دعْ الغضب وابنِ الحياة

 

متابعة التآخي

الإنسان بحاجة إلى عزم دائم في ترك الغضب والتعامل برفق، فإذا لم يعزم على ترك الحدة ولم يمتلك الإرادة على درء الغضب أو التقليل منهما، فإن هذا الإنسان سيصاب بالندم الكبير والحسرة.

يوصَف الغضب بأنه نوع من أنواع الطاقة التي أودعها الله في كينونة الإنسان، والغرض الإلهي من إيداع قوة الغضب في الإنسان لكي يختبره في أعماله وقراراته وتعامله مع الناس، وهل تتغلب عليه طاقة الغضب ويقسو على الناس ويظلمهم، أم أنه يسيطر على طاقته هذه ويتحكم بها، ويراعي الله تعالى في الناس وفي تعامله معهم خاصة إذا كان ذا منصب أو مسؤولية كبيرة، كأن يكون حاكما على الناس.

فمثلما توجد طاقة الحركة والتفكير وحركة العضلات ممثلة بالقوة الجسدية وقدرات الإنسان باستخدامها في طريق الشر، كذلك توجد طاقة الغضب أيضا عند الإنسان، فالحاكم الذي يمتلك سلطة كبيرة، إذا أفلت منه زمام السيطرة على غضبه يمكنه أن يقتل الناس ويعدمهم بجرة قلم لا تستغرق أكثر من لحظة.

هذا ما يمكن أن يفعله الغضب بالناس إذا تم استخدام هذه الطاقة بالصورة والطريقة غير المقبولة.

القوة الغضبية في الإنسان لكي يستفيد منها إيجابيا وليس العكس، فتوجد الكثير من المواقف العملية التي تمر في حياة الإنسان تحتاج منه إلى أن يتخذ قرارا قويا فعالا مؤثرا، ومثل هكذا قرارا لا بد أن تتوفر لها الطاقة الغضبية اللازمة، ففي بعض الأحيان لا يستفيد الإنسان من موقف المهادنة، لذا عليه أن يكون حازما.

الحكمة والتوازن والاعتدال

وهذا الأسلوب الحاد لا يمثل النمط الدائم والعام في التعامل، بل اللين والحكمة والتوازن والاعتدال هي مجموعة أساليب تميل إلى الهدوء والرزانة والعفو والصفح في التعامل، إلا ما ندر، وفي هذه الحالة يحتاج الإنسان (وهذا أمر نادر) إلى طاقته الغضبية للتعامل مع بعض المواقف واتخاذ قرارات معينة.

يحتاج الناس جميعهم إلى صيانة النفس من الغضب، لأن مخرجات هذا السلوك كبيرة، وتنعكس على حياة المجتمع كله بصورة جيدة، لهذا يحتاج المجتمع كله إلى السيطرة التامة على القوة الغضبية، حتى يعيش الناس في حالة من الهدوء والاستقرار والتفرغ للتفكير في سبل التقدم ومواكبة ما يجري في العالم من تطورات هائلة.

السيطرة على الغضب لا تتعلق بمن يطلبها ويدعو إليها، ويريد المساعدة لكي يتعلم السيطرة على غضبه، بل جميع الناس يحتاجون إلى هذا الأسلوب في الحياة، لأن الغضب أو القوة الغضبية المنفلتة تهدد سلامة حياة الناس واستقرارها وهدوءها.

وقد لوحظ من خلال ما يحدث من تعاملات ونشاطات اجتماعية، أن الكثير من مشكلات المجتمع سببها القوة الغضبية المنفلتة، ولدينا على سبيل المثال ما يجري بين بعض عشائر العراق من خلافات ومشاكل، فهي لا تستحق كل هذا الغضب مطلقا، لأنها أمور بسيطة جدا وحتى لو كانت معقدة وصعبة، فإن الحوار والجلوس في الدواوين كفيل بحلها، المهم أن يفلت زمام الأمور وينطلق الغضب من عقاله ويفعل ما يشاء في الناس.

فكل إنسان يسيطر عليه الغضب سوف يتخذ قرارا تحت ضغط الغضب ويكون قاسيا وربما متسرعا ويمكن استبداله بقرار أقل حدّة وضررا على الناس والنفس، لهذا تجده سرعان ما يندم على اتخذه من قرار أو ما قام به من أعمال لا تستحق القيام بها.

محاصرة الغضب بالحكمة والرشاد

التاريخ نفسه يذكّرنا بأن الغضب أشعل معاركا بين أمم بأكملها، بسبب كلمة طائشة أو قول يفلت من اللسان في لحظة ضعف وغضب، فالإنسان الغاضب يكون ضعيفا لأنه يفقد عقله في الغالب، فيطلق سهام الكلام تحت ضغط الغضب من دون أن يقدر فداحة إساءة كلامه، فتشتعل نيران العداوة بين الناس.

وهكذا تبتلي أمة كاملة من كلمة واحدة يطلقها إنسان غير قادر أن يحكم زمام غضبه، فتؤدي هذه الإساءات إلى ما لا يحمد عقباه، فقد تتطور الكلمات إلى أعمال عدوانية وحروب طاحنة، يروح ضحيتها الآلاف والملايين من البشر بسبب أقوال طائشة لا أكثير.

من هنا لإن الإنسان بحاجة تامة إلى السيطرة على غضبه، ولا يسمح له بالإفلات من قبضته، لأن الغضب كالإنسان الطائش الذي لا يمتك القدرة على تقدير المواقف ونتائجها، فهو بسبب الغضب يرى غير ما يراه الناس الواعون الرعون الحكماء والعقلاء، معم هو سوف يندم ولكن ما فائدة الندم بعد أن يقع (الفأس في الرأس)؟

قد يعجبك ايضا