31 آب… حينها كنا في بغداد

*نازنين مندلاوي*

كنا في ذهول وصمت مطبق، لا نستوعب الموقف ولا نخفي عليكم ما كنا نسمع ونرى! نتسارع إلى راديو إذاعتي البارتي تارة، واليكتي تارة أخرى، خفية، لنستمع إلى آخر التطورات في بث إذاعي بائس. كان موقفاً صعباً جداً علينا عندما سمعنا الأخبار آنذاك، وتعليقات المتواجدين من الكورد والعرب على صعوبة الموقف وكيف كنا مكتوفي الأيدي حيال ما يجري، ونسمع تعليقات البعثيين وشماتتهم على وضعنا.

كانوا يراهنون على تلاشي وجودنا وإنهائنا، وكانوا يستمتعون بما يحدث. مع الأسف الشديد، لم نكن نصدق أننا سنصل إلى ما وصلنا إليه، وكان درء السوء الأكبر بسوء اضطراري، وكان لابد من الكي، ليس حباً بهذا العلاج، ولا هو ما كان مخططاً له، ولكنه السبيل الوحيد لإنقاذ وجودنا. وما وصلنا إليه هو ما قام به الرئيس بارزاني حينما وافق على مطالبة صدام حسين بالتدخل لدرء دخول القوات الإيرانية بأسلحتها الثقيلة إلى مدن كوردستانية، ضمن سعيها للسيطرة عليها مع حليفها الاستراتيجي الاتحاد الوطني والقضاء على الديمقراطي الكوردستاني. وكانت هذه الموافقة مشروطة بانسحاب الجيش العراقي إلى مواقعه بعد تنفيذ المهمة، وهذا ما حصل حينها، وفشل المخطط التآمري المشترك.

في أحيان كثيرة، عندما تُغلق جميع الأبواب، لابد أن تبحث عن منفذ، وحتى إن كان جحيماً، ولكنك مجبر أن تخطو ولا تقعد مكتوف الأيدي. في ذاك الوقت، ربما كان الأصعب هو الحل الوحيد، وربما كان مجرد التفكير فيه محالاً، ولكن من خطى الخطوة لا يخطوها إلا صاحب الحكمة واليقين. كان إما اليقين أو الجحيم، كان الوجود أو اللا وجود. الحكمة والشجاعة الإلهية كانت حاضرة وبقوة، وتسيطر على الموقف. ربما لم يستوعبها الخونة وعميان البصيرة، ولكن استوعبها من كان يضع نصب عينيه تضحيات ودماء الشهداء.

إن ما نتلمسه اليوم هو من نتاج حكمة ذلك اليوم الذي انتصرت فيه الحكمة على التآمر. انظروا إلى ما نحن عليه اليوم، إن ما لم تستطيعوا تدميره قبل ثمان وعشرين عاماً تحاولون عبثاً اليوم إعادته بطريقة أخرى لا تختلف كثيراً عما حدث حينها، لا من حيث الجوهر ولا من حيث المظهر. الذي لم تنجحوا فيه تعيدونه مرة أخرى. إنكم لا تتعظون ولا تتعلمون من تجاربكم. لماذا ترتضون أن تكونوا أداة هدم وتخريب لمكتسبات دفعنا أنهاراً من الدماء من أجلها؟
لا زال الكثير من أشلاء شبابنا ونسائنا وحتى أطفالنا متناثرة في مقابر جماعية لم نعثر عليها. إن أعمالكم ومواقفكم العدائية ضد أبناء شعبكم سوف تعود عليكم، وعلى من أزاح أقرب المقربين ونصب نفسه الوارث الأوحد، بمعية من يؤجج فيكم ويتبناكم في مساعيكم الخطيرة حتى أصبحتم تتفاخرون بعلاقاتكم الوثيقة مع المتآمرين ضد شعب كوردستان. سوف تتحسرون وتخسرون، وستبقى كوردستان شامخة.

إن من يعمل مع جهات إقليمية أهدافها معروفة في النيل من أبناء شعبنا وسولت لهم أنفسهم أن يكونوا أداة هدم وتخريب بيد أعدائهم، هم يخونون هذه الأرض الطيبة المعطاء، ولن يرحمهم الشعب ولا التاريخ.

قد يعجبك ايضا