انتخابات الرئاسة الامريكية: أبرز معالم نهجي كامالا هاريس ودونالد ترامب في السياسة الخارجية

 

 

التآخي ـ وكالات

في ضوء التوترات الدولية المتصاعدة، تتسع الفجوة بين مواقف المرشحين للانتخابات الأمريكية كامالا هاريس ودونالد ترامب في ملف السياسة الخارجية، ففي حين تسعى هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي، إلى اتباع النهج الذي سار عليه جو بايدن الذي يرتكز على التحالفات والالتزام بالقيم الديمقراطية، ينتقد دونالد ترامب، مرشح الجمهوريين، بشدة هذه السياسة متهما إدارة بايدن بالضعف والقصور في مواجهة التحديات العالمية.

يعكس هذا التناقض بين الرؤيتين الانقسام العميق في المشهد السياسي الأمريكي ويضع العالم على مفترق طرق في ظل قضايا مصيرية على غرار ملفات أوكرانيا والشرق الأوسط والصين وإيران؛ فما هي أبرز نقاط الاختلاف؟

يميز التباين في المواقف والرؤى برنامجي المرشحين للانتخابات الرئاسية الأمريكية كامالا هاريس ودونالد ترامب فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ويطغى التناقض على رؤيتيهما للعالم بحكم الخلفيات الايديلوجية والسياسية لكل منها.

ان كامالا هاريس تسعى عموما إلى اتباع النهج الذي سطره جو بايدن في التعامل مع بعض الملفات الهامة مثل أوكرانيا والصين، يرى دونالد ترامب بالمقابل أن هذه الاستراتيجية تدل على “ضعف” بايدن ونائبته في مواجهة عالم “مشتعل”، متعهدا بإنهاء الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط.

في ما يتعلق بأوكرانيا أكدت هاريس (59 عاما) للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مؤخرا في واشنطن دعمها “الثابت” لأوكرانيا؛ وهاريس لا يمكنها أن تسير عكس التيار. فنائبة الرئيس الأمريكي جو بايدن تشارك هذا الأخير الذي تولى قيادة تحالف الدول الداعمة لأوكرانيا بعد الهجوم الروسي، في جميع قرارته.

أما دونالد ترامب (78 عاما) الذي تربطه علاقات متوترة مع زيلينسكي فيرى بأن “هذه الحرب ما كان ينبغي أن تحدث”، متعهدا بإنهائها، لكنه لم يقدم تفاصيل بشأن كيفية وإمكانية تحقيق ذلك.

ترامب أشاد بـ “علاقته الجيدة للغاية” مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، منددا بمنح واشنطن مبالغ طائلة لأوكرانيا.

 

في المناظرة التلفزيونية التي جرت بين المرشحين في 10 أيلول الماضي، عدت كامالا هاريس أن دونالد ترامب لن يكون سوى “لقمة سائغة” لبوتين، مشيرة إلى أن الجمهوري “أضحوكة” في العالم ويمكن التلاعب به بسهولة من قبل بعض أسوأ قادة العالم.

بالمقابل، تعهد ترامب مرارا بإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا في اليوم الأول من دخوله الى البيت الأبيض.

 

وفيما يتعلق بالشرق الأوسط وفي حين يعد ترامب أن بلاده لم تعد تحظى بالاحترام الذي كانت تتمتع به من قبل في العالم، فإن هاريس تظهر حزما على الصعيد الدبلوماسي لا سيما بشأن الحرب بين إسرائيل وحماس.

وتتفق المرشحة الديمقراطية تماما مع جو بايدن حول هذا الملف فلم يصدر أي مؤشر عن تغير جذري في الاستراتيجية التي تعتزم اتباعها، بخاصة تلك المتعلقة بدعم إسرائيل.

فهي تدافع بشدة عن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وتؤيد الإبقاء على المساعدات العسكرية الأمريكية لكنها تعهدت بعدم “الصمت” أمام معاناة الفلسطينيين.

وخلافا لترامب الذي شجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على المضي قدما في الخطة التي يعتمدها بهدف “إنهاء المهمة”،  تؤيد هاريس وقف إطلاق النار في قطاع غزة كما في لبنان، وتعلق الرهان على الحل الدبلوماسي.

بالمقابل، يؤكد ترامب أن “السابع من تشرين الأول ما كان ليحدث” لو كان رئيسا، وذلك في إشارة إلى الهجوم الذي نفذته حركة حماس في اسرائيل. وتعهد أنه في حال فوزه “سيعم السلام من جديد في العالم. إنه أمر مؤكد”، بحسب تعبيره.

وترامب يتهم هاريس بأنها “تكره إسرائيل” و”إذا أصبحت رئيسة” فإن “إسرائيل لن تكون متواجدة في غضون عامين”.

 

في الملف الإيراني، يظهر كلاهما موقفا متشددا. لكن ترامب اتهم بايدن بضعف إدارته التي أتاحت لطهران، العدو اللدود للولايات المتحدة، “بإثراء” قدراتها على الرغم من العقوبات، وهو ما مكن حسب رأيه طهران من مهاجمة إسرائيل مرتين، في أبريل ثم مطلع شهر تشرين الأول.

وهدد ترامب بـ “تدمير” إيران إذا ألحقت أذى بمرشح للانتخابات في الولايات المتحدة، وذلك بعد أن أطلعته الاستخبارات الأمريكية على تواجد تهديدات لحياته تقف وراءها طهران.

وفي مجال العلاقة مع الصين يرى المرشحان أن الصين هي الخصم الاستراتيجي الرئيس للولايات المتحدة؛ إلا أن نائبة الرئيس عدت أن ترامب عندما كان في السلطة، “باعنا إلى حد كبير في حين كان يتعين اتباع سياسة تجاه الصين تضمن تفوق الولايات المتحدة في المنافسة في القرن الحادي والعشرين”.

فيما أشار الرئيس السابق إلى أن إدارة بايدن حافظت على الرسوم الجمركية التي فرضها على بعض السلع الصينية.

وفي حال فوزها في الانتخابات، فمن المرجح أن تواصل هاريس السياسة الحالية المتمثلة في تحقيق الاستقرار في العلاقات بين واشنطن وبكين، والتعامل مع خلافاتهما “بشكل مسؤول”.

وإذ أبدى ترامب شراسة تجاه دولة يصفها بأنها عدوة، إلا أنه شكك في قيام الولايات المتحدة بدعم تايوان في حال تعرضها لغزو صيني.

والتباين بين المرشحين إزاء حلف الناتو واضح وجلي. تشيد هاريس بحقيقة أن الولايات المتحدة أعادت في عهد جو بايدن إرساء قواعد صلبة لتحالفاتها، ومن بينها مع حلف شمال الأطلسي، في حين شابتها خلافات في ولاية ترامب.

وأثار المرشح الجمهوري ضجة عندما قال إنه يشجع بوتين على “فعل ما يريده” في حال لم تفِ أي من الدول الأعضاء في الناتو بالتزاماتها المالية تجاه الحلف الذي تقوده واشنطن.

وشهدت ولاية ترامب انسحاب واشنطن من اتفاقيات تشمل أطرافا متعددة مثل تلك المتعلقة بالمناخ وبرنامج إيران النووي، وحروبا اقتصادية ولقاءات غير معتادة على غرار اجتماعه مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون؛ في حين تعهدت هاريس بعدم عقد صداقات مع “الدكتاتوريات”.

وفي الملف الافريقي تركز كامالا هاريس على تقوية العلاقات مع الدول الأفريقية وذلك عبر تعزيز الاستثمارات الأمريكية في قطاعات تتعلق بالبنى التحتية، الطاقة المتجددة، الزراعة، والتكنولوجيا.

كما تؤكد هاريس على أهمية دعم الديمقراطية في أفريقيا ودعم الحكم الرشيد. من ضمن ذلك، تشجيع تنظيم انتخابات حرة ونزيهة والحفاظ حقوق الإنسان ومحاربة الفساد.

وتمنح أيضا هاريس أولوية كبرى للتعاون الأمني مع الدول الأفريقية لا سيما دول منطقة الساحل وذلك عبر تقديم السند في مجال التدريبات العسكرية، فضلا عن مجالات تعاون أخرى مثل الابتكار التكنولوجي مع دعم الروابط بين شركات أمريكية وأفريقية.

جدير بالذكر أن كامالا هاريس قامت بزيارة إلى ثلاث دول أفريقية في عام 2022 وهي غانا وتنزانيا وزامبيا؛ هذه الزيارة كانت بمنزلة رسالة قوية من الإدارة الأمريكية لأهمية تعزيز الروابط بين القارة والولايات المتحدة.

أما دونالد ترامب، فلا يرى التعاون بين الولايات المتحدة والقارة السمراء إلا من زاوية المصلحة، فهو يفضل تحقيق مكاسب اقتصادية بصفة مباشرة على حساب البرامج التقليدية للمساعدات التنموية للدول الأفريقية. كما يريد أيضا إعادة النظر في اتفاقية “أغوا” التي تسمح بإعفاء كثير من المنتجات الإفريقية من الرسوم الجمركية في السوق الأمريكية.

 

كما ينوي أيضا تقليص النفوذ الروسي والصيني في أفريقيا بعد ما اقتنع بأن هاذين البلدين يوسعان العلاقات في القارة عبر استثمارات اقتصادية كبيرة تزاحم بلاده.

الشيء نفسه بالنسبة للهجرة فهو يريد تقييدها أكثر بخاصة للمهاجرين من الدول ذات الأغلبية المسلمة كما فعل في عهدته الرئاسية السابقة اذ منع مواطني بعض الدول الأفريقية على غرار نيجيريا وإريتريا والسودان وكذلك اليمن من الدخول إلى الأراضي الأمريكية. فهل سيدرج دول أخرى في القائمة في حال فاز بالانتخابات؟

والانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 من المقرر إجراؤها يوم الثلاثاء 5 تشرين الثاني 2024، وينتخب الناخبون رئيسا ونائبا للرئيس لمدة أربع سنوات. الرئيس الحالي جو بايدن أعلن ترشحه لولاية ثانية لكنه انسحب لاحقا، لإعادة انتخابه لصالح نائبته كامالا هاريس؛ ويترشح دونالد ترامب، عضو الحزب الجمهوري، لإعادة انتخابه لولاية ثانية غير متتالية، بعد خسارته أمام بايدن في الانتخابات الرئاسية 2020.

ومن المقرر أن يجري تنصيب الفائز في هذه الانتخابات في 20 كانون الثاني 2025. وسوف يتم ذلك في نفس الوقت الذي تجري فيه انتخابات مجلس الشيوخ الأمريكي، ومجلس النواب، وحكام الولايات، والمجالس التشريعية للولايات.

وأصبح بايدن وترامب المرشحين المفترضين للحزبين الديمقراطي والجمهوري على التوالي، في 12 آذار، بعد الحصول على أغلبية المندوبين، على الرغم من أنه لم يجري حينذاك تأكيدهما في مؤتمر الترشيح ثم حلت كامالا هاريس بدلا من بايدن.

وبرز روبرت إف كينيدي جونيور كمرشح رئاسي من حزب ثالث حصل على أعلى الأصوات، منذ روس بيرو في انتخابات عام 1992، اذ كان يترشح كمستقل.

ومن المتوقع أن تكون القضايا الرئيسة للحملة هي الإجهاض، أمن الحدود والهجرة، الرعاية الصحية، التعليم، الاقتصاد، السياسة الخارجية، حقوق المثليين (وبخاصة حقوق المتحولين جنسيا)، تغير المناخ، والديمقراطية.

قد يعجبك ايضا