حديث في ظواهر إجتماعية تغذيها السياسة

فاضل ميراني*

لم استخدم(أل) التعريف في جملة( ظواهر اجتماعية) و ( سياسة) لان استخدامها يعني الاستغراق و الاطلاق، اي ان استعمال ال التعريف سيعني كل الظواهر الاجتماعية و كل السياسة.ان اكتب عن ظواهر بذاتها، قد تبدو مستقلة احداهما عن الاخرى لكنها متصلة بمغذ يستمد مادته من سياسة معمول بها لكن القائمين عليها لا يتم التصريح بأسمائهم الا في احاديث بعيدة عن العلن، اما ظواهر عملها في إيذاء سلامة المجتمع فمادة اعلامية و سياسية- حزبية لخصوم يستخدمونها في التهديد و المساومة، وبدءا فالصمت عن ادانة العابثين بسلامة المجتمع من سياسيين و اسلوب التهديد و خيار المساومة هي احدى ثلاث ظواهر اجتماعية واسعة الاستعمال بارزة الحضور اليوم.تفكيك بنية المجتمع العراقي تتم تثقيفا على اساس الذهاب لولاءات بعينها، كانت يوما قومية بسبب تعكز الانظمة على سيادة قوميتها هي و تبعية القوميات الاخرى لها، ثم برز تصنيف مضاف للقومية هو المذهب، وتقدمت التقسيمات صاعدة الى الاعلى، و نزلت المواطنة الجامعة للاسفل، و ارتفع تركيز التغذية السياسية للمجتمع خلال انظمة الانقلاب، وانظمة الانقلاب تجمع بين قلة الخبرة على الادارة الناجحة، و بين الاستعداد لحسم امور كبرى و حيوية بمنطق الضرب و البطش، منطق القوة المجردة و استخدام اجهزة القمع و الاحتماء بالمحاكم الخاصة.اغلب انظمة الحكم نالت علامات واطئة في فهم مكونات شعوب العراق، وانفقت جهدا و اموالا في غير مواضع الحل القويم، ويوم فهمت طبيعة العلاقة بين بيئة الحاكم المجتمعية و بين ممارسة الحاكم للسلطة، اصحب الحاكم تقييم مجتمعه الصغير و بيئة ثقافته الاولى ليحقن بها قراراته و ممارساته و سياسته تجاه بقية المكونات، غير منتبه ربما او ربما عن قصد، صارت تقييمات الحاكم و نظامه لا تنطلق من مواد الدستور بل من خلفية بيئته العرقية و الفكرية و معتقده.التقسيمات او التبويب المتبع لمكونات العراق، ومع انها حقيقية الا انها في الواقع اعقد من ذلك و ابعد، و استمرار استصحابها يعني فيما سيعني تفرعات ستعلو هي و ستنزل الهوية الوطنية الجامعة المجردة.

عنف متبادل

في مثال العنف المجتمعي، والعنف الموجه من المجتمع لطرف في السلطة او العكس، او العنف المتبادل داخل جسم السلطة، سيكون تفسيره مرتبط بالفكر القديم السيء المغلوط الذي يعتبر فيه المجتمع السلطة مغنما و تعتبر فيه السلطة المجتمع خزين مناورات لها و بث صراع يحيد فيه طرف قوي طرفا مستضعفا لتطول مدة الحكم و تثبت.العامل الاقتصادي هو المحرك الاقدم و الرأس للجريمة وقد يتجذر و تتراكم عليه نتائج ستبدو هي الدافع، لكن الحقيقة انه هو السبب الحقيقي الذي يرسم خطوات الجريمة، ذلك ان اضطراب الاقتصاد كفيل بزعزعة الكيان الاجتماعي للفرد و الجماعة يقابله اسقرار متضخم لآخرين على حساب محرومين، هذه الفجوة ستعبر من خلالها محفزات نادرا ما تمر تأثيراتها بسلام، خاصة في البيئات المجتمعية التي اذتها الحروب و تبدلت فيها السياسة شكلا او موضوعا غير ملبية لإحتياجات المجتمع الكامل، لا حاجة اتباع معينين، اي عندما تكون للسلطة شعبها المقرب و يترك الباقي ليواجه مصيرا من صنع السلطة او من تركة سلطات سابقة.الجرائم نوعا و عددا، تصرح بوقوعها اجهزة مخولة، و ظاهرة الجريمة بمختلف انواعها اخذت بالاتساع خلال العشرين سنة الماضية، وهذا يدفع للسؤال بألحاح عن اسباب انهيار الوازع الذي تشيده البيئة تعليما و توجيها و أمنا، و اكمال السؤال عن خلق الامن و الشعور بالامان في بيئات المسكن و المدرسة و العمل، وعن المثال و القدوة اللذين يضيفان للفرد القيمة الاخلاقية المؤثرة في بناء الانسان سليم السلوك.لا يجوز القفز على عامل بشري بذاته و صفته وكان له اثر كبير في الظاهرة الجرمية و بعدة وجوه، هو بروز مجموعات تتخفى بلافتات حزبية محمية داخليا او خارجيا لا خبرة لها و لا استعداد لديها الا فيما يخص الاثراء غير المشروع و تلقي الحماية، وليس هذا بسر، فالقضاء و الحكومة قدما نماذج من قضايا كبرى و كثيرة ثبتت فيها ادانات افراد من عينة الذين جرت الاشارة اليهم في هذه الفقرة من الكتابة.الانسان في العراق مثله مثل اي انسان آخر على الارض، لا ضمان لسلوكه دون تلبية احتياجاته الاساسية واقعا و تقديم التعليم و الالهام المستقبلي له بواقعية، اما ان يصار للتعامل معه بوعود بلا طائل حتى و ان صدقت الوعود و صدق اصحابها، فذلك امر لا يعدو كون فاعله اما منفصل عن الواقع او محتال.

شخصيا و بصفتي احد بيشمرگة كوردستان و خلال مختلف الاعمال التي جرى تكليفي بها سياسيا وتنفيذيا، كنت ادرس العوامل المؤثرة في استثمار طاقات الافراد، جميعنا كنا نعمل بفكر واقعي اخذناه من الملا مصطفى البارزاني في تنمية المجتمع و في احد جوانبه تنقية قنوات التأثير في البيئة المجتمعية ايام السلم و ايام القتال، خاصة و ان ضبط كل افراد المجتمع سلوكا هو امر لا يتم و لن يتم، لكن تقصير السلطة او عدم ادراكها لعملها، سيكون سببا في اضطراب اداء الافراد، لذلك قدمنا التعليم وبخاصة بعد الانتفاضة، قدمنا احتياجات نجاحه على كل شيء، تحركنا على سيادة القانون، وحرصنا على وجود جهة واحدة تفصل في النزاعات، فأن رد عليّ راد للتذكير بالاقتتال الداخلي، فتعليقي سيكون ان تجربتنا لم تسلم من تأثيرات مفصلية خارجية لم تقبل بوجود تجربة فتية في كوردستان و العراق، بعيدة عن كل سابقاتها و مجايلاتها من تجارب لم تستمر او نجحت لكنها قدمت مغانم لفئة محدودة.ان الحكم أمانة و عقد، و عدم ادراك المجتمع لحقوقه او تجهيله ليتناسى حقوقه في سبيل مآرب اخرى، سيزيد من مخزون العنف و الانحراف المُدّخر و الذي سيصل عاجلا و لن يتلاشى اجلا، لمرحلة الانفجار الذي سيواجه فيه المتسببين بضياعه واضعا امامهم و عليهم لوائح اتهام و ادانة.لابد من مراجعة سريعة للتخادم المضر بين سياسيين و ظواهر اجتماعية خطرة، مراجعة تواجه الاخرين عن مسؤولياتهم التي لم تعزز المواطنة و استبدلتها بولاءات تسهل على عدم المستحق اخذ ما ليس من حقه، وجراء ذلك الحرمان المتسع، الحرمان الذي انتج شخوصا و اعمالا شوهت طريق الوصول السليم و المسلك القويم للكثير من الناس، كما انتج الحرمان مراكز قوى و صار سببا لمراكز قوى اخرى يعتاش بعضها على بعض، تحمل السلاح خارج الضوابط، و تمتلك ان توظف و تسرح و تعتقل من تشاء، وبذا و للاسف صارت تلك الوجوه و المسميات محط تقليد من اغلبية من المعدمين و الطامحين، مستعدة لاي عمل في سبيل الكسب، وبعد ذلك لن يكون مستغربا تكرار ممارسات خيانة الامانة الوظيفية، او استخدام السلطة في مكانها، او الخلط بين الاختصاصات، او فتح اسواق و ممرات للمخدرات، او التضحية بفرد بريء مجاملة لفرد او طرف قوي، و القائمة تطول و تضم الرشى و الانتحار و التزييف و التزوير و لا تنتهي بها.

*مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني.

قد يعجبك ايضا