قس بن ساعدة خطيبا

 

د . صباح ايليا القس

هذا الخطيب الشاعر عاش في العصر الجاهلي واختلفت الاراء في وجوده فمنهم من جعله قديما ومنهم من جعله قريبا من ظهور الاسلام , فمن جعله قديما اعطاه قدما ستة الى سبعة قرون بما يعني انه قريب من ظهور السيد المسيح وهناك من يشير الى قرب عهده بظهور الاسلام . وقد تداخل التاريخ مع الاساطير في روايات المؤرخين بخصوص هذه الشخصية التي يصعب على الباحث الربط بينها للوصول الى الحقيقة ..

وورد عند المؤرخين انه كان اسقف نجران المسيحية والاسقف هو رتبة دينية اعلى من القس ولكن إذا صدقنا هذه الرواية فسنكون في موقف لا نحسد عليه فأين نجران من قبيلة اياد التي ينتسب اليها اذ ان مساكن اياد في العراق وهو اسقف نجران في اليمن فكيف يمكننا التوفيق بين الرأيين ؟

إن خطبته المشهورة والمعروفة ( ايها الناس , اسمعوا وعوا ) تعطينا تصوراً مقاربا لمن عاش من الشعراء الجاهليين قريبا من ظهور الاسلام . فهو اذ نعرفه بوصفه خطيبا لكنه شاعر ايضا وله من القصائد والمقطعات التي تشير اليها مصادر التاريخ الادبي وفيها يتقارب اسلوبه مع اساليب الشعراء الجاهليين الذي نعرف عنهم الشيء الكثير مما نقله الرواة حتى ان لويس شيخو ذكره في كتابه شعراء النصرانية في العصر الجاهلي اذ استثمر اسم قس فضلا عن صفته الدينية بوصفه اسقفا على نجران ما شجعه على ادراجه ضمن شعراء النصرانية فضلا عن ان الجارود بن عبد الله وصفه للنبي ( ص ) بانه كان يلبس المسوح ويتبع السياح على منهاج المسيح لا يغير الرهبانية حتى انه أدرك رأس الحواريين سمعان .

وتنقل الروايات انه مات بقرية قريبة من حلب وله بها مرقد يزوره الناس ويقصدونه بالنذور وله اوقاف ايضا وقد زاره ابو جعبل الالبيري وقال فيه :

هذي منازل ذي العــــلا         قس بن ساعدة الايادي

كم عاش في الدنيا وكـــم       أسدى الينا من أيـــــــاد

قد قرَّ في بطن الثـــــرى       متفردا بين العبــــــــــادِ

تشير المصادر الى ان قسا كان خطيب العرب وحكيمها فضلا على قول الشعر فهو مزدوج الابداع اذ لم نعرف غيره في العصر الجاهلي من زاوج في الفصاحة والبلاغة والحكمة بين الشعر والخطابة ..

ومن قدراته انه اذا خطب جاء بشعر من عنده سندا وتأييدا لقوله فاذا لم تسعفه اللحظة عن الابتداع فانه يستشهد بما يحفظه من شعر الآخرين وهذا امر يحسب له لا عليه ..

ويعد قسا من المجددين في فن الخطابة بوصفه اول من قال في خطبته ( اما بعد ) التي صارت لازمة لاكثر الخطباء لا سيما عند الانتقال من موضوع الى غيره في انها لا تصلح للشعر لانها خاصة بالاسلوب النثري وللخطابة تحديدا . لان للخطابة اسلوبها الخاص كما للشعر وسائله الخاصة وقلما تصلح للافادة من تبادل الاساليب بين الشعر والنثر .

ومما ينسب له انه اول من خطب من علو واتكأ على عصا اذ لم يعرف عن الخطباء السابقين هذه الخصال ويبدو ان الحشود التي تأتي لسماعه كانت اكبر من قدرة صوته على الوصول لذلك ابتدع الوقوف على علو لكي تتسع مساحة الصوت وتصل الى اغلب السامعين ..

ونظرا لهذه الصفات والخصوصية التي لم يعرفها غيره فقد اصبح قسا مضرب المثل وقدوة لكل الخطباء اللاحقين ومما يؤيد ذلك قول اعشى قيس :

وأحكم من قس وأجرأ من الذي         بذي الغيل من خفان أصبح غادرا

وكذلك قول الحطيئة :

وأقول من قس وأمضى اذا مضى

من الرمح اذا مَسَّ النفوس نكالُها

 

اما موضوعات خطبه فانها تتناسب مع توجهاته الارشادية والايمانية تقول خطبته   المشهورة .. ( ايها الناس , اسمعوا وعوا , واذا وعيتم فانتفعوا , انه من عاش مات , ومن مات فات .. ) والخطبة موجودة في كتب الادب , ويمكن متابعتها على الانترنت .

قد يعجبك ايضا