شاعر النيل .. شاعر مصر

 

د . صباح ايليا القس

 

انه الشاعر حافظ ابراهيم الذي عشق النيل وهام في حب مصر حتى استحق عن جدارة لقب شاعر النيل ذلك الذي لم يحصل عليه من سبقه وعاصره من الشعراء .. انه بطل من ابطال الدفاع عن مصر حيثما تطلب الموقف ذلك .

انه الوطني الغيور الذي وظف شعره في سبيل الوطن وفدائه والدفاع عنه ذلك الذي سجله له التاريخ بحيث تقدم اعداد الشعراء الذين تفرغوا لنوازع اخرى لم يكن الوطن من ضمنها بل تفرغوا للحب واللذة والاغراض الاخوانية وتغافلوا عن مصر والشعوب العربية الاخرى وما تعانيه من جفوة الاستعمار وانتشار الفقر والجوع والتخلف .

عند استقراء أدب اي كاتب او شاعر نستطيع ان ندرك الموقف الوطني والاخلاقي لذلك الاديب معترفين ان للادب غاية وهدفا ساميا يقف الوطن في مقدمة تلك الغايات بعيدا عن النوازع الذاتية الآنية بحيث يكون الاديب غير جاحد لحقوق الوطن والامة التي تنتظر ابناءها لنصرتها ..

نعم ان لحافظ مواقف وقصائد ومدائح لمن يستحقها وليس طمعا في شيء فهو كان واضحا في الموقفين فلم يرثِ ولم يمدح إلا من وجد فيهم خصال المجد والكرامة ..

يقول في مدح مصر :

لعمرك ما أرقت لغير مصر       ومالــــــي دونها أبدا مــــــــرامُ

وقوله :

إني لاحمل في هواك صبابة       يا مصر قد خرجت عن الاطواقِ

واضح في البيتين المتقدمين امر المحبة والتعلق الابدي فليس له من هم سوى مصر فهي مرامه وهدفه في الحياة متجاوزا الاهل والخصوصية العائلية مفتديا الوطن بالعزيز الغالي حتى انه جعلها في البيت الثاني خارجة عن طوق المحبة الاعتيادية الى ما نستطيع ان نطلق عليه الحب الصوفي .

لم يعرف حافظ في سيرته الخوف فالوطني الحق لا يخاف اذ ان الوطنية الصادقة تتجاوز الخوف بما يعتمل فيها من ثورية وجهادية تبتعد كثيرا عن التزلف والرياء والمداهنة اذ هكذا تكون الوطنية وهكذا يكون الالتزام الوطني .

يحكي تاريخ سيرته انه ( يأبى ان يحتفل بغير هذه الناحية اذ قضى شبابه في الجيش ثم تخصص بعد تسريحه في شعر الوطنية ذلك الذي شغله عن الامور الأخرى ) .

حافظ حين لم يجد صدى كبيرا لدعواته في الثورة واستحصال الحقوق لجأ الى النيل مخاطبا اذ لم تكن نفسه الثائرة لترضى بالسكوت والسكون بل هي دعوة الى التضحية ونيل الحقوق .

متى أرى النيــــل لا تصفو موارده         لغيــــــــر مرتقب لله مرتهــــــب

فقد غدت مصر في حال اذا ذكرت        جادت دموعي لها باللؤلؤ الرطب

وهو اذ وجد صمت النيل دليلا على التهاون والسكون وان الناس نيام في خدر مبتعدين عن التضحية والدفاع عن الوطن والمواطنة والحقوق لجأ الى الشباب مطالبا اياهم بالنهوض بوصفهم الاسود الضاربة والدماء الدافقة أصحاب الغايات النبيلة ولكنهم لم يكونوا بمستوى المسؤولية فقرّعهم وتحدى رجولتهم بقوله :

أنابتة العصر إن الغريــــب       مجد بمصــــــر فلا تلعبي

يقولون في النشء خير لنــا       ولَلَنشء شرٌّ من الاجنبــي

كان حافظ مجاهدا من الطراز الاول اجتهد ان يكون المبادر والساعي لتحرير الوطن ولكن اليد الواحدة لا تصفق حتى انه اذ لم يجد عونا انزوى في مكتبة دار الكتب المصرية وقلتْ نتاجاته وانصرف الى العمل الاداري بحيث ابتعد عنه الاصحاب وقلّ الاوفياء حتى اسكته الموت وتوقف الابداع .

 

قد يعجبك ايضا