” نحنُ والبحر” و ” بيت فوق حافة الوهم”

 

 

اعداد: عدنان رحمن

اصدار: 7- 10- 2024

 

 عن دار سطور بالتعاون مع مؤسسة سومر صدرت في العام 2022 الطبعة الاولى لرواية بعنوان ( نحنُ والبحر) للروائي ( سعيد غازي الأميري) ومن عنوان فرعي ( من دلالات الهجرة)، نورد منه:

– ”                                            توكيد

المُثبت في تاريخ الصابئة المندائيين هجراتهم الكثيرة، أغلبها في حوض الرافدين وتخومه : أسبابها الاضطهاد الديني أو التحسس لدلالاته، ميزتهم الأبرز تكمن في تكيّفهم للظروف المحيطة التي كانت بالغالب قاسية وخارج إراداتهم، يتأقلمون معها لينفذوا منها بتأثير إيجابي له شواهده ودلالاته. والعراقيون هم الأعرف بذلك وبالملموس. هجرتهم الجديدة اليوم مختلفة الطراز حيث هاموا على وسع الدنيا؛ أكثر من عشرين بلداً؛ بدءاً من نيوزيلاندا وأستراليا شرقاً، إلى السويد شمالاً وغرب المحيط الأطلسي حيث الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، التكيف وعدم الذوبان يشكل تحديهم الأكبر في بلدان المهجر.

                                           القمع السياسي

فترة التردي العراقي بانت بشكل جلي مع استحكام نفوذ صدام حسين وقبل تسلمه للسلطة عام ۱۹۷۹وهو المتلمس لأفضل فترة ازدهار مرّت على العراق في السنوات الخمس تلك التي سبقت هيمنته المطلقة. عُدَّ فيها كأفضل بلدان المنطقة بالرعاية الصحية والفنون الرخاء الاقتصادي، الحريات العامة خاصة منها السياسية والفكرية فترة لم تمرّ بتاريخ العراق لقرون خلت استفتح صدام حسين توليته المدبّرة لرئاسة الجمهورية بانقلاب ناعم تسلم السلطة من سلفه أحمد حسن البكر في مشهد تمثيلي مُذلّ ونادر لسابقة غريبة بامتياز على الحكام العرب الذين جاؤوا لكي يبقوا رؤساء إلى اللحد، استبقها مكشراً عن قبح أنيابه بحملة تطهير سياسي لكل معارضيه شملت الحلقة الأولى لحزبه وبضمنها أقاربه وأنسباؤه حتى منافسوه الافتراضيون من كل التوجهات الدينية والعلمانية، كان لمزهر حصة معتبرة من هذه الحملة وهي إشارة محفزة صوب الهجرة. لم يتمكن مزهر من الهروب أو السفر بشكل قانوني في أوج الحملة القمعية ضد معارضي النظام الافتراضيين، كما فعل الكثيرون حين تمكنوا من الهرب خلاصاً من بطشه المبرمج المحكم والمحتوم كانت فترة قمع سياسي همجية انقلب بها على حلفائه السياسيين وبالذات حليفه الأول الحزب الشيوعي العراقي بما كان يسمى الجبهة الوطنية والقومية التقدمية حملة اعتقالات بدأها من منتصف عام ۱۹۷۸ تقريباً. غير معلنة رسمياً، لكنها كانت شرسة وقاسية بطريقة تنمّ عن دهاء كواليس سرية لمستشارين مختصين بأساليب القمع، جَنَّدَ لها كل إمكانيات الدولة الأمنية والإعلامية استهل حملة قمعه بالتمشيط المنظم، شرع منقضّاً بالتتابع كل محافظة يبدأ بأريافها، ثم النواحي وتليها الاقضية، ثم مراكز المحافظات، الاعتقال كان فردياً، حيث يتم اصطحاب المطلوب أو المشخص بانتمائه السياسي لدائرة الأمن، برفقة رجل أمن ومن دون ضجيج، الطريدة مكشوفة، فقط تنتظر الاعتقال. عند دائرة الأمن تبدأ رحلة المهانة أو الموت وفق ما مُعَدّ للمطلوب سلفاً. وكانت المساومة عادة تنتهي بالتوقيع على وثيقة إذلال ( تسقيط سياسي)”.

وعلى الغلاف في الصفحة الاخيرة ورد:

– ”                                         نحنُ والبحر

بعد أن أكرمتني الاقدار وهي تسمع نداء الاستغفار على افواه أطفالي المفزوعين من ظلام البحر ونسيمه الثقيل للنجاة من طوقه وما تلاه أنا وزوجتي وأطفالي الاربعة، أبطال قصة حقيقية ابتدأت تواريخ احداثها مع مطلع الألفية الثالثة؛ فقط اخترت أسماء بديلة مبتعدا عن شخصنة السرد. كانت تراودني وفي حومة الهلع والخوف في البحر؛ وصية من قلبي الى عقلي… سعيد إذا نجوت بعائلتك، أكتب ما حل وما جرى… وعليك بالموضوعية فالكتابة وثيقة أمينة…. لا تخن قلمك فهو ضميرك.. اشرت به بوضوح للهروب التصاعدي للأقليات الدينية؛ سكان العراق الاوائل وانا أحدهم بنسبة تفوق أعدادهم السكانية، فهم الفصيل الاكثر تضررا من تداعي السلم الأهلي. وصفت حال المهاجر العراقي المنبوذ دوليا الذي اضحى وليمة دسمة لمافيات التهريب والفائض تتلقفه اسماك البحار. أصافح زوجتي الشجاعة ومعها أطفالي طالبا منهم الصفح الجميل على عجالتي وانا أحشرهم بزورق بالمحيط الهندي الذين كبروا على أرض السويد؛ فرحين بشبابهم النابض”.

 

 

 

وعن المؤسسة العلمية لتوثيق الأنساب العربية- مكتب الدراسات والبحوث- سلسلة القصة القصيرة- 4- بغداد- باب المعظم، صدر للاستاذ احمد البياتي مجموعة لقصص قصيرة بعنوان ( بيت فوق حافة الوهم) بطبعته الاولى عام 2006، ومنها قصة بعنوان: ( ابتسامة مُغتصبة)

– ” هذا لن يكون لمدة طويلة, انني ادرك الان بان قضيتي معها سوف تبلغ نهايتها قريبا قلت … اعرف انك واحدة من اللائي يتمنين الموت. انه لامر غريب هذا الذي يحدث. لم تستطع النظر الى وجهي لانها طلبت الكثير مني سابقا, تريثت برهة قبل ان استأنف القول. كان واضحا انك تريدين ان تسمعيني كلماتك الدافئة لكي تؤثري في التأثير الذي تريدين. قالت.. انك لا تصدقني, نعم, انك لا تصدقني, الان لقد ادركت انه لا فائدة ترجى من الحديث معك ان العناد الذي يلازمك جعلك في غاية القساوة, انك بلا رحمة ومبدا حسابي معك لن تتمكن من تسديده بالمر!ة. ولكني ساذهب اذا لم يسرك وجودي, كانت تنتظر ردّا على سؤالها, وفي فترة السكون الذي تلا ذلك كانت ثمة اصوات بعيدة لا اعلم مصدرها بدا الضوء ينتشر ورحت امعن النظر مليا في السماء, اخرجت علبة الدخان من جيب قميصي ورحت ادخن بعمق ناظرا اليها بعد توقف قصير اردفت قائلة… حان الوقت للرحيل, لا ادري ان كنت اود الاعتراف لها بخطاي, بقيت بلا حركة, واستمرت اصوات الصخب تختلط بوقع اقدامها الذاهبة, لم يعد بامكاني تمييز الاصوات, قلت محدثا نفسي, يجب ان تتبعها, هيا كن لطيفا وحنينا فتحركت بمشقة بسبب الآلام التي شعرت بها تعود الي فجاة, ملامحها كانت جميلة متناسقة, وكانت لها تلك الهيبة الروحية التي تمتاز بها المراة العظيمة, دنوت منها دون ان اقول شيئا, ورحت اسوي شعري باصابعي مطرقا براسي الى الاسفل, قالت: ( أأنت مُستعد). لم اجب, لقد اتيح لي من الوقت ما يكفي لكي المحها جيدا, وهي متكئة على الجدار تنظر نحوي, ومن دون ان ادرك كيف حدث هذا سألتني: ( كيف تشعر؟), اشعر بالتعب بعض الشيء, ثم اردفت, لقد حاولت كثيرا رؤيتك, بعدها فضلت السكوت, فرحت اعتذر لها مبديا اسفي ورجوت أنها تقبل اعتذاري وتدرك ما اعني, ابتسمت ورمقتني بنظرة شك خاطفة, بل راحت تحدق النظر فيَّ مليا, وكنت اشعر بعينيها لا تفارقاني طوال الوقت. كان وجهها حزينا وغامضا كنت احسُّ بالضيق تحت نظراتها, وخطر لي انها قد تكون شديدة الذكاء لتكتشف زيف كلامي, ولاح لي فجاة بانها تعرفني معرفة عميقة. احسست ان ابتسامتها مغتصبة غير اصيلة, كانها تجاملني, ولكنني وسط هذا الموقف لم افعل شيئا, وكان وقت الرحيل قد ازف, ولم أدْرِ كيف اعلن لها انسحابي وفشلي تراجعت الى الوراء بخطوات متوجسة مبتعدا عنها, ولكنها امسكت برسغي صارخة, سادفعك الثمن غاليا, وسترى ذلك قريبا”.

وفي قصة اخرى بعنوان ( الذات المريضة) ورد:

– ” انتابني شعور بان شيئا ما قد تغيّر وانا داخل الغرفة دون ان اعرف ما هو على وجه التحديد, وبت افكر في الحالة التي سيؤول اليها وضعي في هذا الجو الخانق المريب, ويبدو لي انني بدأت اقترب من ذاتي الحقيقية اكثر فاكثر وسط هذا الوضع, اتصنع عدم رؤيتي او سماعي لها, وهي تناديني من الجانب الآخر, الشعور بالانكسار والمرارة يسيطران عليَّ وجدت نفسي عاجزا ان اجد طريقي الصحيح، لقد لاحظت محلتي التي اقطن فيها وكان اناسها اموات, فالشوارع تكاد تكون خالية إلا من بعض المارة, ارتسم اليأس على محياي حينما نظرتها, سالتني: ما العمل؟, صمت برهة وقد خالجني شعور غريب بأني لن انعم براحة البال والاستقرار. عند حديثي معها اعتقدت انني اتمتع بحريتي, لكنني كنت اعلم ان الموت يتربص بي في كل حين، وانه قادر على قهري عليَّ ان استعد له في كل لحظة, عليَّ المقاومة وايجاد ما ينقذني, يجب ان لا افقد طعم الحياة والحرية الذي تذوقته. كل شيء اسود في نظري, مدينتي, الحدائق المحيطة بها, حتى شوارعها لم اشاهدها كما الفتها من قبل, لم تعد البلابل تغرد صباحا مما زادني حزنا واسى, علي ان انتظر, ولكن انتظر ماذا؟. لقد اصبحت حياتي جحيما وحالتي المادية بدات تتدهور, لقد استخدمت كل شيء في معركتي مع نفسي, الخوف, القلق, الالم, كانوا يقنعونني بأن لدّي مهمة علي انجازها, حياتي, قد لا يكون لها من مبرر سوى التغلب على ذاتي المريضة, خيمت على المكان ظلمة قاتمة, دوّى صوت مذهل لا اعلم مصدره, ليس بمقدوري ان اطيق رؤية الناس وانا حبيس افكاري الفارغة, لا شيء في حياتي سوى التعب والضجر، اتسكع في الغرفة ذهابا وايابا ولا اعرف اين الوذ كي انسى، الطقس اصبح في غاية البرودة والامطار تنهمر بغزارة وانا حبيس الجدران الاربعة, اتساءل مع نفسي ما الذي سيحدث ان لم يكن هناك منفذ لاتخلص مما انا فيه, اتطلع من نافذة الغرفة لهبوط الليل, ولا اكاد اسمع غير الضوضاء, يجب ان اغلق النافذة, هل الجميع منزوون مثلي في منازلهم؟, وربما الوقت الذي سيستغرقه بؤسي بعد, سنة, ام اثنان, ام …., لا اعلم, انا دون شك في اكثر السنوات ظلمة، سأكون بحاجة الى اعصاب قوية. هل استطيع ان ابني شيئا على هذا الحقد الذي يراودني في كل زمان ومكان؟, خالجني شعور غريب بأن ايامي ستكون رهيبة طالما بقيت خانعا ذاعنا, منقادا للرعب, اشعرُ بضياع في كل شيء في حياتي, ومع هذا اشعر احيانا بأن الامل بالتحرر من قيودي وافكاري الحبيسة سيكبر مع الايام. من الآن فصاعدا كأي انسان ابحرت باحثا عن ذاتي الحقيقية”.

قد يعجبك ايضا