تأصيل العدالة الاجتماعية في الفكر السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني – العراق

سردار علي سنجاري

لعل من اهم ما تبحث عنه الشعوب في حركاتها وثوراتها وانتفاضاتها هو تحقيق العدالة الاجتماعية واعتبرتها القاسم المشترك الذي يوحد المطالب الشعبية لمختلف بلدان العالم سواء الغربية منها والتي حققت تقدما ملموسا في هذا المجال او المحاولات العربية في السعي لتحقيقها.

والشعب الكوردي الذي مايزال يقبع تحت سيطرة ووطأة العديد من الدول التي لا تعترف بحقوقه السياسية والاجتماعية والثقافية مثله كمثل شعوب الشرق الأوسطية الاخرى ما يزال يفتقر إلى الإنصاف والعدالة والمساواة والحقوق والمشاركة . ومن اجل هذا اندلعت العديد من الانتفاضات الكوردية في القرن الماضي وبالأخص بعد تقسيم كوردستان بين اربع كيانات سياسية مختلفة ولعل ابرز تلك الثورات ثورة ايلول المجيدة وكولان وانتفاضة اذار المباركة التي غيرت َ مجرى التأريخ السياسي للحركة التحررية الكوردستانية واعطت لها أبعاداً جديدة من خلال بناء نظام سياسي واجتماعي جديد في اقليم كوردستان العراق.

المطالب السياسية التي طالبت بها هذه الحركات بدأت تتضح معالمها للعالم الحر في ستينيات القرن الماضي بما يخص القضية الكوردية وأحقيتها بالمطالب الاجتماعية التي لا تقل أهمية بل ربما كانت المحرك الأساسي للثورات الكوردية . وما كان انبثاق الحزب الديموقراطي الكوردستاني في اربعينيات القرن الماضي إلا لتحقيق العدالة والمساواة والإنصاف وحقوق المشاركة للشعب الكوردي ومن اجل ذلك تبنى الحزب الفكر الليبرالي في نهجه من اجل ضمان الحقوق والحريات لكافة شرائح المجتمع الكوردستاني.

لقد اتخذ الحزب اتجاهات عديدة في طريقة تعامله لتحقيق الأهداف التي حددها وخصص لكل جزء من تلك الأهداف رؤية واضحة في برنامجه السياسي الذي يقوم على أسس واضحة في كيفية تحقيق التوازن في المجتمع الكوردستاني . ولكن ليس من السهولة تحقيق خطوات سريعة في المجال الاجتماعي في المجتمع الكوردستاني في تلك الحقبة الزمنية حيث كانت الطبقية ماتزال راسخة في المجتمع وشكلت عائقا أمام تحقيق الأهداف التي سعى الحزب إلى التخفيف من تأثيرها على العملية السياسيّة والاجتماعية في منهجية الحزب . وبالإضافة إلى تلك العوامل فإن الحزب واجه صعوبات كبيرة في التعامل مع المفاهيم العقائدية للمجتمع الكوردستاني بسبب السلطة العشائرية التي طغت على المفهوم الحزبي لبعض شرائح المجتمع مما ساهم في إبطاء تقدم الحزب في المجال الاجتماعي .

لكن الحزب استطاع من خلال تفهمه للقيم المجتمعية للمجتمع وعبر الحوار الاجتماعي مع شرائح المجتمع المختلفة ان يصل إلى حلول ترضي كافة الأطراف من اجل تحقيق ودعم العدالة الاجتماعية.

قدم الحزب الديموقراطي الكوردستاني طرحا هاما في منهجه الاجتماعي عندما قبل في صفوفه كافة طبقات المجتمع من دون تفضيل فئة على أخرى ولهذا برزت في صفوفه شخصيات قيادية من سنجار إلى خانقين صنعت تاريخاً مشرفاً وتركت بصمة نضالية في مسيرة الحزب. ولطالما كان هدف الحزب هو تحقيق الحرية للشعب فقد دار دوما سجال حول العدالة الاجتماعية ومفهوم الحرية في أروقة الموتمرات التي عقدها الحزب طوال تأريخه فمن جهة سعى إلى ترسيخ قيم العدالة الاجتماعية في المساواة والإنصاف بين أفراد المجتمع واحترام حقوق الإنسان وبين مفهوم الحرية التي اعتبرها انها ليست مجرد وسيلة للتعبير عن الحقوق انما التحرر الوجداني من كل مشقات الحياة التي أثقلت كاهل المجتمع الكوردستاني بسبب الظروف التي واجهته خلال مسيرته الإنسانية.

راى الحزب ان تطبيق العدالة الاجتماعية لايمكن تحقيقه من دون ان يواكب ذلك عملية تنمية شاملة بكافة الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية فكما هو معروف ان التنمية السياسية تستلزم بناءً مؤسسات من خلالها يتم استيعاب التغيرات في الحزب والدولة وبذل أقصى الجهود لتحقيق العدالة الاجتماعية. ومن اجل هذا كانت أولى الخطوات التي تبناها الحزب بعد انتفاضة اذار المجيدة سنة ١٩٩١ هو تشكيل حكومة مؤقتة لإدارة شؤون المنطقة وكانت الجبهة الكوردستانية النواة الاولى لاستمرارية مؤسسات الدولة انذاك وبعدها جاء انبثاق اول برلمان كوردستاني من اجل تشكيل حكومة وطنية . تلك الخطوة الهامة والفاصلة في تأريخ شعبنا ساعدت في تحقيق الاستقرار السياسي في الإقليم والذي مكن من تحقيق المزيد من الخطوات الاقتصادية لأن من شروط تحقيق العدالة الاجتماعية وجود بنية اقتصادية قوية تستطيع توفير احتياجات الطبقات المختلفة وبالأخص الفقيرة منها.

لقد رأى الحزب الديموقراطي الكوردستاني ان مفهوم العدالة الاجتماعية لا يتم الا من خلال تحقيق توازن عادل في توزيع الثروة وضمان حياة كريمة لكافة أفراد المجتمع
الكوردستاني ومن اجل ذلك كان لابد من توفير فرص العمل بما يتناسب مع الواقع الاقتصادي للإقليم حيث تم تنفيذ العديد من المشاريع التي يمكن من خلالها توفير فرص العمل والاستثمار وكذلك تم توفير الدعم اللازم في مجال التعليم والصحة والزراعة التي تعتبر عاملا هاما في نمو اقتصاد الاقليم ناهيك عن التخطيط الاستراتيجي في التنمية المستدامة .

قد يعجبك ايضا