ماهين شيخاني
ـ 1 ـ
يكاد رأسي ينفجر ، تأخذني الأفكار بين أمواجها المتلاطمة بعيداً بعيداً ثم تعود بي إلى حيث كنت ، لا استقرار في ذاتي ، عقلي شارد حيناً وفي حالة صحو تام حيناً آخر ، نار تتأجج في داخلي . أحرق نفسي بنفسي ، أحاول نسيان الموقف ولكن هيهات ؟
لم أعد قادراً على التركيز ، أخطئ في الحسابات ، لم أعد أحتمل ، لذا عليّ إغلاق المحل وأخذ حبوب السيتامول من الصيدلية والعودة إلى البيت .
لا أعرف كيف تمالكت نفسي ولا كيف وصلت ؟! أخرجت شكالة المفاتيح من جيبي وفتحت الباب ، كانت الدار يكتنفها السكون والصمت ، ساده الصمت وكأن الحياة هجرتها ، أين تلك الأصوات والحركات والمشاغبات اللطيفة ؟! لم هذه الدرّاجة وتلك الألعاب حزينة ، كئيبة مرمية في زوايا الإهمال ، ازداد الصداع ألماً .
رغم معرفتها بقدومي إلا أنها لم تأبه بذلك ، كانت في حالة شرود وذهول وخيبة ، أعرفها أكثر مما أعرف نفسي ، تشعر بجرح عميق وإهانة كبرى في كيانها، خجولة من رفع رأسها ومكالمة طفليها .
ـ 2 ـ
دنوت وجلست بجانبها على السرير ، شعرت بألم يمزق صدري ، يجعلني أشلاء مبعثرة ، احتقرت ذاتي على هذا التصرف اللاحضاري واللاإنساني ،أين الإخلاص ؟ أين المودة ؟ وأين القسم ؟!.
أمانة في عنقي!…. شريكتي التي أعجبت بها ونلتها ؟!… أم ولديَّ، كانت أمنيتي أن أختار لهما أماً متعلمة ، تجمع الأخلاق والمعرفة ، تعلمهما القراءة والكتابة منذ الصغر وقبل دخول الحضانة تعلمهما الأدب والاحترام . ولدي اللذان يجب أن يكونا ( …. ) ؟!! ـــ ننور لهما درب المستقبل . ؟ ! ! …
وبعد أن اخترت لهما خير أم ، وحمدت الله على هذه الهبة فماذا بعد ؟ وماذا أريد؟ .. أنا المدافع بكل أحاسيسي وإنسانيتي عن حقوق المرأة ؟
أنا المتباهي بديمقراطيتي وتفكيري، وأقول لو خلقني الله في عهد قاسم أمين لسبقته في الدفاع عن المرأة ؟!، أقوم أنا بهذا العمل اللاأخلاقي المنافي للشرع والقانون : نظرت إلى كفيّ باشمئزاز ، ألأجل ؟ أنْ يعلم مجتمعنا شبه البدائي بأنني قوي قادر على ضرب زوجتي ؟! ألأجل أن يسمع الجيران صُراخها وتنتشر بين النـاس سيرة بطـل ؟! .
ـ3 ـ
آه … لخيبتي … آه لتصرفي الشاذ ، أصبحت أمقت نفسي ، أشمئز منها وكأنها تخبئ وجهها الملائكي بكفيها والطفلان يرمقانني بنظرات كلها استياء حاولت التكلم معهما وإخراجهما من دوامة ذلك الصمت .
ـ آزاد … آفروديت … ؟ لقد اشتريت لكما ( الدوندرمة ) اذهبا.. لقد وضعتها الثلاجة ؟ … وأنت يا ( …. ) ، ربت على كتفيها بحنان. كفاك تعذيبي؟ ليعلم الله أنني عندما أفعل شيئاً ما, لا أندم ولا أعتذر ولكن الآن فقط وبما أنني قمتُ بتصرف خاطئ ومؤذ،غير وارد في قاموس حياتي فسيكون لي الشرف أن أعتذر منك وأعترف بذنبي وأتمنى أن لا يتكرر مثل هذا للأبد ، انتشليني من بين براثن هذه العاصفة الهوجاء ؟… أكاد أختنق؟ .
ـ انهضي ..؟ وسامحيني … ها قد اعتذرت منكِ لا تخيبي ظني ، عرفتك أصيلة ولامستُ يديها الجامدتين ، رمقتني بنظرة فاترة دون أن تنبس بشيء ولكنني أحسست بما يجول في داخلها وما قالته لي :
ـ أين نضارتها وإشراقها ؟ …
ـ أين بريق عينيها ؟
لقد ذبلت كالزهرة في هذه السويعات القليلة .
لا تزال يدي فوق يديها ، … شعرت بسريان الحرارة في جسمها شيئاً فشيئاً ، رفعت رأسها قليلاً ، تبين لي أن الوسادة مبللة بالدموع . إلا أن استدارتها نحوي وعيناها اللتان تحاكيان وجداني و قلبي وتقولان ماذا فعلت بك ؟ ما ذنبي ؟ لِمَ هذه العصبية المفرطة ؟ أهكذا تواعدنا ؟
انتبهت إلى تلك الدمعة التي كادت أن تسقط على الوسادة ، فمسحتها بيدي ومسدت شعرها وأنا أقول ثانية : سامحينني ..
ألم تسمعي بتلك المقولة الدّارجة: أن المسامح كريم وكريمٌ جداً . فارتسمت على شفتيها ابتسامة جعلتني أقفز فرحاً .