطنية الكبرى، وبالأخص روح الأب القائد مصطفى بارزاني والشهيد الخالد ادريس بارزاني، الذي أشرف بنفسه على قيادة الثورة في تلك المرحلة البالغة الحساسية والخطورة، المجد لجميع شهداء الكورد وكوردستان.

محمد خالد البوصلي

الربط بين تأريخ ثورتي أيلول وكَولان

 اسعد عدوّ

ملا امر/ 27/3/ 1995

التأريخ كتب وفق امزجة الأشخاص، فأصبحت الشعوب المناضلة والمظلومة والمضحية بحياتها، كالحجارة في قاع الماء، أما الانتهازيون الذين بيدهم زمام الأمور قدموا أنفسهم أبطالاً بين صفحات التأريخ، بينما نحن الكورد لم ننل من هذا التأريخ سوى الظلم والاضطهاد والتهميش، ولم نحرك ساكناً ولم نقم بتدوين تأريخنا، مبررين ان التأريخ كتبه الأعداء، والمفارقة المؤلمة هي اننا خلال السنوات التي تلت الانتفاضة قمنا بتشويه تأريخ ثورات التحرر الكوردية بأيدينا من أجل المصالح الحزبية الضيقة ومن أجل دناءة نفوس الانتهازيين، ولهذا أرى من الضروري الإسراع في كتابة تأريخ هذه الثورات، كي لا يأتي من بيدهم السلطة ذات يوم، ويتعاملوا بقسوة مع الكورد وقياداتهم ، فيتصرفوا بشكل أسوأ من العدو نفسه، وينهشوا في روحهم الوطنية.

وهذه المرة نرى أنفسنا محظوظين، ونحن نستضيف بيشمركَة مقدام ومضحي في سبيل نهج الكوردايتي، الا وهو المناضل محمد خالد بوصلّى(أبو سكَفان) هذا البطل الذي أستطاع أن يدون لنفسه تأريخاً بفوهة بندقيته، البوصلّي استمر في نضاله منذ (10/12/1961) والى اليوم دون كلل او ملل.

تعريف

يتحدث المناضل البوصلّي عن بداية اتصالاته بثورة ايلول ويقول: ((في 10/12/1961 وبرفقة الكثير من اهالي منطقتنا الآخرين حملنا اسلحتنا للدفاع عن الثورة بإمرة المناضل (علي هالو البوصلي) وتوجهنا نحو منطقة برواري وحينها كان الأب الروحي بارزاني الخالد قد وصل هو الاخر الى تلك المنطقة.

ومضت الأيام وشاركت خلالها في أشهر المعارك في منطقة بادينان، ونظراً لحاجة المنطقة شاركت مرتين في دورة هندسية مع أحد البيشمركة، ومن ثم فتحت في بادنيان دورة هندسية لعدد من البيشمركة الآخرين.

وفي الوقت الذي كان الناس قد تركوا حمل السلاح خلال السنوات الاربعة التي تلت بيان اذار  فإنني بقيت في حركة دائمة في حين كان اعدائنا يخططون لمؤامرة دولية لضرب الثورة الكوردية، وفي يوم (28/2/1975) تلقيت من المناضل الراحل عيسى سوار (آمر قوات زاخو) برقية وكنت في حينها آمراً لـ (فصيل الهندسة) يطلب فيها ان احضر- الى مقر القوات لأن النظام العراقي، قام بترحيل القرى الكوردية على جانبي الحدود بين سوريا والعراق واسكن مكانها عشائر عربية وبالنسبة لنا كان من الصعب جداً ان نقوم بنشاطات عسكرية هناك، ولهذا تقرر ان اذهب الى الجانب الآخر من الحدود ومن هناك اعود الى داخل الاراضي العراقية لتنفيذ المهام التالية:

1- تفجير قطار الشحن.

2-تفجير خط السكك الحديدي للقطار.

3- تفجير انابيب النفط بالقرب من البوكمال (يتم تنفيذ كل هذه العمليات في الجانب العراقي).

تنفيذ الأمر

ومن أجل القيام بهذا الواجب جهزنا المواد اللازمة للتفجير، وتوجه (7) من البيشمركَة الانتحاريين نحو كوردستان الشمالية، وهم كل من (محمد خالد البوصلي، أحمد رموّ نائب قائد الفصيل ويقيم الآن في السويد، علي عيسو نعمو، وهومن كورد سوريا والآن يعمل آمراً لسرية فوج بوصلّى، أسماعيل سوري، رشيد ملا عبدالله، محمد سعيد) وبعد معاناة شديدة وصلوا الى قرية (ديره دفشى) وحلوا ضيوفاً على أحد المناضل (خليل ديّره ده فشي) وهو الآن بيشمركَة في فوج بوصلّى، وفي المساء توجهوا نحو جزيرة بوتان بالقرب من قصر-دلال، وحلوا ضيوفاً عند السيد، وفي الليلة التالية عبروا النهر في أعلى الجزيرة، وبعد ثلاثة أيام عبروا الحدود بالقرب من نصيبين الى الجانب السوري، واستقروا في قرية (عين ديوار)القريبة من (ديريك) وكانوا قد وصلوا الأراضي السورية في 14/3/1975)).

ويتابع محمد خليل بوصلّى حديثه قائلا: عندما وصلنا تلك القرية تم استقبالنا من قبل الأهالي بحفاوة وتكريم، وقدموا لنا يد العون والمساعدة كوننا من بيشمركة البارتي والبارزاني، ولم يكن امامنا خيار آخر سوى الذهاب عن طريق مقر (التجمع الوطني العراقي) وكانوا يراقبون تحركاتنا، واثناء مكوثنا في القرية غيرنا ملابسنا وأخفينا اسلحتنا.

ومن هناك توجهنا الى بلدة (تربه سبي) ورفيقنا الذي كان يدلنا على الطريق، كان يعمل في داخل القطار، ومن ثم توجهنا الى مدينة (القامشلي) وفي النهاية وصلنا بلدة (عامودا) وحللنا ضيوفاً على الشقيقين (سيدو وسينو).

وتحدث أحد الشقيقين قائلا: ذات يوم جئت سراً الى القرية الحدودية ورأيت هناك عدداً من تجار قريتنا (بيزهى وامشت دولا) وسلمت صورتين ورسالة ليد الصديق (قاسم) ذكرت فيها انني سوف لا اعود ولا تبحثوا عني.

 

قد يعجبك ايضا