رفعة عبد الرزاق محمد
النشأة والبدايات
ولد مصطفى علي محمد القيسي في محلة قنبر علي، المحلة العريقة في بغداد عام 1900، لوالد كان يعمل نجارا اشتهر بتصميم الشناشيل البغدادية، ومن اصدقائه جاسم البكر ابو عبد الكريم قاسم أحد اصدقائه المقربين. وام هي فاطمة ابنة عبد الغني الدروبي شقيقة الشيخ ابراهيم الدروبي، المؤرخ البغدادي صاحب كتاب (البغداديون اخبارهم ومجالسهم).
ارسله والده الى كتّاب جامع قنبر على لتعلم القران الكريم ومبادئ القراءة والكتابة حتى دخل المدرسة الحيدرية الابتدائية، وقبل طالبا في الصف الثاني لمستواه المتقدم وذكائه. وتنقل بعدها في عدة مدارس حتى دخوله بعد الاحتلال البريطاني لبغداد عام 1917 مدرسة اسستها السلطات المحتلة باسم مدرسة المأمورين. وفي عام 1919 التحق بدار المعلمين، وكان من زملائه في الدار جمال الدين الالوسي ورفائيل بطي وسعد صالح. وبعد تخرجه في دار المعلمين عام 1921 عين معلما في المدرسة الحيدرية الابتدائية التي سبق ان تتلمذ فيها.
وظائف مختلفة
بقي مصطفى علي معلما نحو ثلاثة اعوام ثم استقال من التعليم وانتمى الى كلية الحقوق عام1925، وفي السنة الاولى فيها عين كاتبا للضبط في مجلس الاعيان لدى افتتاح البرلمان العراقي في تلك السنة. ثم أصبح رئيس كتاب مجلس الاعيان حتى عام 1934، ثم دخل الوظائف القضائية حين عين كاتب عدل بغداد الجنوبي في حزيران 1934، ثم تنقل في مختلف الدوائر العدلية، مفتشا في مديرية طابو بغداد (1942 – 1948)، ثم مدون قانوني (1948 – 1950) فحاكم في محكمة استئناف البصرة ثم نائبا للرئيس فيها (1954) فرئيس المنطقة العدلية في بعقوبة في السنة التالية ثم حاكم صلح بغداد الاول (1956). وانتدب في مديرية التفتيش العدلي حاكما ومفتشا حتى قيام ثورة تموز 1958 .
الوزير
وفي حكومة ثورة 14 تموز الاولى، عين مصطفى علي وزيرا للعدلية، وقيل ان استيزاره كان بتأثير زعيم الثورة عبد الكريم قاسم، وكان على صلة وثيقة به منذ صباه اذ كانا من محلة واحدة وصداقة اسرية … غير انه سئم الاستمرار في عمله وزيرا للعدل، وقدم استقالته عدة مرات، كان اخرها في 14 مايس 1961 مع كلمة ايضاحية تدل على اصراره على اعتزال الوزارة وضيقه من هذه الوظيفة الثقيلة!!
النائب
منذ شبابه، كان مصطفى علي مؤيدا للمعارضة الوطنية ضد السلطة، كما انه كان أحد وجوه الحركات الاجتماعية التقدمية لكنه بقي بعيدا عن السياسيين والعبة السياسية المباشرة وربما كانت الوظيفة سببا من اسباب ابتعاده عن العمل السياسي غير ان الوظيفة لم تمنعه من الكتابة السياسية بتواقيع مستعارة عديدة، وقد استطاع الاستاذ الفاضل عبد الحميد الرشودي ان يقدم قائمة بتواقيع مصطفى علي المستعارة، ومنها: مسجل، متأمل، مسترق، ابن القريض، راجز، معمر العدواني، بغدادي ريان، مخلص، حقوقي، معارض، وغيرها.
وعندما قام الفريق بكر صدقي بانقلابه عام 1936 واسقاط وزارة ياسين الهاشمي، قرر مصطفى علي خوض التجربة السياسية، وربما كان ذلك بتأثير صديقه ورفيق صباه محمد علي جواد امر القوة الجوية واحد قادة الانقلاب. فعندما اجريت الانتخابات النيابية الجديدة رشح نفسه عن مدينته بغداد ففاز بها. وما ان انتهى عهد الانقلاب بعد مقتل قائده بكر صدقي، قرر مصطفى علي تطليق السياسة بشكل نهائي.
الاديب الباحث
نشا مصطفى علي محبا للأدب، وظهرت بواكير اهتمامه عندما كان طالبا في دار المعلمين 1919- 1921، فاخذ يقرأ كتب التراث العربي الادبي واللغوي وما يصدر جديدا بتعمق وتامل، ومن يطلع على مؤلفاته الاولى يجده اديبا مكتمل الادوات، له اسلوبه المميز والمشرق.
ويذكر الاستاذ عبد الحميد الرشودي في كتابه عن مصطفى علي، ان الاخير بعد ان يئس من ممارسة المحاماة بعد انتهاء عهد الانقلاب عام 1937، عرض عليه الاستاذ طه الراوي، مدير المعارف العام يومئذ، ان يقوم بإلقاء محاضرات في اللغة العربية وآدابها على طلاب المدارس الثانوية، فباشر ذلك في متوسطة الاعظمية، ثم انتقل الى البصرة في السنة التالية، حتى دعي الى دورة الضباط الاحتياط عام 1936 .
غير ان النقطة الفارقة في مسيرة مصطفى علي الادبية هي صلته بالشاعر الكبير معروف الرصافي، وقد بدأت منذ اواخر العشرينيات، ثم أصبح من مريديه وراويا لشعره واخباره. وقد أصدر العديد من الكتب المهمة عن الرصافي والذود عنه، ثم توج ذلك بتحقيقه الرائع لديوانه الذي صدر بأجزاء خمسة، محققا بذلك حلمه الكبير بالحفاظ على شعر الرصافي.
الصحفي
أصدر مصطفى علي صحيفتين هما:
- مجلة الصحيفة، اصدرها مع صديقه حسين الرحال يوم 28 كانون الاول1924 وصدر عددها السادس والاخير في 20 مايس 1925. وقد ذكر مصطفى علي ان اصداره الصحيفة كان إثر الضجة التي قامت حول الحجاب والسفور، اذ كان مع جبهة السفوريين وحرية المرأة، وعندما شعر هؤلاء ان الصحف اخذت تمتنع عن نشر آرائهم مقابل نشرها لآراء خصومهم، قرروا اصدار (الصحيفة) فكانت ساحة رحبة لآرائهم التقدمية، وظهرت فيها مقالات مختلفة لمصطفى علي وحسين الرحال ومحمد سليم فتاح وعوني بكر صدقي وسواهم.
- جريدة المعول، وهي صحيفة غير سياسية لصاحبها ومديرها المسؤول مصطفى علي. صدر عددها الاول والوحيد يوم 19 ايلول 1930، فسرعان ما صادرت السلطة العدد بحجة نشرها قصيدة جريئة للرصافي انفردت الجريدة بنشرها، وهي قصيدة (السجايا فوق العلم). وكانت الصفحة الاولى من الجريدة تحمل بيتي شعر للرصافي:
حال جدار من تقاليدنا دون الذي نحن به نعتلي
فنحن نحتاج الى هدمه والهدم يحتاج الى المعول
مؤلفاته
- دروس التاريخ، وضعه بالمشاركة ليدرس في المدارس الرسمية. وطبع ببغداد سنة 1923.
- رسم الخط العربي، رسالة صغيرة طبعت بنفقة مكتبة التجدد لصاحبها صديقه حقي بكر صدقي سنة 1930 .
- في هامش السجل، كتاب من القطع الصغير طبع عام 1937 وهي مجموعة من مقالاته المنشورة في جريدة العراق لصاحبها رزوق غنام خلال السنوات 1927 – 1928 بتوقيع مستعار هو (مسجل).
- ادب الرصافي. طبع بالقاهرة عام 1947، وهو مجموعة ردوده على كتاب الدكتور بدوي طبانة عن الرصافي.
- الرصافي، صلتي به ووصيته ومؤلفاته، الجزء الاول. قامت مكتبة المثنى ببغداد بنشره في القاهرة عام 1948
- الى الحليفة الغضبى. رسالة صغيرة بتوقيع مستعار هو (معمر العدواني)، كتبها تمجيدا لوثبة بورت سموث عام 1948 وقد طبعها قاسم الرجب في القاهرة وادخلها سرا الى بغداد.
- محاضرات عن معروف الرصافي. مجموعة من المحاضرات التي القاها على طلبة الدراسات الادبية في معهد الدراسات العربية في الجامعة العربية سنة 1954 .
- جرائم مرت امامي.
مجموعة قصص واقعية عن ضحايا المجتمع استمدها من تجربته القضائية. طبع عام 1958 .
- ديوان الرصافي، شرح وتعليقات. وهو من اهم اثاره، صدر بخمسة اجزاء ضمن مطبوعات وزارة الثقافة والاعلام (1972 – 1978) ثم اعيد طبعه عام 1986 عن دار الشؤون الثقافية.
اما مخطوطاته، فهي:
- المصطفيات. جمع فيه طائفة من مقالاته قام الاستاذ عبد الحميد الرشودي بجمعها واستنساخها له عام 1979 في اربعة دفاتر
- على شفير الابدية. سيرته الذاتية وانطباعاته كتبها عام 1952 .
- رسائل. مجموعة رسائل ادبية ارسلها الى صديق له عام 1933 .
- خطب الرصافي. هي مجموعة خطب الشاعر الكبير معروف الرصافي عندما كان نائبا في أربع دورات نيابية (1930 -1939)، وتقوم مؤسسة المدى بطبعها حاليا.
رحيله
أمضي مصطفى علي سنواته الاخيرة عاكفا في داره في منطقة الحارثية، لا يبارحها الا قليلا، ويستقبل فيها أصدقاؤه ومعارفه كل يوم جمعة. وداهمه الشيب والهرم واصطلحت عليه امراض الشيخوخة.
وفي الاول من اذار 1980، اصيب بنوبة قلبية، نقل على إثرها الى المستشفى وهو تحت غيبوبة ظلت ملازمته حتى فارق الحياة في مساء يوم الرابع من اذار 1980، ووري الثرى الى جوار قبر والدته في مقبرة الغزالي ببغداد.