كوردستان بين الاستحقاق والتعايش

الباحث : سردار علي سنجاري

لم يشهد الشعب الكوردي قيام دولة خاصة بهم عبر التاريخ الا دولة ماد او مملكة ميديا سنة ٧١٤ قبل الميلاد . ومنذ ذلك التاريخ الى يومنا هذا سعى الكورد الى تحقيق توازن بينهم وبين الشعوب المجاورة لتجنب اي اعمال قد تلغي هويتهم او ثقافتهم . وقد حافظ الكورد الى حد بعيد على الكثير من العادات التي ميزتهم حتى في العصور الاخيرة عن باقي الشعوب . فمازال الكورد متمسكون بلغتهم الكوردية ولهجاتها المختلفة وكذلك في زيهم الخاص وتقاليدهم واعرافهم العشائرية. ورغم الضغوطات التي مورست بحق الكورد من العديد من الجهات الخارجية والداخلية ومحاولات تلك الجهات طمس الهوية الكوردية وانصهارها بالثقافات الجديدة ومنها الثقافة الاسلامية التي استطاعت ان تطمس العديد من الثقافات المحلية وتفرض الثقافة العربية عليهم . ولكن رغم ذلك تمسك الكورد بالاسلام كدين وساهموا في تعزيزه ونشره ولكنهم لم يتخلوا عن ثقافتهم وعاداتهم بل تمسكوا بالكوردايتي كنهج وثقافة ولم ينصهروا كمفهوم انصهار بالثقافات الاخرى .

والكثير من المؤرخين الذين اهتموا بالقضية الكوردية ومنهم المستشرقين وقفوا عند دراسة الدولة الايوبية وهل كانت في الباطن كوردية والظاهر اسلامية ام انها كانت دولة اسلامية بكل تفاصيلها . ربما كان بعض الكورد في حينه يتطلعون الى تأسيس دولة كوردية تحت راية الاسلام ولكن الدولة الايوبية قامت على اسس دينية وليس قومية ومايزال الكثير من الكورد يعتبرون الناصر صلاح الدين الايوبي مقصرا بحقهم .

اما العرب استفادوا من الدين الاسلامي في تعميم ثقافتهم العربية على العديد من الدول وهناك ثقافات وصلت لحد طمس هويتها بسبب الثقافة العربية ..
كانت تطلعات الكورد في بدايات القرن الماضي لا تتعدى كثيرا عن تطلعات الشعوب العربية التي نادت بالوحدة العربية والقومية العربية بعد انهيار الخلافة العثمانية.
وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وضع الحلفاء الغربيون المنتصرون تصورا لدولة كوردية في معاهدة سيفر عام 1920. إلا أن هذه الآمال تحطمت بعد ثلاث سنوات، إثر توقيع معاهدة لوزان التي وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كوردية. وانتهى الحال بالكورد كأقليات بين اربع دول ارحمهم استخدم اعواد المشانق والسلاح الكيماوي لأبادتنا.

مما لا شك فيه ان غالبية الشعب الكوردي يتطلع إلى قيام دولة كوردية مستقلة باسم كوردستان الكبرى ولكن ما أحاط بالقضية الكوردية من انقسامات داخلية واقليمية أضعف الحلم الكوردي . وترى بعض الدول الديمقراطية ان قيام دولة كوردية هو استحقاق تاريخي وقومي للشعب الكوردي ولكن في نفس الوقت تنظر إلى مصالحها مع الدول المهيمنة على كوردستان مما يجعل أصوات المطالبة بقيام دولة كوردية مستقلة ضعيف مقارنة بمطالبة الكورد التعايش مع المجموعات العرقية ضمن حدودهم التي اقرتها اتفاقية سايكس بيكو .

لم تنظر تلك القوميات المهيمنة على الارض التأريخية للشعب الكوردي يوما نظرة مساواة بين الكورد و مواطنيهم فمثلا الشعوب العربية رغم التقارب القوي بين الكورد وبينهم إلا ان الممارسات الرسمية لبعض الحكومات العربية كانت وماتزال تاخذ منحى في التعامل مع القضية الكوردية على أساس شوفيني وبالرغم من الاعتراف الدستوري في العراق منذ الستينيات من القرن الماضي والثورات التي خاضها الشعب الكوردي والمطالبة بالديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان العراق انذاك إلا ان العاملين على الدستور لم يكونوا يوما ما جادين في تطبيقه مما عكس نظرتهم على عامة الشعب مما خلق فجوة كبيرة بين الشعبين الكوردي والعربي سواء في العراق ام سوريا . اما تركيا وايران فإنهم لا يعترفون بوجود الهوية الكوردية في بلدانهم ويعتبرونهم مواطنين من الدرجة الثانية مما حمل الكورد في تلك الدول إلى حمل شعارات الاستقلال وقيام دولة كوردستانية مستقلة.

اليوم وما يشهده اقليم كوردستان الجنوبية من علاقات دولية مميزة ناهيك عن التطور في بناء الإنسان والأرض مما جعل العديد من الدول ومنها الإقليمية المهيمنة على ارض كوردستان تنظر إلى هذا الاقليم الفتي نظرة احترام تجعلنا ان ندرس تلك التجربة بجدية وان نوحد صفوفنا ونكون عونا للعمل الجاد في ترسيخ اسس قيام دولة كوردية في جزء من اجزاء كوردستان الكبرى . وربما التأريخ القريب يشهد تحقيق الحلم الكوردي في قيام كوردستان كدولة ذات سيادة معترف بها دوليا وعضوا في الامم المتحدة فالشعوب التي حققت استقلالها واصبحت دولا ذات سيادة لا تقل نضالا ولا تاريخاً وحضارة عن الشعب الكوردي ولكننا نحتاج إلى الوحدة الوطنية التي تؤهلنا في السعي الى تحقيق أهدافنا القومية المشروعة.

قد يعجبك ايضا