د. توفيق رفيق التونچي
كوردستان اي بلاد الكورد اصطلاح جغرافي جديد بالنسبة لتسميات الدول في المنطقة وحسب بعض المصادر ان سلاجقة الروم أطلقوا هذه التسمية على مناطق تواجد الكورد في الأناضول وبقت التسمية اي كوردستان منذ ذلك الوقت وأطلق التسمية كذلك على احد مدن كوردستان ايران (مدينة سنه او سنندج) للتحول لاحقا التسمية الى محافظة كوردستان ومن ثم تطلق اليوم على مجمل أراضي التي يسكن فيها الكورد في ايران.
المدينة الفاضلة دولة مثالية ولم يتم تاسيسها لحد اليوم طرحها الفيلسوف أفلاطون كأفضل طريقة للحكم يتبوأ فيه الحكماء والعلماء قيادة الأمم والشعوب. من الطبيعي وعبر التاريخ البشري قد.حصل العديد من الهجرات البشرية الى المنطقة (بلاد الرافدين) وقد اختلطت دماء تلك الشعوب الغازية منها والمهاجرة المسالمة مع اهل البلاد في عملية حوار حضاري سلمي كان من نتائجها ذلك الاختلاف بين ثقافات الشعوب واعرافهم ناهيك عن لهجاتهم وطبائعهم وحتى شخصيتهم وسلوكهم ( راجع كتب د. على الوردي في تحليله في لمحات الاجتماعية لشخصية الفرد العراق) والذي يربط فيه سلوكه بالبيئة الصحراوية وباعراف البداوة وطبعا هذا لا يشمل كوردستان لان شعوبها مستقرة ولا توجد صحاري وأعراف البداوة في مجتمعها بل وفيها أقدم مدن العالم المأهولة بالسكان ولحد يومنا هذا تلك هي القلاع المنتشرة في معظم مدنها رغم ان الحقد القومي السلبي الأعمى كان سببا لهدم قلعة مدينة كركوك وتسويتها بالأرض ايام الحكم البعثي البغيض.
لا ريب ان وجود الكورد في مكان ما لا يعني قط بان تلك هي جزء من بلادهم انظر الى التركيب السكاني للعاصمة بغداد كمثال . هذا يثبته التاريخ لان مدنا بأكملها يتالف سكانها من غالبية كوردية لم تكن كذلك قبل اقل من مائة عام كما هي مثلا مدينة وان العاصمة التاريخية لأرمينيا في تركيا الحالية. ناهيك عن وجود مدن مختلطة وربما لا نجد مدينة كوردستانية نقية قوميا او حتى عقائديا. لا ريب ان السياسة قد لعبت دورها في المنطقة فجميع حكومات الدول الأربعة قد اتفقت بصورة او باخرى على خطوط حمراء بالنسبة ل كوردستان وتقرير شعبها لمصيره والجدير بالذكر ان تلك الإستراتيجية السياسية التي يتبعها حكومات تلك الدول تجاه كوردستان منذ معركة معركة جالديران التي وقعت في 23 أب من عام 1514 ميلادية بين قوات السلطان سليم ياووز الأول العثماني ضد قوات إسماعيل الصفوي . انتهت بانتصار القوات العثمانية وتغير الجغرافية السياسية في المنطقة. على أثرها تفتتت المنطقة وتم تقسيم كوردستان.
لان اي كيان سياسي في كوردستان سيفتت حدود تلك الدول التي اصطنعها ما يسمى الاستعمار الفرنسي والبريطاني لهم. هذا ما يخص تركيا ايران سوريا والعراق. اما تواجد الكورد في ارمينيا واذربينجان فهي لاسباب تاريخية بحته والاكثرية كانوا من الايزيديين اللذين اضطهدوا في العهد العثماني وكانت هناك محاولات لانشاء كيان او حكم ذاتي لهم ابام حكم ستالين لجمهوريات الاتحاد السوفيتي المنهارة وربما كان من انعكاسات تلك المحاولات تايدهم لفكرة قيام جمهورية كوردستان في مدينة مهاباد في بداية تأسيسها واستقبال لجوء المناضلين الكورد بقيادة الخالد ملا مصطفى البارزاني اليهم عام ١٩٤٧ . كذلك نجد انعكاسات ذلك في ما كان أدبيات الحزب الشيوعي العراقي بطرحه مبدا تقرير المصير للشعب الكوردستاني في الأربعينيات.
اليوم يتوجه جزء من ابناء الإقليم نحو صناديق الاقتراع على امل تحويل الإقليم عن طريق تطبيق التجربة الديمقراطية والتعددية الحزبية في الحكم الى واحة للديمقراطية يحتذي به في المنطقة. وحيث ستجري الانتخابات البرلمانية في الإقليم وبدأت الحملات الانتخابية حاولت بعض الأحزاب استخدام الطريقة و اللهجة الأمريكية في الحوارات الانتخابية وتلك الطريقة ما تسمى في العراقية الدارجة بأخلاق ( الشقاوات) غير مجدية في المجتمع الكوردستاني الذي قلما تشاهد في شوارع مدنها عراك بالأيادي بل الناس من رواد المقاهي يجلسون يوميا يتحاورون حوارا حضاريا هادئ. ربما ذلك تأثير البيئة والجو المعتدل وطبيعة الكوردستاني الهادئة ناهيك عن الاعراف الكوردستانية مغايره لما هو عليه بالمقارنة مع مدن العراق الجنوبية مثلا. الخطاب ضبابي وعنيف موجه ويخاطب بصورة خاصة الشباب (الطائش) ولا يحمل في فحواه اي فكر سياسي لان الكبار في السن يهملون وينسون تلك الحوارات بسرعة ناعتين ذلك ب (تراهات).
الحوار الهادئ الغير منفعل يسير الى قلوب الناس بسلاسة ولذلك نرى الناس يحبون الشعر ويتغنون بها. كلما استمع الى الشعر بصوت شكر الله بابان يدخل السعادة الى قلبي فقد كنت استمع اليه من راديو قصر الشيرين قبل ستون عاما ولا يزال صدى صوته يرن في فؤادي بعد كل تلك السنين.
الشعب الذي يعشق الشعر الجميل لا بل يتعلمه ويحفظه ويردده. الثورية العنيفة في فرض الرأي مخالف تماما لما تعود عليه الشعب الكوردستاني بل يعتبر من التاريخ حيث ذلك هو أسلوب المتطرفين من الثوريين من اليسار واليمين على السواء.
كوردستان اليوم بيد أبناءها تخطو كي تكون واحة للتجربة الديمقراطية في المنطقة وكل تجربة فيها النجاحات والإخفاقات لكنها ستبقى أساسا لتطبيق عملي لفكر معين او لبرنامج حزبي معين.
نحن في المنطقة عانينا من سطوة العسكر والمغامرين والحزب و القائد الأوحد ولدينا من التجارب والمعانات والماسي الكثير. لذا ان الاستقرار في الوطن هو الهدية التي على الأحزاب النضال من اجلها كي يسود السلام في النفوس وعلى ثرى الوطن ومن اجل استمرار دوران عجلة التقدم ، التطور ، ألإنماء الاقتصادي والاجتماعي والبناء.
الأندلس ٢٠٢٤