تأريخ بدايات ثورة گولان

 

٢٦/ ٥/ ١٩٧٦

ج (2)

تأليف: أسعد عدو

ترجمة: بلند داوود

تقديم: د. عبد الفتاح علي البوتاني

تحرير صحفي: سالم بخشي

* يعتبر البارتي الحزب الذي كان في طليعة حركة التحرر القومي الكوردي منذ أواسط القرن العشرين، وصاحب أطول ثورة مسلحة ضد الطغيان

* وجود عائلة مناضلة، تقود هذا الشعب لأكثر من قرن، رغم تضحياتها الجسيمة، استطاعت بكفاحها أن تضع لنفسها ولشعبها تاريخاً مزدهراً

* كريم سنجاري: ((في الأسبوع الثاني -بعد النكسة- كنا نحن وكاك مسعود بارزاني، نلتقي ثنائياً أو ثلاثياً ورباعياً وبالرغم من الوضع الذي كنا فيه كان يشجعنا لكي نكون نشيطين في إعادة تنظيمنا الداخلي))

* بعد النكسة الحكومة العراقية هجّرت سكان القرى الكوردية على جانبي الحدود بين سوريا والعراق، وأسكنت مكانهم عشائر عربية ما صعب تنقل الپیشمرگه بين القرى الكوردية

مدخل إلى البحث

إن لم أكن مخطئاً، فإن الرئيس بارزاني قال في خطابه الذي ألقاه في يوم (١٩٩٢/٤/١٢)، امام جماهير كوردستان في مدينة هولير، ما يلي: ((لقد غدر التاريخ بالشعب الكوردي)). ومثل هذه الكلمات لابد أن تكتب بماء الذهب على الصفحات الأولى لتاريخ شعبنا عند تدويته، ولكن مهما يكن فإنه لا يجوز أن ننسى بأن البارتي غدر تاريخه بنفسه؛ فهو الحزب الذي كان في طليعة حركة التحرر القومي الكوردي منذ أواسط القرن العشرين، كما كان صاحب أطول ثورة مسلحة، وكذلك وجود عائلة مناضلة، ظلت تقود هذا الشعب لأكثر من قرن، واستطاعت بكفاحها أن تضع لنفسها ولشعبها تاريخاً مزدهراً.

فلو صادف واطلعنا على الكتب التاريخية سوف يظهر لنا أحياناً بأن التاريخ يصنعه الناس، ولكن هناك أيضاً بعض الأشخاص النادرين جداً الذين يصنعون التاريخ لأنفسهم ولشعوبهم وتعتبر هذه الأسرة هي الأخرى من هؤلاء النادرين. فقد استطاعت أن تخلف على مدى (١٤١) سنة ماضية كنزاً، لا بد أن يفتخر به الكورد إلى نهاية الدنيا، وفي نفس الوقت يجب علينا أيضاً أن نقوم بتوظيف هذا الكنز بمهارة لمصلحة شعبنا في الزمان والمكان المناسبين، لأن هذا الكنز وهذه الأسرة هما جزء حي من الماضي، وهما أيضاً يعتبران (صمام الأمان) لمصير الشعب الكوردي اليوم وغداً، وعدم الاهتمام بهذه المعادلة، سوف يقود الحالة الكوردية نحو الهاوية!

 

 

 

وإن جاء يوم واطلعنا على كل تلك الكتب التي كتبت من قبل أعداء الكورد، وبأية طريقة قمنا بتقييمها سنجد بينها كتب صدرت فقط لمحاربة ثورة أيلول العظيمة، ومحاربة ثورة گولان والبارتي وأسرة البارزاني الخالد.

فها هو الأستاذ هيمن موكرياني يقول حول المؤرخ اسکندر بنك التركماني، الذي كان يعتبر من ألد أعداء الكورد، وصاحب كتاب (عاله م ئارای عه بباسی)، ما يلي مع أن اسکندر بگ كان خادماً مخلصاً للشاه عباس، وكان عدواً لقومية أمير خان، واصفاً المطالب الشرعية لهذا الزعيم الكوردي الكبير بالطيش والمعارضة وحتى بنكران الجميل وبالتمرد، وشتم الكورد علناً، وقال: ((إنهم من أوحش جنس الإنسان)) وكان يعتبر إبادة هذا الشعب غزوة، وقال: ((ومن واجب شاه الإسلام أن يلجأ إلى إمحاء آثارهم وبقاياهم!)). ولكن للأمانة العلمية، فقد كان رجلاً كثير العلم ومؤرخاً دقيقاً جداً، وسجل الأحداث التاريخية في عهد الشاه عباس بشكل مثير للانتباه.

من خلال أقوالهم

قام ملا بختيار في الصفحة (٢٥)، من كتابه الذي أصدره في عام (۱۹۹۸). بعنوان (التمرد على التاريخ)، ينقل فقرة من الصفحة (٧٤)، من كتاب سيد كاكه (مذكرات پيشمركة)، الذي كان قد أصدره في عام (۱۹۹۷)، حيث يقول: ((بعد أكثر من شهرين من الملل والقلق، أرسل كاك مسعود البارزاني ذات يوم في طلب مجموعة من المسؤولين والپیشمرگه، وقال لنا: جهزوا أنفسكم مع مجموعة من الپیشمرگه الشجعان سنذهب إلى كوردستان وسنبدأ بحرب الأنصار وسنظل هناك في كوردستان، وقال: لكنني أحتاج إلى عدة أيام، كي أستشير والدي المريض حول هذا الموضوع، فنحن لا نتصرف أبدأ بأي شيء من دون أن نستشير كبارنا، ولكن هذه المرة سأذهب إلى كوردستان حتى وإن رفض والدي ذلك، لأن الظلم الذي مورس بحق الكورد لا يمكن القبول به. الپیشمرگه الذين تم دعوتهم هم: أنا وفارس باوه والعريف أبو زيد، وعدد من الپیشمرگه الآخرين)).

والملا بختيار يفسر وينقد بقوة تلك الفقرة من كتاب سید کاکه، وقام بتجزئة كلام سيد كاكه، وتفنيده بعدة نقاط! وفيما يلي سأنقل نصها:

يقول ملا بختيار: ((يسرني لو يكون هذا الكلام صحيحاً، وأن يؤكد السيد أو أي شخص آخر صحة هذا الكلام ولكن كلامه ليس صحيحاً بكل تأكيد، وهو ليس صحيحاً للأسباب التالية:

  • حينذاك كان قد مر للتو شهران بعد الانتكاسة (انتكاسة ثورة أيلول في ٦اذار ۱۹۷٥)، والقيادة المؤقتة للبارتي لم تكن قد تأسست أصلاً، حتى يبدأ مسعود بارزاني بتجميع المسؤولين والپیشمرگه (پ. م).
  • لا يصدق أن يتحدث مسعود بمثل هذا الكلام على مسمع ومرأى أولئك الناس، ويقول بأنه سيعلن الثورة حتى وأن لم يرض والده أيضاً! ولكن يتبين فيما بعد بأنه ليس فقط لم يشعلوا (الثورة من دون البارزاني)، وإنما قاموا حينذاك بأسر كل من الشهداء (علي عسكري، والدكتور خالد، والشيخ حسين)، ولم يستطيعوا أن يعدمونهم من دون إذن البارزاني لأنه كان في أمريكا حينذاك!
  • ليس فقط بعد شهرين، وإنما حتى بعد مرور سنة واحدة من النكسة أيضاً. لم يرسل البارتي مفارز حرب الأنصار إلى كوردستان، إلى أن علموا بأن الاتحاد الوطني الكوردستاني قد أرسل مفارزه إلى هناك، عندئذ هم أيضاً بدأوا يفكرون بأنفسهم!
  • يتعلق بسيد كاكا نفسه، ولهذا لا داعي لكتابة هذه الفقرة، -أسعد)).

يشكك ملا بختيار فيما نسب من كلام لكاك مسعود البارزاني، ولا يثق بصحتها ويقول بأنه يتمنى أن يكون هناك من يثبت له صحة هذا الكلام! وبالرغم من أنه من جانبه قام بتوضيح شكوكه بعدة نقاط لذلك سنحاول نحن أيضاً من جهتنا أن ندحض نقاطه ونرد عليها:

أولاً: يقول الأخ سامي عبد الرحمن في مجلة گولان (العدد (۲۲۷)، ما يلي:

((أستطيع التأكيد بأننا بعد مرور ثلاثة أيام على خروجنا من كوردستان، بدأنا بتنظيم قواتنا وتنظيم حزبنا من جديد)).

 

 

أؤكد أنا أيضاً من جهتي على كلام الأخ سامي عبد الرحمن، فبالرغم من تلك الكارثة الفظيعة التي حلت بالكورد، إلا أننا قمنا بالتفكير مبكراً عن حل حتى يمكّن شعبنا من اجتياز تلك المحنة كي تنتقل مشاكلنا إلى مرحلة أخرى، وفي هذا المجال يقول الأخ كريم سنجاري في جريدة التآخي العدد (١٦٥١)، ما يلي: ((وفي الأسبوع الثاني كنا نحن وكاك مسعود بارزاني، نلتقي ثنائياً أو ثلاثياً ورباعياً وبالرغم من الوضع الذي كنا فيه كان يشجعنا أيضاً لكي نكون نشيطين في إعادة تنظيمنا الداخلي)).

ومن الواضح بأن التأسيس أو إعادة التأسيس يستغرق الكثير من الاجتماعات والمناقشات الأولية في كافة المجالات حتى يصبح ممكناً إعداد خطة يستطيع المشاركون مناقشتها، ولا شك أبداً في أن مؤسسات (السافاك) المخابرات الإيرانية، كانت تتابع اسرة البارزاني وقيادات حزبنا بكثير من الدقة حتى لا تقوم بعمل من شأنه أن يتسبب في إزعاجهم في مجال انجاز مؤامرة الجزائر، خاصة وأن ممثلي إيران والعراق، والجزائر كانوا يتحركون في المنطقة علناً.

والذي سمعته بأذني من الأخ مسعود برزاني في أحد تلك اللقاءات، وهو يقول : ((بعد أربعين يوماً، أي في شهر أيار عام (١٩٧٥)، وبالرغم من متابعة السافاك الشديدة لنا، استطعنا أن ننظم لقاء عند نبع مدينة (نغدة)، مع عدد من الكوادر المتقدمة لحزبنا، الذين كانوا بمثابة القيادة المؤقتة، وتمكننا من الحديث حول آلية تأسيس القيادة المؤقتة، وكيفية كتابة بيان وتوزيعه داخل كوردستان العراق، وفي نفس اللقاء قسمنا كوردستان إلى منطقتين، واخترنا رفاقنا لإدارتها، وكتب البيان بخط يده باللغة العربية بعنوان ،كوردستان الساحة الحقيقية للنضال)).

ويقول الأخ كريم سنجاري حول ذاك اللقاء ما يلي: ((وبهذا الخصوص اجتمعنا بحضور الأخ مسعود، جوهر نامق، عارف طیفور، آزاد برواري، حمه رزا، وأنا، عند أحد الينابيع المائية في نغدة، وأستطيع أن أقول بأن هذا اللقاء كان هو الاجتماع الأول بعد مؤامرة الجزائر)).

إنه أمر واضح وجلي، عندما توجه البعض من قوات منطقه بادينان خلال شهری آيار وحزیران باتجاه إيران، أي أن جبال كوردستان ووديانها كانت قد احتضنت العشرات من پیشمرگه نهج البارزاني، وأن البعض منهم لم يعودوا إلى قواعدهم نتيجة تنفيذهم لواجباتهم، كما يقول بطل الثورتين، محمد خالد البوصلي في مجلة گولان العدد (٤٤)، ما يلي: ((في ١٩٧٥/٢/٢٨، أخبرني عیسی سوار آمر قوات زاخو عبر برقية – حينئذ كنت أنا قائداً لفصيل الهندسة. يطلب مني أن أصل إلى مقر قواته لأن الحكومة العراقية هجّرت سكان القرى الكوردية على جانبي الحدود بين سوريا والعراق، وأسكنت مكانهم عشائر عربية وكان صعباً جداً بالنسبة لنا أن نقوم بالنشاطات العسكرية هناك، ولهذا تقرر أن نجتاز الحدود إلى الجانب السوري، ومن هناك إلى داخل الحدود العراقية لتنفيذ العمليات:

1- تفجير قطار الشحن.

2- تفجير الخط الحديدي للقطار.

3-تفجير أنبوب النفط بالقرب من البوكمال (هذه كانت على الجبهة العراقية).

في يوم (١٩٧٥/٤/٤)، وبعلم أحمد رمو كتبت رسالتين إلى البارزاني وإلى رمضان عیسی نائب عیسی، سوار، وفي يوم (١٩٧٥/٤/١٢)، وصلت إلى يدي رسالة بخط يد الأخ مسعود بارزاني، يقول فيها: ((اصمدوا وابقوا هناك)).

ومن جهة أخرى يقول الأخ فرانسو حريري في جريدة التآخي – برايتي (العدد ١٦٥٢)، ما يلي: ((نحن مع وصولنا إلى الجانب الآخر بدأنا بإعداد أنفسنا ولم نكن نثق بنظام الشاه، ولم نكن مطمئنين على أنفسنا قط، ولهذا في نهاية شهر نيسان عام (۱۹۷٥)، دعاني الأخ مسعود بارزاني وطلب مني أن أكتب رسالة إلى حميد أفندي استفسر منه إن اضطرينا على الفرار فهل يمكننا اللجوء إلى منطقة خواكورك ولولان والاحتماء بها إلى أن نبدأ بالكفاح المسلح؟!

بعد عدة أيام أخبرني حميد أفندي برسالة بأنه ليس فقط سوف يحمينا أنا والأخ إدريس والأخ مسعود، وإنما سوف يحمي حتى أية قوة صغيرة أيضاً)).

كذلك بيشمركة الثورتين هاشم رمضان (أبو عنتر)، يقول: ((بأمر من الأخ مسعود توجهنا أنا وأخي عبد الله (أبو نوال)، وصهرنا (سید حسن)، باتجاه كوردستان بهدف الاتصال مع رفاقنا داخل المدينة وكذلك الاتصال مع أولئك الپیشمرگه على حدود كوردستان تركيا والعراق الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى إيران)).

وهكذا، حللنا ضيوفاً بين أقاربنا من قبيلة الكوجر، وبمساعدة الأهالي في كوردستان تركيا، لم نقصر – بالاستمرار في تسهيل الطريق أمام الثورة قدر استطاعتنا، وحول نفس الموضوع يقول عادل حاجي قادو : ((لأن والدي اعتقل مع عائلته عند وصوله إلى القرب من نغدة، وتم تسليمهم إلى العراق، وكنت أنا وشقيقي نادر في مهاباد في بيت أبو عنتر، عندها تقرر أن يعود أبو عنتر، وأبو نوال، وصهرهم سيد حسن مع زوجته وولديه الصغيرين (دلو، وشونم)، إلى منطقة الكوجر، للتحضير والاتصال مع أولئك الذين لازالوا في الطريق، وذلك بعد أن استلموا عدة رسائل إلى كورد الشمال، مثل : محمد امین بایی، عبد الخالق سعيد أغا كرافي، مام يوسف ،بیرمان، توجهوا نحو كفالانكي، ماليسا، دولى، وفي الطريق التقينا حميد شريف وأخوته وهم متجهين نحو إيران، ومن هناك عادوا معنا، فأرسلهم أبو عنتر إلى منطقة (الگويان)).

قد يعجبك ايضا