الحياة الدينية لدى الكورد عبر التاريخ

 

الجزء الأول

برادوست ميتاني

قدس الكورد كغيرهم من الأمم في بداية التفكير بالطبيعة بعض القوى الطبيعية، لكي يحموا أنفسهم من شرورها وكذلك من لغز الموت بممارسة طقوس بسيطة، وكانوا يصنعون لها طواطم خاصة، ولكنهم سرعان ما تخلوا عنها بسبب التطور الذهني لديهم، وخاصة عندما ادركوا قيمة الأم، فظهرت ميثولوجيا الإلهة الأم لما لها دور لدى الأولاد والزوج ،من حيث العطاء والحب والرعاية والابداع والعمل، وذلك في أواخر العصر الميزولوتي وبدايات العصر النيوليتي، أي أوائل الألف الثاني عشر ق.م، وحصراً خلال مجتمع كلان في مناطق سلسلة زاغروس وطوروس و.تبلورت هذه العبادة مع تحرك الكورد داخل بلاد موزوبوتاميا، والانتقال إلى الجنوب في سومر وأكاد مع الجوديين في الألف السابع ق .م.

إينانا

تحول التقديس للأم إلى ظهور آلهة الأنثى أمثال إينانا وإستير وشاويشكا الهورية هاتان الإلهتان الأخيرتان إستير وشاويشكا حملتا اسم عشتار في سومر وأكاد وسوريا وكذلك الإله إيا.

وجد الإله إيا طريقه إلى مجمع الآلهة الحوري المطابق في بابل للإله السومري إنكي ، المسؤول عن المياه العذبة تحت الأرض (آبزو أي آف زاAvza ،والإلهة إيا الحوري كان يسمى أيضاً (آ) وقد علمنا بأن اسم الماء في السومرية (آ) وفي الكوردية (آف).

 

 

انتقلت عبادة إينانا من الكورد الهوريين إلى الكورد الكوتيين إي الجوديين. ترك الجوديون أثرهم في النمط السومري في الألف الثالث ق.م، يظهر هذا في أوروك حول معبد اينانا ذو الاسم الكوردي. هذا الاسم أي إينان في الكوردية مازال يعني اليقين والإيمان – في البداية كان اسمها إين، وللإلهة نينا الأصل المشترك لغوياً مع اسم إين أي يوم الجمعة، وكذلك مع اسم دين أي الإيمان وأنه مازال في بعض المناطق يستخدم اسم نينا للدلالة على المرأة المحترمة وكذلك تحولت إلى نانسي وهو اسم علم أجنبي.

للعلم أن نينا هي قرينة إله القمر كوشخ أو كوشوه وكانت لها مكانة مهمة في العبادات الحورية وكذلك في أوغاريت..

إيل، إلاه، الله

بعد فقدان إله الطقس سيادته ظهرت سيادة الإله كوماربي محور الرئيسي للكثير من الأساطير الحورية التي تسمي المدينة الملكية الحورية القديمة أوركيش موطناً له، يرد أقدم شاهد على هذا الإله أي كوماربي في نص حوري من مدينة ماري في 1700 ق.م ،وهو يطابق الإله دجن في منطقة الفرات الأوسط والإله السومري إنليل والأوغاريتي إيل، وفي اسطورة دينية لدى الهوريين تحكي صراع الآلهة: ينحني الإله آن على قدم الملك القوي في السماء آلالو كخضوع له، ويقدم له كأس الشراب، ولكن بعد تسع سنوات يتمكن الإله آن من هزيمة آلالو الذي يفر إلى العالم السفلي المظلم ،ثم يجلس الإله آن محله على العرش. ينتفض الإله كوماربي مصارعاً الإله آن وينتصر عليه، فيهرب بعد أن يجعله حاملاً منه بالإله تيشوب وبنهر دجلة وبالإله الضخم تشميش، عندها يحمله عبئاً ثقيلاً بسببها فيضرب الإله آن بسبب ذلك رأسه بصخور الجبال، وتصنف الإلهة السومرية شالا زوجة له وكان له وزير باسم موكيشانو أي موكيش الدال على مملكة آلالاخ.

بالتمعن إلى اسم الإله أيل بصيغه المشتقة من بعضها ألالو وألالاخ واللاة وظهوره أيضاً مع دولة أيلام الكوردية نلاحظ مدى تمسكنا نحن الكورد بهذه التسمية القريبة حالياً من اسم إلاهوما واللهم ومن ثم الله وخاصة احتفاظ جبل صغير ألا وهو كري ايلم الواقع بين شمال وغرب كوردستان بنفس الاسم حتى الآن. بالإضافة إلى نهر كارون الذي كان اسمه القديم ألاي وآلاني إله العالم السفلي التي هي أم للإلهة خيبات في أسطورة آلي كومي الهورية. واسم آلت الذي هو الإله الكوردي الكالتي الخالتي دلائل على أن الكورد أيضاً اصحاب فكر في عبادة الله باسمه الجديد وليس المسلمون فقط.

بالإضافة إلى ذلك كما نوهنا أن أحد أجدادنا الكورد كان اسمهم ايلام وهم اصحاب دولة قوية في شرق كوردستان 4000 ق.م وأن حرف الميم مازال لاحقة تلصق بالعديد من أسمائنا الكوردية في إطار النسبة مثل يكام و ساخلام وديلام وأيرام وغيرها.

أما من حيث المعنى المشترك لتلك الاسماء وفي اللغتين الكوردية والعربية فهو العالي، وقد أستمدنا منه نحن الكورد اسم آل أي العال وصار في العربية العلم وفي العربية يقال سقط من العل وفي نفس السياق تم الاقتباس من اسم أيل في الكوردية اسم إيل أي القبيلة لما لها رفعة وسمو وتقدير، لذلك بالنظر إلى أسماء الآلهة – كما أشرنا سابقاً- أيل وألالو وغيرهما نجد جذر تاريخي لاسم إله والله مثلما هو موجود في الدين الاسلامي وفي اللغة العربية بغض النظر عما يفعله الزمن في تغيير بعض الحروف من الاسم بتقديم أو تأخير أو ادخال حرف قريب من الحرف القديم وذلك في مورفولوجيا اللغات.

بناء على ذلك نقول: أن الإله أيل ليس بعربي أو سامي فقط مثلما تم اشاعته بل أنه سومري، آري وكوردي أيضاً منذ أكثر من 6000 عام وذلك بسبب تلاقح الثقافات فيما بينها.

 

 

اسطورة أخرى (إنشودة ألي كومي) عن صراع الآلهة وهي تؤكد لنا ما قصدناه عن أصلها اللغوي الكوردي، وهي عبارة عن محاولة جديدة للإله كوماربي لإلحاق الهزيمة بإله الطقس تيشوب ،عندما يخلق مخلوقاً من الصخر اسمه أولي كومي أي مدمر كومي،لا متآمرا مع إله البحر الذي يربي أولي كومي في رعايته، وعندما يخرج أولي كومي من البحر يبصره إله الشمس فيخاف منه ويصاب بشلل في الحركة، فيعجز عن التجاوب مع الإله تيشوب الذي رحب به في قصره، وغضب منه وانتقل مع أخيه تاشميشو إلى جبل خازي بسبب خوفه الشديد من أولي كومي المرعب .فتقوم شاووشكا بمحاولة إغرائه بإنوثتها كما فعلت سابقاً مع خيدامو ولكنها لم تفلح لأنه تصرف كالأصم والأعمى، ولكن بعد صراع ميؤس بتدخل تيشوب ورفاقه، يأتي إله إيا ويرجو من الآلهة الموغلة في القدم بمنحه المنجل الذي يقطع أولي كومي عن منبته في كتف أوبلوري الذي هو مصدر قوته، ثم يتم القضاء على ذلك المخلوق الضخم أولي كومي.

تذكرنا أحداث أنشودة أولي كومي الأسطورية تلك بأكتاف زهاك والبطل كاوا هسنكار ولعل الباحث الألماني جرنوت فيلهلم في سياق كتابته عن الاساطير الهورية يقصد ذلك عندما يقول توصلنا هذه الحكاية أي أولي كومي إلى تقاليد هورية قديمة ونقلها الهوريون إلى المنطقة من مواطنهم الاولى في المناطق الجبلية الكوردية . ويقول أما حدث أولي كومي فهو في شمال سورية.

قد يعجبك ايضا