….3
كتابة/ دلزار اسماعيل رسول
لقد بدات معها بصداقة بريئة…حتى وصلت إلى منعطف صعب جدا، لا اقدر على الرجوع و الحياد عنه…ملكت علي كل زوايا حياتيبالذكريات…فلا أستطيع أن ازور مكانا الا و رايتها شاخصة اماميبروحها و تناديني بصوتها الأثيري…فباتت لي رمزا شاخصا أمامي، و صارت بوصلة روحي اهتدي اليها أينما ذهبت ، و كيفهما حللت…ووصلنا الى القمة مع بعضنا البعض، ولكن سقطنا في هاوية سحيقة مع الايام، و صرنا نندب حظنا العاثر ، و شيئاً فشيئاً،صارحتني برغبتها في الابتعاد عني رحمة و شفقة عليها….
الابتعاد…كلمة تحمل بين طياتها العديد من مشاعر الاسى و العذاب…ولكن في نفس الوقت تحمل معاني الارتياح و البعد عن ما يكدر صفوك و يعكر مزاجك، و يخبو بهجتك للحياة…ولكن طلبها يعني انك قد وصلت الى حد الامتلاء الذي قد يوصلك بعدها الى الانفجار و الانعكاسات السيئة التي تظهر على النفس و الروح و بعدها على الكيان و الجسد..و هذا القرار بحد ذاته ، يحمل مدلولات عميقة لا يغفل عنها أي عاقل او صاحب بديهة و نهى …
لقد طلبت مني الابتعاد لفترة وجيزة…لكي تعيد صياغة نفسها ، و ترسم شخصيتها مرة اخرى ، و تستطيع ان تقف موقف المتفرج على موقعها الحالي معي، لكي تستطيع أن تراني و ترى غيري…بحيث تستطيع ان تختار طبيعة علاقتها معي، و تكون في مساحة كافية ، تتحرك بحريتها فقد تسعفها أيامها ، بشخص آخر ، غيري، تكمل بهافطرتها التي جبلت عليه، وهي البحث عن شريك الحياة… ففي بعض الاحيان تكون في مفترق طرق، لا تستطيع ان ترسو على قرار ، ولا تطيق الانتظار في موقفك الحالي في أي علاقة…
لا ادري هل هي بداية الفراق مرة اخرى…أم محطة مؤقتة ، تريد فيها ان تسترجع نفسها ، و تقرر قرارات مصيرية لي و لها ، من ضمن القرارات الكثيرة التي عشناها فيما مضى، و أثرت علينا سلباً و إيجاباً ، و مررنا بأوقات عصيبة تبعا لها…
الحب قد يخبو …ولكنه لن يموت ابدا ، و قد يرجع الى الحياة من تحت الرماد ، على إثر جمرة مخبوءة ، ما زالت الحرارة تدب فيها ، و أي شرارة يعيدها الى سابق عهدها السابق، ولكن في نفس الوقت ، فأي تصرف ما حتى و إن كانت غير مقصودة ، تعيد الى الاذهاب ، حوادث جرت ، و آلام نزفت ، و عيون دمعت ، و قلوب أنهكت …
هناك أشخاص نذوب لهم ولا نستطيع الاقتراب منهم…نقضي العمر نتمنى ، و نمد يد الدعاء ضارعين متبتلين ، ولكن مشيئة الله سبحانه فوق كل مشيئة، فتراك قد اقتربت منها ، وقد قاب قوسين أو أدنى، لكي تقترن بها، ولكن يشاء القدر دون ذلك، فتتقوى شجرة الحرمان لديك اكثر و اكثر و تمد جذورها في الارض، فتزداد انطواء ، و تشتد حسرة ، و يستفحل جرحك أكثر و أكثر…
ما مدى الخسارة التي نلاقيها نتيجة أختيارات قلوبنا على المدى القريب و البعيد…سؤال يحيرني…ولكن في نفس الوقت فالأحداث التي وقعت لنا بدون اختياراتنا …لا نلقي لها بالا…لانها حدثت رغم أنوفنا…لذلك حينما تختار ، و ترى أثار اختيارك في شقاء روحك و عذاب جسدك…حينها سوف ترى أنك أوقعت نفسك في أي مأزق ، لا خلاص منه …
ما هذا الاستنزاف الروحي الذي امر به…و الدي اعاد لي جروحا قدخلت و خيانات من اصدقائي قد مضت…و اعادت الى الاذهان، الامقد اكل عليها الدهر و شرب..لا اعرف ما الذي أصابني في مقتلي و جرحي السابق، هل شهوة الخيانة يستحق أن تؤذي في سبيله انسانابريئاً، مازال يحتفظ بسمات الطفولة البريئة ، حتى وهو قد بلغ أشده ، و بلغ مبلغ الرجال..
هل ما تقوم به أحداث عفوية…أو تصرفات بديهية…أم أنها مدروسة ، فهي تعيد صياغة علاقاتي مع أصدقائي الواحد تلو الاخر، و تضعهم على المحك و الاختبار ، و ترجعهم الى لائحة المهمشين و المغمورين و المطرودين ، يا ترى هل أنا ببساطتي المعهودة ، أمنتها عند أصحاب لي ، كنت احسبهم السند ولكن كسروا ظهري و خانوا أمانتي…
هل هذا العمق هو الذي يسبب في عذاباتنا…هل نكون سطحيين وحسب، لاننا لسنا أهلا لنتحمل هذا العبء الثقيل و نئن تحت وطأتها ، فاذا لم نكن من هؤلاء ولا من هؤلاء ، فلنعش العزلة و كفى ، و نترك هذا الخضم لاهلها ، فكل ميسر لما خلق له…
كنت اريدها في هذه المرحلة، ان ترمم ما بقي من كياني ، لا انتهدمه، و تعيد الى الأذهان ، جروحي السابقة….أن تكون بلسماً شافيا لجروحي و قروحي المستديمة… أن تضع يد الحنو و الحنان و أن تربت على ظهري المتعب المثقل بالهموم و المآسي، فبات محدودباً يراه عياناً كل من رآني …. أن تقوم بعملية جراحية لقلبي، و ترمي ما خبث منه، و تستنجد ببضعة الحياة التي تدب فيه…
كنت اريدها ان تعيدني الى سابق عهدي قبل أن أعرفها، و أغترف من حبها ، من الغبطة و السرور و حب الحياة، الابدي…لا ان ارجع الىالانكسارات و الهموم و المواجع….أريدها أن تعيد لي صحتي المفقودة في دهاليز العشق الملتوية…اريدها أن تعيد لي توازني الروحي و النفسي، فلقد فقدته منذ أن عرفتها …أريدها أن تعيد لي علاقاتي مع رفاقي، فلقد باتت هي شغلي الشاغل…ولكن كل امنياتي صارت عبثا ، تذروه الرياح…
هذا البحث الاجلي المضني لن ينتهي… النبش في شخصيتها، لاستخلاص نفسي ، أن أجد روحي المفقودة مرة اخرى، أن تسحقني برحى هواها ، لاكون كينونة أخرى، و أخرج من شرنقتي لمخلوق آخر، غير الذي أعرفه…و أرجع الى بداياتي الاولى كأنسان جديد، غير الذي شوهته صقيع مشوار حياتي المضني، و غيرت ملامح شخصيتي…ولكني لم اوفق…ولا اعتقد أني سوف يحالفني الحظ في مقتبل أيامي…فيوما بعد أخرى، تزداد نظرتي السوداوية للحياة ، و أفقد الامل…
الحب ليس قولا…بل هو مهمة صعبة للغاية…هو ان تستمر في هذاالطريق الملئ بالاشواك …رغم الامك…و انت تجر اطرافك المكسورةورائك و انت وحدك، هالك لا محاله ، و تعرف أنك سوف تجر اذيالالهزيمة في هذا الهوى بلا شك،..بدون ان يمد احد اليك يد العون…تتجرع العلقم و الاسى في طريق صحراوي موحش و لا تدري هلتصل الى جادة الأمان او تقضي حتفك في هذا الدرب، و رغم ذلك تكمل مشوارك نحو الهلاك و الفناء…
الحب هو ان لا تجرح معشوقتك، رغم تجريحها المستمر لك…ان لا تنكأجروحها…رغم انها تفتح جروحك باستمرار…ان تبتسم لها ، بينماهي تضايقك بكلامها…أن تمشي وراءها رغم أنها تركتك في وسط الطريق تائها حائرا، لا تستقر على قرار…أن ترمي الماضي ولا ترجع له ، رغم رجوعها اليه…أن تمد لها يد العون دائماً، و إن هي غلت يديها عنك... هو ان تريها انك لا ترى الجانب المظلم منها، بل فقط الناحيةالمشرقة و الإيجابية فيها…
امنيتها تعذبني…هي تريد شخصا و حسب…لا يهم من يكون…بلتستند عليه و تقضي معه بقية مشوارها في الحياة…هذه كانت نقطةافتراقنا و عذابنا المضني…و سلوكنا هذا الدرب الصعب…ولا ضير في ذلك لـأناس عاديين، ولكن هي ليست انسانة عادية في نظري، بل يجب أن ترتقي مرتقاها الذي جبلت من اجله، لا أن تنزل الىالحضيض لكي تلبي رغبة ما و كفى ، مع شخص لم أرى ملامحه، ولكن استطيع أن اراه ببصيرتي الثاقبة قبل بصري، فلقد أعطى الله سبحانه للعشاق الصادقين ، نظراً قد يتفوق على أي وسيلة إتصال في العالم، فهو يرى، من حيث لا ترى، و يعلم من حيث لا تعلم، و يعلم من بؤره فؤاده الملتهب ما تغيب عن العيون…