أبعاد الفكر السياسي في مسيرة الحزب الديمقراطي الكوردستاني – العراق

سردار علي سنجاري

الأحزاب السياسية باختلاف أيديولوجياتها تبحث دائما عن الجوانب التي يمكن من خلالها تحديد السبل من اجل تنظيم المجتمع بحيث لا يتجاوز فيه اي طرف مهما كانت سلطته على الطرف الاخر . ومن هنا يأتي مفهوم الفكر السياسي الذي يشكل اسس تنظم حياة الأفراد في المجتمع مستندا إلى القوانين والدساتير التي يحددها الحزب من خلال مؤسساته القانونية والتشريعية.

ومنذ انطلاقة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في العراق كان الفكر السياسي للحزب مرتبطا بالنظريات والمفاهيم القومية كبديل للمفاهيم العشائرية التي كانت سائدة وماتزال تلعب دورا هاما في المجتمع الكوردستاني، حيث بدأ واضحا ان شرائح المجتمع بدأت تتجه نحو الولاء للأرض و تفضيل مصلحة الوطن على المصالح الشخصية.
لعب مؤسس الحزب وقائده الخالد ملا مصطفى بارزاني دورا هاما في ترسيخ تلك المفاهيم والعمل بها من خلال النظريات التي وضعها في البرنامج السياسي للحزب كان من الضروري ان يتجه الشعب الكوردي في تلك الحقبة إلى فكرة تجمع مابين القومية والقيم الديمقراطية فالقومية وحدها لا تكفي في مواجهة التحديات التي تواجه المجتمع الكوردي لأن المجتمعات الأخرى التي تحيط بكوردستان قد تفسر مفهوم القومية على انها بداية للإقرار بحق تقرير المصير ولذا كان الحزب الديمقراطي الكوردستاني حريصا على دمج المفاهيم الديمقراطية وتعزيزها من خلال نظامه الداخلي ومن اجل ذلك تم اختيار اسم الديمقراطي كمسمى للحزب ولم يختار القومي الكوردستاني مثلا.

كان من الضروري ان يتم تعديل العديد من القرارات السياسية للحزب خلال مسيرته النضالية وذلك تبعا للظروف الدولية او المحلية وربما الداخلية للحزب نفسه، فقد مر الحزب في الستينيات من القرن الماضي بحالة خاصة اضطرّته إلى رفع شعار الثورة والمطالبة بالحقوق المشروعة للشعب الكوردي عبر الكفاح المسلح مكرها ذلك لان من اهم ما دعى اليه الحزب منذ تأسيسه وثبت في نهجه السياسي هو التقارب بين الشعبين الشقيقين الكوردي والعربي ورفع شعار التآخي بكل صدق وامانة ولهذا كان ينظر إلى الاقتتال بين الطرفين على انه لا يخدم مصلحتهم وقد يسبب عمق في الخلافات الاجتماعية وهذا ما لايسعى اليه الحزب.

وبتعاقب الحكومات العراقية في تلك الحقبة كان الحزب يسعى إلى البحث عن الحلول السياسية للوصول إلى تسوية شاملة للقضية الكوردية في العراق ولكن كانت ردود افعال تلك الحكومات بالمطالب الكوردية سلبية وجوبهت باستخدام القوة حتى تم التوصل إلى اتفاق سياسي بين الحزب والحكومة العراقية في بدايات سبعينيات القرن الماضي والذي عرفت باتفاقية ١١ اذار والتي تم من خلالها تشكيل حكومة تضم أعضاء من الحزب الديمقراطي الكوردستاني إلا انها لم تستمر بسبب التآمر على الحزب وقيادته من الجانب العراقي باتفاق مع ايران الشاه انذاك مما أنهى الاتفاقية ولجوء الحزب الديمقراطي الكوردستاني للخيار العسكري.

ولو تعمقنا في الأبعاد التأريخية للفكر السياسي للحزب الديموقراطي الكوردستاني وتطوره وطبيعة ممارسته في الواقع والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية المؤثرة فيه لوجدنا انه حافظ على استقلاليته فلم يتأثر مثلا بالرأسمالية ولا الاشتراكية الماركسية التي كانت شائعة في القرن العشرين في العديد من البلدان ولم يتأثر بالأفكار الدينية كالإخوان المسلمين مثلا لأنه بحث من خلال برنامجه السياسي قضايا فيها علاقة بالفكر السياسي والأيديولوجية ورأى من خلال ذلك ان الأيديولوجية تعبر عن مصالح الطبقات والفئات الاجتماعية كافة وبهذا تكون الأيديولوجية المحرك لعملية الصراع الطبقي وتشكل جزءا من البناء الفوقي وبهذا يكون الفكر السياسي جوهر العمل السياسي للحزب المدافع عن مصالح الشعب بعيدا عن الشعارات.

و حدد الحزب الديمقراطي الكوردستاني سمات الفكر السياسي له من حيث الأهداف الأساسية التي يمكن تحقيقها في المستقبل وإيجاد تصورات ورؤى متنوعة لكافة شرائح المجتمع الكوردي بما يتناسب مع ظروفها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

اثبت الحزب قدرته على ايجاد الحلول المناسبة التي تساعد على تحقيق التوازن في المجتمع وتحقيق العدالة والمساواة بين الأفراد وكذلك كان للحزب دوراً مهماً في تحقيق المصالحة الوطنية في العراق في فترات متفاوتة . ورغم التحولات السياسية التي تشهدها المنطقة في ظل الظروف الراهنة والتي أدت إلى تراجع مستوى العلاقات بين الأحزاب السياسية وجماهيرها إلا أن ذلك لم يؤثر بشكل كبير على مسيرة الحزب.

الفكر السياسي في منهجية الحزب لم يقتصر فقط على حركة الإصلاح والتغيير وإنما اخذ أبعاد جديدة في بناء المجتمع وإيجاد الحلول لتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية مما جعله الحزب الطليعي ليس فقط في محوره الجغرافي انما في المحيط الخارجي للمحور .
وهذا ما كان يحدث لولا التطور الفكري لفهم الواقع السياسي المعاصر في أسلوب وأداء الحزب وتقبله من قبل المجتمع المدني والسياسي لجماهير الحزب .

قد يعجبك ايضا