العراق ولهيب المنطقة

نهاد الحديثي

رئيس الوزراء العراقي حذّر الميليشيات الموالية لإيران من أن العراق لن يقدر على تحمل عواقب الحرب إن امتدت إليه, وذكر موقع ‘ميدل ايست اي’ البريطاني في تقرير له أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اجتمع مع قادة الفصائل الموالية لايران ومع شخصيات أمنية وسياسية وحذّر من أن العراق لا يحتمل حربا أخرى, وبحسب الموقع البريطاني تتخوف الميليشيات العراقية من ردّ إسرائيلي قد يستهدف قادتها أو مواقعها، بينما تتعرض مواقع تابعة لها في سوريا من حين إلى آخر إلى قصف أميركي وربما إسرائيلي, وبحسب المصدر ذاته يعتقد مسؤولون عراقيون أن الانخراط في الصراع الدائر سواء من خلال الجيش العراقي أو الميليشيات الموالية لإيران قد يتسبب في انهيارها سياسيا وعسكريا واقتصاديا، بما يشمل سقوط الحكومة, يجد العراق نفسه في قلب المواجهة بين إسرائيل وإيران، مع تصاعد الاحتمالات بوصول نيران الحرب المشتعلة في المنطقة إلى البلد الذي يقول إنه يحاول تجنّب الصراع ,, وجد مراقبون للشأن السياسي أن العراق غير بعيد عن الخطر من شرر هذه الحرب لو اشتعلت، لاسيما مع عدم قدرة الدولة على ضبط إيقاعات حركة السلاح المنفلت، سواء داخل البلاد أو في محيطه الإقليمي، وفيما لفتوا إلى أن طهران ستحرك الفصائل الموالية لها لو تطور الأمر هناك، شددوا على ضرورة أن يتبع العراق سياسة مسك العصا من الوسط للنأي بنفسه عن الخطر, فإن المتأثر الأكبر والأول بعد لبنان سيكون العراق لأسباب عدة؛ أبرزها ضعف الدولة فهي غير قادرة على ضبط إيقاعات حركة السلاح المنفلت سواء داخل البلاد أو في محيطه الإقليمي، ولقد رأينا بالتجربة أن الدولة وكل مؤسساتها عاجزة عن ذلك وأن الانفلات المسلح ممكن في أية لحظة.

يوضح باحثون في الشأن السياسي ، أن “الهدنة التي جرت بين الفصائل العراقية والقوات الأمريكية تمت بناء على اتفاقات غير مباشرة أمريكية إيرانية، وهذه الهدنة كانت برغبة من قبل الجانب الإيراني أولا لأن الإيرانيين لا يريدون تصعيد الصراع مع الولايات المتحدة فهم يريدون أن يتم تحييد واشنطن وجعل الصراع إيراني إسرائيلي , الا ان توسع الصراع وهجوم إسرائيل جنوب لبنان , وابلغت طهران الفصائل الموالية لها في المنطقة وخاصة الفصائل العراقية بالدخول بهذه الحرب ومهاجمة المصالح الأمريكية في العراق والمنطقة, والمتضرر الأول من ذلك هو رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وحكومته لأن الأوضاع ستكون معقدة خاصة بعد إعلان الولايات المتحدة مواصلة الدعم لإسرائيل في حربها ومنها الحرب المرتقبة ضد حزب الله، ولهذا الحرب ستكون لها تداعيات كبيرة وخطيرة على الداخل العراقي.

وكانت صحيفة “الشرق الأوسط نقلت،، عن مصادر مطلعة، تحديد تل أبيب 35 هدفا داخل العراق يمكن ضربها في أي لحظة، وتشمل استهداف قيادات سياسية بارزة وزعماء فصائل على غرار ما حدث في لبنان، مشيرة في الوقت ذاته، إلى طلب رئيس الوزراء محمد السوداني من شخصيات شيعية بارزة التوسط لكبح جماح الفصائل وعدم زج العراق في الحرب بين لبنان وإسرائيل.

في العراق أكبر عدد ممكن من الوكلاء الذين يتقاسمون الأدوار بحسب الطلب ، وهؤلاء لا علاقة لهم بالدولة فقرارهم مرهون خارج الحدود، وكلهم يعتبرون أنفسهم أجزاء من مشروع عالمي للمقاومة ولا يأخذون بعين الاعتبار مصالح العراق وأمنه القومي الإستراتيجي, الأطراف المسلحة مصممة على تدمير البلاد والحيلولة دون استقرارها وبالتالي دون نهوضها، وهؤلاء يتحركون خارج مديات الصالح العام.

إذا أراد العراق أن يتجنب الانخراط بمثل هذه الأزمات ليحمي أمنه القومي ومصالحه العليا فلا يكفي أن يكون قراره الرسمي إمساك العصا من الوسط وتبني سياسة النأي بالنفس، كما تعلن ذلك حكومة السوداني، وأنما يلزمها اتخاذ جميع الإجراءات للالتزام عمليا بهذه الشعارات البراقة من خلال لجم سلاح الميليشيات أولا قبل أن تورط العراق بأزمة هي أكبر منه ومن واقعه الأمني والسياسي، خاصة وأن الدستور واضح في ذلك عندما حمل مجلس النواب حصرا مسؤولية إعلان الحرب والسلم وبأغلبية الثلثين بعد اقتراح مشترك يقدمه رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء.

وكاد العراق أن يتعرض إلى هجمات إسرائيلية في أعقاب الرد الإيراني، «لولا ضغوط دولية بعد رسالتين منفصلتين من إيران والولايات المتحدة»، وفقاً لمصادر موثوقة، قالت أيضاً إن نقاشاً رفيع المستوى يجري الآن لتثبيت قواعد اشتباك جديدة في العراق، بمعزل عن بؤر التوتر, واضطرت هذه التطورات رئيس الحكومة العراقية إلى عقد اجتماع مع قادة في الجيش،، وطلب منهم «رفع مستوى الجهوزية العسكرية أمام المخاطر المتوقعة التي تهدد البلد.

وكانت الفصائل العراقية قد أجرت تغييرات سريعة وكبيرة على مواقع انتشارها في العراق، لا سيما شمال العاصمة بغداد وغربها, وقالت مصادر ميدانية،، إن «فصائل مسلحة وألوية تابعة لـ(الحشد الشعبي) لجأت إلى خطط تمويه شملت نقل مقار، أو الانسحاب من نقاط تمركز ثانوية، في إطار التحضير لهجمات إسرائيلية محتملة , الترجيحات الأمنية، وغالبيتها من طهران و(الحرس الثوري) رفعت احتمالات توجيه ضربات إسرائيلية متفرقة في العراق، وقال إنها «ستكون كبيرة للغاية نتيجة الحصول على ضوء أميركي أخضر للإسرائيليين.

تسعى الحكومة العراقية بقوة لتجنيب بلادها تداعيات الحرب المشتعلة في المنطقة بين إيران وإسرائيل، وكشفت مصادر عن أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني فعّل 3 مسارات داخلية وخارجية لمنع ضربة إسرائيلية محتملة, ويتخوف مراقبون من تصاعد المخاطر بعد أن شنت إيران، هجوماً بمئات الصواريخ على إسرائيل عبرت الأجواء العراقية، بينما تواصل الفصائل الموالية لطهران هجمات ضد أهداف إسرائيلية وأميركية, وقام السوداني مؤخراً بتكليف 3 شخصيات مؤثرة وتحظى بالقبول، بينها شخصية دينية سياسية، لإجراء اتصالات واجتماعات عاجلة مع زعماء وقادة بعض الفصائل بهدف إقناعها بالنأي عن النفس في هذه المرحلة نظراً لخطورة الأوضاع, وتتركز المسارات الثلاثة على «الجهود الدبلوماسية والحكومية للحديث مع حلفاء العراق الغربيين المؤثرين في الأحداث، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا؛ بهدف إقناعهم بموقف العراق البعيد عن الحرب، وتالياً قيامهم بالضغط على إسرائيل في حال فكرت باستهداف العراق.

وأكثر الترجيحات ,, قادة الفصائل تيحدثون عن احتمال استهداف “منشآت النفط , وتضع مجموعة الفصائل في العراق “النفط” كأحد “خيارات المقاومة, بتعطيل تصدير ملايين براميل النفط إلى العالم , وقالوا إذا بدأت حرب الطاقة سيخسر العالم 12 مليون برميل نفط يومياً، ووصف أحد السياسيين الواقع العراقي الذي يُخيّم عليه الترقّب والانتظار لما ستؤول إليه الأحداث في لبنان ,, الطوفان قادم إلى العراق، وعلى العراقيين أن يستعدوا لسيناريو مشابه للبنان , فالمشهد السياسي في البلدين واحد: وضع اقتصادي مربك، سيادة مخترقة، منظومة سياسية متناحرة، وفساد ينخر جسد الدولة , مضيفا ـ عاجلًا أم آجلًا سيدخل العراق الحرب، خصوصًا إذا قررت إسرائيل استهداف محطات الطاقة في إيران. ويبدو أن خيار “النفط مقابل السلام”، الشعار الذي بدأت ترفعه فصائل “المقاومة العراقية” في ضرب المنشآت النفطية بمنطقة الشرق الأوسط، يقارن الفعل بما فعلته روسيا بملف الغاز خلال الحرب الأوكرانية، وإمكانية خسارة العالم 12 مليون برميل نفط يوميّا، حسب تدوينة أبوعلي العسكري المتحدث باسم كتائب حزب الله.

في خضم هذه المعادلة يُثار سؤال حول إمكانية صمود الاقتصاد العراقي أمام تلك التحديات في ما لو نفّذت الفصائل المسلحة تهديدها بضرب الأهداف النفطية في المنطقة. وهل يستطيع هذا البلد المنهك أن يوفّر الطاقة الكهربائية لمواطنيه في الوقت الذي يعتمد فيه على الغاز الإيراني المستورد لمحطاته، وأن يؤمّن رواتب موظفيه لشهرين متتاليين وهو يعتمد على تصدير النفط وبيعه لتوفير السيولة النقدية في تمشية أحواله الاقتصادية؟
.
حكومة محمد شياع السوداني والقوى المعتدلة التي تريد أن تحافظ على موقف التوازن والنأي بالعراق عن الدخول في حرب مباشرة ليس مع إسرائيل فقط، بل مع أميركا التي تريد أن تحافظ على مصالحها الاقتصادية في المنطقة عن طريق الهيمنة على مقدرات الاقتصاد العراقي عبرالتحكم بكميات الدولار الأميركي الذي يدخل إلى خزائن الحكومة العراقية ,, لن يكون العراق بعيدا عن سيناريوهات المنطقة التي تغلي على صفيح ساخن، ما يجعل هذا البلد كالأواني المستطرقة في التأثير السياسي، بمعنى أن استقراره يعتمد على نسب ازدياد أو انخفاض التوتر في المنطقة، وهو ما يجبر العراق على الدخول في صراع إقليمي قد يطيح بنظامه السياسي، وذلك هو الجهل السياسي

قد يعجبك ايضا