صعود الإسلاميين .. ماذا يتغير في اللعبة السياسية بالأردن؟

 

 

 

التآخي – وكالات

أظهرت الانتخابات في الأردن تقدماً بارزاً لحزب جبهة العمل الإسلامي، ما يعكس تحولات في المزاج السياسي ويثير تساؤلات بشأن تأثير إسلاميي الأردن في المعادلة السياسية في بلدهم وماذا يعني صعودهم في الانتخابات إقليميا؟

وكشفت نتائج انتخابات مجلس النواب العشرين في الأردن ، التي عقدت الثلاثاء (10/9/2024)، عن تقدم لافت لحزب “جبهة العمل الإسلامي”، الذي يعده البعض “الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين” في الاردن. هذا التقدم جاء بعد حصول مرشحي الحزب على 31 مقعدًا من أصل 138، أي بنسبة 22% من أعضاء المجلس النيابي.

ويرى خبراء أن تقدم جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات الأردنية يمثل تحولًا سياسيًا مهمًا يفتح الباب أمام تساؤلات متعددة حول مستقبل النظام السياسي في الأردن ودور الإسلاميين في الحكم؛ وبرغم أن الإسلاميين لم يحصلوا على أغلبية تؤهلهم للسيطرة على المشهد السياسي، إلا أن حضورهم القوي قد يعيد تشكيل التوازنات السياسية في البرلمان ومن المحتمل في الحكومة.

 

 

وبحسب صحيفة “تسايت” الألمانية، جاءت الانتخابات الأردنية في وقت يعاني فيه الأردن من “تدهور اقتصادي كبير، مع ارتفاع معدلات البطالة وتراجع مستوى التنمية”. هذا الوضع الاقتصادي المتردي، إلى جانب التوترات الأمنية المتزايدة عقب حادثة قتل ثلاثة حراس إسرائيليين بالرصاص على يد مواطن أردني عند معبراللنبي/جسر الملك حسين بين الأردن والضفة الغربية ، وهو ما دفع إسرائيل إلى تعزيز إجراءاتها الأمنية.

من ناحية أخرى، يؤكد الباحث الأردني في حركات الإسلام السياسي، حسن أبو هنية، في حديث، أن النظام الأردني لعب دورًا في دعم تقدم الإسلاميين لأسباب داخلية. ومن أبرز هذه الأسباب، كما يوضح أبو هنية: “الرغبة في تحقيق توازن سياسي وسط التوترات الإقليمية، لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وإسرائيل”. حيث يسعى النظام إلى تقديم بديل يميني ديني يواجه الصوت اليميني الإسرائيلي.

علاوة على ذلك، شهدت الانتخابات السابقة نسبة مشاركة متدنية بلغت حوالي 20%. إلا أن مشاركة الإسلاميين في الانتخابات الأخيرة رفعت هذه النسبة إلى 32.5%، مما أضفى شرعية على الانتخابات كانت الحكومة بأمس الحاجة إليها.

واستفاد حزب جبهة العمل الإسلامي من قانون جديد يستهدف تعزيز دور الأحزاب السياسية في البرلمان المؤلف من 138 مقعدا، على الرغم من استمرار هيمنة العشائر والأطراف الموالية للحكومة على البرلمان.

 

 

وحصل الإسلاميون على 31 مقعدا لأول مرة منذ إحياء الحياة البرلمانية في عام 1989 في أعقاب عقود من الأحكام العرفية، مما يتيح لهم الظهور كأكبر مجموعة سياسية في البرلمان.

وقال مراد العضايلة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين بالأردن إنّ “الانتخابات تعكس إرادة التغيير لدى المواطنين، فمن انتخب الحركة الإسلامية ليسوا بالضرورة من الإسلاميين لكنهم ينشدون التغيير وملوا من النهج السابق”، بحسب ما نشرت وسائل إعلام أردنية محلية.

 

بيد أن الخبير الأردني أبو هنية يرى حاجة الأردن لوجود التيار الإسلامي في ظل الأوضاع المضطربة. ففي فترة حكم ترامب السابقة تعرض الأردن لضغوط هائلة وهو ما يخشى الأردن تكراره. وبحسب الخبير فإنّ “وجود تيار ديني معتدل مثل جبهة العمل الإسلامي يعد وسيلة للتخفيف من هذه الضغوط”.

ويعترض الخبير الأردني أبو هنية على عبارة “النجاح الكاسح” لجبهة العمل الإسلامي، فهو برأيه أن الحزب ولو أنه حقق تقدما كبيرا وكسب العديد من المقاعد إلا أنه لا يمثل الأغلبية في البرلمان، كما أنه غير قادر لوحده على سن القوانين أو تشريعها.

يقوم النظام البرلماني في الأردن على مجلس الأمة بشقيه مجلس النواب ومجلس الأعيان. وفي حين أن مجلس النواب منتخب من الشعب فإن مجلس الأعيان معين من طرف الملك، “لذلك في حال رغب التيار الإسلامي في سن قوانين إشكالية فإنه لن يستطيع تمريرها لوحده في مجلس النواب”، بحسب أبو هنية. ويضيف الخبير الأردني: “حتى لو استطاع سن قوانين فيجب تمرير القانون لمجلس الأعيان الذي قد يرفض القانون أو يعدله وحتى لو مرر مجلس الأعيان القانون إلى الملك، فإن الملك قادر أيضا على رفض القانون أو قبوله أو طلب تعديله، بحسب النص الدستوري”.

 

 

بموجب الدستور، يستأثر الملك بمعظم السلطات، فهو يعين الحكومات ويمكنه حل البرلمان. ويستطيع البرلمان إجبار الحكومة على الاستقالة من خلال التصويت بحجب الثقة. ولا يزال النظام الانتخابي يميل لصالح مناطق العشائر ومناطق ذات كثافة سكانية منخفضة على حساب مدن مكتظة يشكل الأردنيون من أصل فلسطيني الثقل السكاني فيها، وهي مراكز قوة للإسلاميين وبها اهتمام كبير بالسياسة.

وادى الشأن الفلسطيني وما يجري  في الضفة وغزة دورا كبيرا في تقدم حزب جبهة العمل الإسلامي، فهناك حالة من التذمر في صفوف الشعب الأردني لما يجري في الضفة وغزة، بحسب الخبير الأردني. لذلك فإن الحكومة الأردنية ومع تصاعد اليمين المتطرف داخل إسرائيل وانعكاساته على الأردن، يظهر أن النظام قد رأى في جبهة العمل الإسلامي حليفًا يسهم في تقوية الموقف الأردني في ظل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

وادت جبهة العمل الإسلامي، برأي مراقبين، دورًا ذكيًا في تنظيم حملتها الانتخابية، إذ ركزت على القضايا التي تهم المواطن الأردني الاعتيادي مثل الفساد وتطوير البنية التحتية ودعم الشباب. كما حرصت على تقديم مرشحين يمتلكون خلفيات عشائرية قوية، مما ساعدهم في اختراق المناطق التقليدية التي كانت تعتبر معاقل للقوى العشائرية. ويرى خبراء أن هذه الاستراتيجية نجحت في جمع دعم عشائري للإسلاميين بشكل غير مسبوق.

بالنظر إلى التركيبة السياسية في الأردن، فإن الاستعانة بأعضاء من جبهة العمل الإسلامي في الحكومة قد تكون واردة. ومع ذلك، فإن هذه المشاركة ستكون على الأرجح في “وزارات غير سيادية”، مثل وزارة الأوقاف أو التنمية الاجتماعية وغيرهما، بحسب الباحث أبو هنية، الذي يضيف: “سيلاحظ المواطن أنه سيكون هناك نوع من النشاط السياسي الكبير داخل أروقة البرلمان، فمنذ أربع سنوات لم يتم أي استجواب للحكومة مطلقا، وهو ما سيتغير وسنشهد بكل تأكيد مطالبات بحجب الثقة والاستجواب والتوضيح لوزراء وأعضاء بارزين في الحكومة”.

وبحسب أبو هنية فإن تقدم الإسلاميين في الانتخابات الأردنية قد يحمل رسائل للدول العربية الأخرى، خاصة تلك التي تشهد توترات مع جماعات الإسلام السياسي. فعلى سبيل المثال، قد يشجع هذا التقدم الإسلاميين في مصر وتونس على تحقيق نتائج مشابهة. ويرى أبو هنية أن التغيرات السياسية في الأردن قد تكون انموذجًا تحتذي به بعض الجماعات الإسلامية في دول المنطقة، بخاصة في ظل التوجهات العالمية نحو الاعتراف بأهمية دمج التيارات الإسلامية في النظام السياسي، كما قد يشهد هذا المشهد تجاذبات مع دول عربية أخرى تشيطن عمل الأحزاب الإسلامية مثل بعض دول الخليج العربي.

ويبقى السؤال الأهم هو: هل ستتمكن جبهة العمل الإسلامي من تقديم إنجازات ملموسة في داخل المشهد الأردني؟ أم أن تواجدها سيكون شكليًا فقط لإضفاء توازن سياسي من دون تأثير حقيقي؟

 

 

 

قد يعجبك ايضا