سردار علي سنجاري
عندما تأسس الحزب الديموقراطي الكوردستاني في العراق بزعامة القائد الخالد الملا مصطفى البارزاني حمل معه فكرة ومبدأ وبنية تنظيمية لتأهيل الكفاءات وتأطير المجتمع الكوردي والعراقي في إطار الشراكات والتعاقدات مما يخلق الانضباط التكاملي في بناء المجتمع والوطن . وكان من اهم قيم التي نادى بها الحزب الديموقراطي الكوردستاني هي قيم الإصلاح السياسي حيث بدأ منذ انطلاقته إلى البحث عن الكفاءات الوطنية المخلصة القادرة على تحمل المسؤولية على جميع المستويات كل حسب اختصاصه ومؤهلاته لذا برزت أسماء شخصيات كوردية إلى جانب القائد الخالد الملا مصطفى البارزاني وبالأخص في ثورتي ايلول المجيدة و كولان حيث استطاعت ان تحقق الكثير من الإنجازات مما دفع بأسماء العديد من القادة السياسيين والعسكريين في صفوف الحزب في ان تبرز وتسجل اسمائهم في سجل التاريخ الكوردي المعاصر
.
واليوم وبعدما اثبت الحزب الديموقراطي الكوردستاني قدراته على ادارة شؤون الإقليم بشكل كبير وفعال واستطاع استقطاب الناخبين الى صفوفه فإنه بهذا حمل أعباء اكبر مما حملها عندما كان حزبا ثورياً في سفوح جبال كوردستان وقممها و دفع الحزب الى اختيار الشخصيات القادرة على استمرارية مسيرته النضالية والإدارية وان يكون البحث عن الكفاءات الطموحة والواضحة والتي تحمل افكار جديدة تتناسب مع المرحلة القادمة وهذه الشخصيات يجب ان تعرف مالها وماعليها في إطار التلازم بين الحقوق والواجبات من اجل خدمة الإقليم ومواطنيه . وفي الوقت ذاته تسعى إلى بناء هيكل إداري للفعالية الاقتصادية والتحول الاجتماعي حيث ان الشعب الكوردي والجيل الجديد مثله كمثل باقي الشعوب التي انجرّت وراء التطور التكنولوجي الذي أصبح يشكل مصدر قلق للمجتمع بسبب التغيرات الثقافية في العادات والتقاليد الموروثة ما يضعنا أمام مهام كبيرة وشاقة في التعامل مع هذه المتغيرات وهذا لا يتم إلا من خلال احترام المبادئ الديمقراطية حيث يتم من خلالها بناء التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المجتمع.
وهنا لابد للحزب الديموقراطي الكوردستاني وضع الخطط والعمل الجاد من قبل مفكريه ومنظريه لإعداد برنامجاً ثقافياً وفكرياً يتناسب مع المرحلة المقبلة من اجل تأهيل الجيل الجديد والرفع من قدراته السياسية والثقافية ليكون بمستوى المسؤولية لضمان ديمومة نهج الحزب وقيمه التي تأسس من اجلها . وقد سعت الدول المتقدمة في ان تجد نظريات متعددة من اجل التفسير والتأويل للهيئات السياسية ودورها السياسي والاجتماعي والثقافي والبيئي من اجل المساهمة في التنمية السياسية التي تعد المفتاح الاستراتيجي لبناء الدولة وديمومتها .
لم يكن الحزب الديموقراطي الكوردستاني يوما ما سببا في خلق الاضطرابات الداخلية او الخارجية للعراق ،بل ان الأوضاع الشاذة الداخلية في النظام السياسي العراقي سببا في خلق الكثير من الأزمات للحزب وللدولة العراقية معا ومازال العراق وشعبه يدفع ثمن تلك السياسات إلى يومنا هذا . اما الحزب فمنذ انطلاقته جعل الحرية السياسية والتعددية مكفولة للجميع وأحسن فهم تدبير الاختلاف بدون ضرر ولا ضرار . وكانت و ماتزال فكرة الديمقراطية هي أساس التعامل مع الأزمات في نهج الحزب وقادته . وقد آمن الحزب ان التنافسية مبنية على مستوى البرنامج والمخططات والسياسات العامة والعمومية من اجل الاندماج الفعلي بالمجتمع. ومن اجل هذا عندما حاولت المحكمة الدستورية في الآونة الأخيرة فرض نوع من الوصايا على العملية الديمقراطية في الإقليم وقف الحزب الديموقراطي الكوردستاني بكل قوته لإلغاء قرارات المحكمة الاتحادية من اجل ضمان حقوق الأقليات وضمان الحريات لهم في العملية الانتخابية القادمة .
وقد ربط الحزب الديمقراطي الكوردستاني امرين هامين منذ انطلاقته وهما الفاعلية المنظمة كاداة فكرية في توجيه الجمهور الكوردي للوصول إلى الأهداف وتحقيقها وكانت فكرة الحزب في هذا التوجه هو البقاء والنمو والتكييف لان البيئة التي نشاء فيها الحزب كانت غير مستقرة ولهذا جعل الحزب مسالة التوازن المتحرك للرؤية الحزبية مع التكييف البيئي شرطا لاستمرارية الحزب وبين القدرة على التطور والنمو وهنا لابد ان ننصف الحزب و انفسنا كباحثين او مراقبين حتى هولاء الذين اختلفوا مع الحزب وقيادته في فترات زمنية متباينة ان الحزب بالرغم من الأزمات التي مرت به منذ تأسيسه إلى يومنا هذا إلا انه اثبت قدرته على البقاء والتطور والنمو وانتقل من مرحلة الثورة إلى السلطة وبناء الدولة .
المرحلة القادمة هي الأكثر أهمية وتعقيدا بالنسبة للحزب فأعضاء الحزب و مفكريه الذين حملو على عاتقهم أعباء النضال وشاركوا في الثورات التي حققت للشعب الكوردي الأمن والإستقرار والحرية غالبيتهم رحلوا عنا تاركين إرثا نضاليا كبيرا ونهجا انسانيا منيرا وهؤلاء يصعب تعويضهم اليوم ولكن التطور الانساني والإدراك الصحيح للمفاهيم والمعرفة الحديثة وظهور الأساليب الإدارية العلمية الحديثة بالإضافة إلى المناخ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي السائد هي إضافات لابد من الأخذ بها من اجل تطوير الحزب وأهدافه مستقبلا .
وقد ساهم الفكر السياسي الذي انتهجه الحزب على ايجاد تصورات و روّى متنوعة لكافة شرائح المجتمع الكوردستاني دون تمييز مما جعل الكثيرين من خارج المنظومة السياسية او القومية ان يقفوا إلى جانبه و تأييده وذلك لمعرفتهم وقناعتهم ان معادلة التحول الديمقراطي في العراق تقوم على غياب نظام سياسي ديمقراطي واحد مما جعل العراق متاخرا في كافة المجالات رغم توفر كل الإمكانيات التي قد تأهله ان يكون في مقدمة الدول . بينما استطاع الحزب الديموقراطي الكوردستاني ان يتجاوز تلك المعادلة السياسية التي لم تكن قادرة على تحقيق أي تقدم سياسي وان يضع مباديء وممارسات تتناسب مع المجتمع في عملية التطوير وإيجاد آليات التكافؤ السياسي بين مختلف مكونات المجتمع مما دفعه دائما نحو التطوير.