اعداد: سماح عادل
حياته..
ولد في 1938 في البصرة، درس فيها، ُلقب بـ رسام المدرسة في المرحلة الابتدائية، شارك في أول معرض له في 1955 عندما كان طالبا في المرحلة الثانوية، التحق بمعهد الفنون الجميلة في بغداد 1956 للدراسات المسائية، أساتذته كانوا “جواد سليم وفائق حسن”، اللذان تأثر بهما، وفي 1959 شارك في معرض جماعي في جمعية الفنانين العراقيين في بغداد.
ذهب إلى بولندا لدراسة الفنون التشكيلية، وحصل على شهادة الماجستير في الرسم والكرافيك من أكاديمية الفنون الجميلة في وارسو 1966، تأثر بالفنان الإسباني “أنتوني تابيس”. عاد للعراق وأقام معرض شخصي على قاعة تالة في 1967، أسس جماعة اسمها (نحو رؤيا جديدة) مع مجموعة من فنانين عراقيين، شارك بمعرضها الأول للملصقات الجدارية في 1970، أقام العديد من المعارض الشخصية والجماعية داخل العراق وخارجه.
جوائز..
- الجائزة التقديرية في المرتبة الثانية في بينالي الفنون في أنقرة 1986.
- الجائزة الأولى في مهرجان الفنون الثاني في بغداد 1988.
- شارك في مهرجان بغداد العالمي الثاني في بغداد وحاز على الجائزة الذهبية للرسم 1988.
- الجائزة الثانية للرسم 1989.
- ميدالية شرف وشهادة تقديرية من بينالي الفن الآسيوي بنغلاديش عام 1993.
- الجائزة الوطنية للإبداع في بغداد عام 1998.
تغيير الأسلوب..
في حوار معه أجراه “معد فياض” ونشر في “الشرق الأوسط” يقول “محمد مهر الدين” عن تغيير الأسلوب: “الفنان لا يغير أسلوبه وإنما يطوره، أنا همي كان اجتماعيا، غالبية أعمالي اجتماعية، سواء كانت محلية أو عالمية، عالميا تطرقت للتمييز العنصري ورسمت أنجيلا ديفز، ثم جاءت الحرب العراقية الإيرانية، تاريخنا كله حروب، لكن أسوأها هو الاحتلال الأميركي في 2003، كانت كارثة حقيقية في تاريخ العراق الحديث، قتل وتشريد وتخريب ثقافة وسرقة الآثار وتهديم بناء بلد، حتى إن المحتلين نقبوا في بابل وسرقوا الآثار.
هناك تطورا أسلوبيا وليس تغييرا في الأسلوب، أنت مطلع وراصد لمسيرتي الفنية، وهناك خط بياني يتصاعد مر بخمس أو ست مراحل أسلوبية، وهناك من يعتقد أنني غيرت أسلوبي بينما أنا طورت في أسلوبي ولم أغيره، أدخلت الغرافيك مع الرسم وكذلك الكولاج والمواد المختلفة والتقنيات الجديدة والأحبار، تحتم أن يكون إنشاء أو إخراج اللوحة بنمط آخر.
كل مضمون وكل موضوع يدفعني لأسلوب، لوحاتي الأخيرة فيها اختزال باللون، حالة الحرب دفعتني لاختزال الألوان، طوال السنوات التي أعقبت الاحتلال الأميركي للعراق كنت أحاول استيعاب حالات الحرب حتى بدأت تأثيراتها تظهر، ففي 2011 بدأت تتبلور موضوعات الحرب، لأن هذا الحدث لا يمكن أن يكون عابرا، حتى 2013 بدا التغيير في الألوان. التغيير يأتي تلقائيا ولا أخطط له. بعد أن أنجز الأعمال، أكتشف أن هناك لونا أو خطا أو شكلا يأتي بالصدفة، فأشتغل على تطوير الصدفة الجمالية والفكرية.
أستعين كثيرا بتقنيات الإنترنت والديجيتال في تجاربي، فأنا فنان مجرب. أجرب من خلالها، أصور وأعكس الأشكال، أنا مهتم بجانب التقنيات”.
قلق اللوحة البيضاء..
وعن رهبة اللوحة بعد كل هذه الإنجازات التشكيلية يقول “مهر الدين”: “الوقوف أمام اللوحة البيضاء يشعرني بالقلق والحذر على الرغم من أني أكون قد هيأت التخطيط الأولي للوحة (الاسكيتش) أو أن الموضوع موجود في داخلي، غالبية أعمالي هناك نموذج (سكيتش) بالرصاص. أن تبدأ باللوحة صعب جدا، لكن أن تنتهي منها فهذا هو الأكثر صعوبة، وعندما أضع توقيعي عليها أنتهي منها، اللوحة بالنسبة لي فكرة، يجب أن تقدم مضمونا فكريا وجماليا، ويجب أن يكون فيها هدف. القيمة الجمالية تأتي بالدرجة الثانية، وأهم شيء عندي هو الموضوع، الخبرة المتراكمة مهمة جدا في إنجاز عمل إبداعي متطور.
الفنان يجب أن يتطور في مراحله من الدراسة، ولا يجب أن يقفز إلى الأساليب الحديثة مباشرة. والشخوص لا يغيبون عن أعمالي، فأنا عندي إمكانية في الرسم الأكاديمي متطورة جدا، وكنت أقلد فائق وجواد سليم وموديلياني عندما كنت طالبا في المعهد”.
وعن أعماله يقول “مهر الدين”: “رغم كل هذه التطورات فإن أعمالي تشير إليّ حتى ولو لا تحمل توقيعي. أنا فنان تجريبي. عندما كنت مدرسا في معهد الفنون الجميلة كنت أشعر بمتعة العطاء، لم أبخل بتعليم طلابي التقنيات والأسلوب، وأفرح حين أرى طلابي فنانين كبارا. لكن حتى الآن لم يتجاوزني أي من طلابي أو يتفوقوا عليّ، وكنت سأفرح لو حدث ذلك، رغم أنهم أنجزوا أعمالا مهمة”.
ويضيف رأيه عن الفن التشكيلي العراقي: “الحركة التشكيلية العراقية هي الأفضل عربيا، منذ جيل الرواد، ثم جيلنا، جيل الستينات، وهو الأهم، لأنه أوجد التغيير في الحركة التشكيلية.
الخلط بين التجريد والواقع..
في مقالة عنه نشرت في مجلة “نخيل عراقي”: ” يعد “محمد مهر الدين” من إحدى قامات التشكيل العراقي المبدعة وأحد أبرز التشكيليين العراقيين في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، وأحبّ الرسم في سنوات طفولته، وهو واحداً من أمهر صنّاع اللوحة خشنة الملامح كثيرة التفاصيل، تعطي في كل تأمل وجداني لها أفكارا تأمليّة متجددة في الخلط بين التجريد والواقع والاحتجاج على السائد المطروق.
لم يصل “محمد مهر الدين البصري” إلى هذه القناعة في تنفيذ اللوحة إلا بعد جهد كبير وسنوات من العمل التشكيلي الجاد. كانت أعماله في بولونيا مثار إعجاب أساتذته، وشاركهم الفنان الأسباني “أنتونو تابييه” الذي كان معجباً باشتغالاته على سطح اللوحة والعمل على تخشينها وسط صرخة احتجاجيّة على الواقع.
أدخل “مهر الدين” الرمل وبرادة الحديد والزجاج والتزجيج واستخدم الحرق والدلك لإعطاء اللوحة سمتها التعبيريّة التي يريدها”.
دلالة الاغتراب..
في مقالة بعنوان (محمد مهر الدين دلالة الاغتراب وفاعليته) كتب “علي رشيد”: ” يمكن تسمية الفنان العراقي محمد مهر الدين بفنان الإنسان واغترابه، حيث رصده لتحولات الإنسان المعرفية والوجودية، ومعايير استلاب كينونته وتحويله إلى هامش مجرد من قدرته الفاعلة في عالم يضج بسياسة التهميش والإلغاء. فنان يتربص بالوجود وسلطته على الكائن، وضياعه خلف رعبه في عالم يفرض سطلة الأرقام وشراهتها في استلاب هدأته.
فنان لا يمكن إيجاز تجربته بمرحلة زمنية، كونه يشاكس اللوحة وبناءها الفني، ويعمل بمهارة وقدرة عالية على خصائص السطح وتأثير المادة واللون في صياغة اللوحة، وبعدها التأثيري والدلالي، وبمراحل أسلوبية متعددة، ولكن وعبر جميع هذه المراحل المتمثلة لتجربته الفنية ورغم ثراء وتنوع الأساليب في معالجة تقنية العمل لم يتخل عن البعد الإنساني في اللوحة وطروحاته حول الإنسان واغترابه”.
توفي “محمد مهر الدين” في عمان في 2015 عن عمر 77عاما