نهاد الحديثي
حين يكون الحديث عن الطعام والشراب تحضر نصيحة الاعتدال، الكرم صفة حميدة، لكن كمية الطعام الكثيرة لا تعبر عن الكرم , المبالغة في الاستهلاك والإنفاق والمشتريات التي تنتهي في براميل النفايات يمكن أن تقع أحياناً في خانة التسلية أو حب المظاهر, وكذلك تحضر في مواقف ومناسبات كثيرة منها ما يحدث في بعض الأفلام والمسلسلات حيث يلاحظ استخدام تدخين السجائر بطريقة مبالغة فيها تصدم المشاهد، الإسراف في التقليد ينتشر بين الناس بلا حدود كما يحصل في انتشار ظاهرة الوشم على أجساد اللاعبين في كثير من الدول مما يؤكد نظرية القطيع، تشويه ليس له مبرر وقد أحسنت بعض الدول بمنع هذا التشويه, في موضوع التجارة، العقار، المستشفيات، المدارس والجامعات الأهلية وغيرها من الخدمات فإن المبالغة في الأسعار يجعل الموضوع ذا طابع تجاري فقط ليس فيه مكان للبعد الإنساني.
فالذين أصبحت القيم المادية عندهم محور الحياة حوَّلوا الإنسان إلى آلة تتحرك، وقدَّسوا المحسوسات، وغرقوا في الشهوات، ولم يروا غير المنافع الدنيوية العاجلة، وهذا منهج النفعية المادية، الذي تمثل في المادية الماركسية، أو الرأسمالية المادية، والذين رأوا الجسد سجناً للروح ابتدعوا رهبانية قاسية حرمت النفس من ملذات الحياة، وعزلتها عن الحياة، وكبتت غرائزها، كما قال تعالى: «وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ
وجاء الإسلام ليصحح المسألة، ويهدي الناس إلى أقوم السبل، وأعدل الطرق، طرق الاعتدا ل والوسطية بين عبادة المادة ونسيان حق الروح، وبين إرهاق الروح ونسيان حق البدن، ليعطي كل ذي حق حقه، وفقاً لقوله تعالى: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا>>.
الاعتدال غايته الانفتاح على الآخر, وإشاعة الخير والمعروف, ونشر ثقافة الحوار, ونبذ التعصب والصراع, واحترام كرامة الإنسان, والحرص على توفير الأمن والسلام, والحب والعطاء, والعيش الودي المشترك بين الأديان والمذاهب, وزرع الثقة والطمأنينة بين أفراد المجتمع الواحد أو المجتمعات المتباينة في الأفكار والمعتقدات , وحسنا فعلت وزارة التربية العراقية بقرارها استحداث مادة الاخلاقية في المنهاج الدراسي للمرحلة الابتدائية والاول متوسط , بغية بناء وتنشئة جيل واع متمسك بالقيم والمبادئ الدينية والاجتماعية الأصيلة بعيداً عن التعصب والتمييز بما ينسجم وأحكام الدستور العراقي, فكلنا يعرف ان للمدرس والجامعات دورا مهما ورئيسيا في إنجاح جهود مكافحة الفكر المتطرف , مختصون واولياء امور الطلبة عتبروا إستحداث هذه المادة ضرورة ملحة لكي لا تقتصر على الجوانب التعليمية والتلقينية فقط،, بل ليتم تفعيل المناهج التربوية والتقويمية للمدارس والمعلمين , حيث أن المدارس والجامعات تساهم في تعميق وعي الطالبات والطلاب حيال قيمة التعايش والتنوع الإنساني وأهميته في البناء والتنمية وتحقيق الفرد طموحاته وتطلعاته المستقبلية، والتحذير من مخاطر التطرف وتأثيراته السلبية على حياة الفرد ومحيطه , كما لها دورا مهما لاحياء النزعة الإنسانية الغائبة أو المهمشة في الخطاب الدعوي الديني، وفي الخطاب الأيديولوجي القومي، بتفعيل ما يتعلق بحقوق الإنسان والمحافظة على كرامته، أليس عجباً أن يخاطبنا القرآن بقوله “ولقد كرّمنا بني آدم” ونحن نتعايش مع أوضاع مخجلة تنتهك فيها كل الحقوق والكرامات؟! كيف يصح أن يكون إسلامنا مع الحقوق والحريات وتاريخنا ومجتمعاتنا في سلسلة مستمرة من قمع لتلك الحريات, فليتعلم جيلنا الجديد امورهم الدينية والدنيونية بشكل سليم , وليتعلموا اننا شعب عملاق متسامح مهما عمل الطائفيون , فالاعتدال ثقافة فكرية وأخلاقية يحتاجها الإنسان في حياته ليحقق التوازن بعلاقاته الانسانية.