ضعف التغطية الإعلامية العالمية للأحداث والازمات الافريقية

 

التآخي ـ وكالات

برغم الصراعات الدموية التي تعصف بأفريقيا، إلا أن بعض الصحفيين الأفارقة يقولون إن أزمات القارة السمراء لا تتصدر عناوين الصحف والمواقع الإعلامية الدولية. فكيف سلط مشاركون في منتدى للإعلام الضوء على هذا الموضوع؟

“لماذا لا تحصل أزمات قارتنا على تغطية إعلامية دولية كافية؟” سؤال تردد صداه في داخل فعاليات منتدى الإعلام العالمي الذي نظمته مؤسسة DW سنويا واختتم أعماله الثلاثاء (18 حزيران 2024) في مدينة بون في ظل حضور ملحوظ من صحفيين وصحفيات أفارقة يعملون في مؤسسات إعلامية   بالقارة السمراء.

فبرغم أن القارة السمراء تئن تحت وطأة أزمات وكوارث إنسانية وصراعات، إلا أنها لا تتصدر نشرات كبرى الشبكات الإخبارية العالمية، بحسب إعلاميين أفارقة حضروا المنتدى.

ومع تصاعد الجدل بشأن نصيب القارة السمراء من التغطية العالمية، لم يبد زينزيل نديبيلي، وهو صحفي مستقل من زيمبابوي، استغرابه مما يراه البعض من ضعف تناول الإعلام الدولي لأزمات أفريقيا.

وفي مقابلة يقول نديبيلي: “أفريقيا لم تكن دائما ذات أولوية   للمؤسسات الإعلامية العالمية. وإذا عدنا بالذاكرة إلى الإبادة التي شهدتها رواندا حيث كان يُقتل الناس، لم يكن لدى الكثير من الشعوب في الغرب دراية بهذه المأساة”.

وأضاف الصحفي الزيمبابوي بالقول: “في الوقت الحالي، تتحدث وسائل الإعلام الدولية عن أوكرانيا وغزة، لكن هناك حرب تدور رحاها في السودان حيث يموت الكثير من المدنيين. ما مدى اهتمام وسائل الإعلام الدولية بالصراع في السودان؟ يمكنني الجواب… الاهتمام يكاد يكون معدوما”.

يُشار إلى ان منظمات حقوقية دولية انتقدت ما عدته تجاهلا وصمتا دوليين إزاء   الحرب في السودان  التي تسببت في مقتل أكثر من 16 ألف شخص في عام من اندلاعها.

وتمتلك الصحفية الكاميرونية مبتش ستيلا اجابة على قضية عدم تصدر القضايا والأزمات الأفريقية الاهتمام الإعلامي في الكثير من الدول الغربية. ففي مقابلة خلال مشاركتها في منتدى الاعلام العالمي، قالت: “اعتقد أن عدم اهتمام وسائل الإعلام الدولية بأفريقيا  يرجع إلى عدم ارتباط ذلك بالقضايا الاقتصادية التي تمس الجمهور الغربي”.

وأضافت: “أنا صحفية من الكاميرون التي تعاني من أزمات عديدة فهناك بوكو حرام في أقصى الشمال وهناك أزمة غذاء في شمال غرب البلاد. كل هذه الأزمات لم تحظ بتغطية إعلامية دولية كبيرة.”

 

وبرغم انتقادها ضعف تناول المؤسسات الإعلامية الدولية للقضايا الأفريقية، إلا أنها تقر بأن حكومات   القارة السمراء تتحمل بعض المسؤولية. وقالت في هذا السياق: “على أرض الواقع، لا يمكن الوصول إلى معظم مناطق أفريقيا ليس فقط للصحفيين الأجانب وإنما أيضا للصحفيين المحليين. أنا على سبيل المثال، لا يمكنني الذهاب إلى شمال بلدي الكاميرون للقيام بعملي الصحافي ـ إذا كيف يمكن للصحفيين الأجانب تغطية الوضع هناك؟”

ومع انتشار الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وجد الصحفيون والصحفيات الأفارقة ضالتهم لتسليط الضوء على قضايا وأزمات القارة السمراء ونقلها للجمهور غير الأفريقي.

وفي ذلك، أقر الصحفي الزيمبابوي زينزيل نديبيلي بفضل  الإنترنت  في تعزيز التواجد الأفريقي على الساحة الإعلامية العالمية، لكنه أشار إلى أنها لا توفر “البديل”.

وقال: “نحن كصحفيين ننشر قصصنا وتقاريرنا على الإنترنت وعلى منصات التواصل الاجتماعي، لكننا نستعمل تكنولوجيا ليست ملكنا وخوارزميات ليست ملكنا تصدر المحتوى الغربي على المحتوى الأفريقي”.

من جانبها، رأت الصحفية الكاميرونية مبتش ستيلا في ثورة الانترنت والعالم الافتراضي “سلاحا ذا حدين” بالنسبة للصحفيين والصحفيات الأفارقة.

وقالت في هذا الإطار: “جاءت وسائل التواصل الاجتماعي كميزة إضافية للصحفيين الأفارقة لكنها جلبت لهم أيضا مشكلة إضافية اذ نشهد حالة من التضليل والدعاية، ويفتقر الصحفيون الأفارقة إلى أدوات التحقق من المحتوى الرقمي فضلا عن تعرضهم لحملات قمع بسبب ما ينشروه على وسائل التواصل الاجتماعي”.

وماذا عن الإعلام العربي؟

لم يكن الإعلام العربي بعيدا عن دائرة الانتقادات من قبل صحفيين عرب شاركوا في المنتدى ومنهم الصحفي المصري كريم أسعد. وفي مقابلة قال كريم، الذي يعمل في منصة “متصدقش” المعنية بتدقيق الأخبار الكاذبة في مصر، إن الإعلام العربي “وقع في فخ محاكاة الأعلام الغربي”.

وأضاف: “الاعلام العربي لا يعطي الأولوية للأخبار والتغطية الإعلامية للقضايا التي تهم المنطقة. ربما يرجع السبب في ذلك بشكل جزئي إلى نقص الموارد. الإعلام العربي في الغالب ممول من حكومات”.

وأوضح كريم بالقول: “الاعلام العربي يقلد الاعلام الغربي لأنه يعتمد على تقارير ومصادر إعلامية غربية. على سبيل المثال، في تغطية الوضع في غزة، الكثير من وسائل الإعلام العربية تنقل عن صحف ومواقع أجنبية. الإعلام العربي ينقصه الموارد فلا يمتلك شبكة مراسلين كبيرة، فضلا عن أن القنوات العربية مرتبطة ضمنيا بحكوماتها أي هي محسوبة عليها فلا يمكن ان تغطي الوضع السوداني بسبب الخلافات السياسية”.

يشار الى ان ضعف التغطية الإعلامية للأحداث الأفريقية مقارنة بأحداث أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط هو قضية معقدة نابعة من عدة عوامل تتعلق بالسياسة والاقتصاد والتاريخ والثقافة. يمكن تناول الأسباب من عدة جوانب،

اذ ان عديد وسائل الإعلام العالمية تركز على المناطق التي لها أهمية استراتيجية واقتصادية مباشرة. أوروبا وأمريكا تعدان مركزا اقتصاديا وسياسيا عالميا، مما يجعل أحداثهما تحظى بتغطية واسعة.

 

 

كما ان الشرق الأوسط، على سبيل المثال، يحظى باهتمام كبير بسبب الصراعات الجيوسياسية والأهمية النفطية، وهو ما يجعله محور اهتمام دولي مستمر؛ وان معظم وسائل الإعلام الكبرى تتركز في الغرب، مما يعني أن الأحداث في أوروبا وأمريكا تحظى بتغطية أفضل بسبب قرب المصادر الإعلامية.

كما ان تغطية الأحداث في أفريقيا قد تكون مكلفة وصعبة بسبب التحديات اللوجستية ونقص البنية التحتية الإعلامية، فضلا عن ان العلاقات التاريخية والاستعمارية تلعب دورًا في تشكيل أولويات التغطية الإعلامية؛ اذ دولا مثل فرنسا وبريطانيا لديها ارتباطات تاريخية طويلة الأمد بأفريقيا، ولكن هذا لا يترجم دائمًا إلى تغطية إعلامية متوازنة.

كما ان الإعلام الغربي قد يكون موروثًا على الانحياز نحو تغطية أحداث تخص مناطق النفوذ التقليدية والاستعمارية، وان الإعلام الغربي غالبًا ما يركز على الجوانب السلبية في تغطية أفريقيا، مثل النزاعات والمجاعات والأزمات، مما يؤدي إلى تجاهل الجوانب الإيجابية والتنموية.

وبعض الأحداث في أفريقيا لا تحصل على التغطية المطلوبة؛ لأنها لا تتماشى مع الأجندات الإعلامية السائدة أو لأن الجمهور المستهدف قد لا يعدها مهمة.

وفضلا عن ذلك فان بعض المناطق في أفريقيا قد تكون صعبة الوصول بالنسبة للصحفيين بسبب الصراعات أو البنية التحتية الضعيفة، وفي بعض الأحيان، تكون المعلومات المتاحة حول الأحداث في أفريقيا محدودة أو غير موثوقة، مما يجعل التغطية الإعلامية أكثر تحديًا.

ان وسائل الإعلام تعتمد على اهتمامات الجمهور، وفي بعض الأحيان يكون هناك اعتقاد بأن الجمهور الغربي ليس مهتمًا بما يحدث في أفريقيا بالقدر نفسه الذي يهتم فيه بأحداث أوروبا وأمريكا.

في النهاية، معالجة هذا التفاوت في التغطية يتطلب جهودًا مشتركة من وسائل الإعلام لتحسين التوازن في التغطية، وتطوير شبكات مراسلين محليين، وتعزيز الوعي بأهمية الأحداث الأفريقية عالميًا.

وعلى سبيل المثال فان الاحداث الافريقية متكاثرة، فيما لا يجري تناولها بالشكل المطلوب بحسب المراقبين؛ وتكون أكثر الأزمات حدة في أفريقيا هي المتعلقة بتراجع مؤشرات الأمن الغذائي كنتيجة رئيسة لظواهر تغير المناخ واستمرار النزاعات المسلحة، وكذلك تصاعد ظاهرة الإرهاب؛ وقد يشكل ارتفاع مؤشر الديون في الدول الأفريقية جنوبي الصحراء مؤشراً رئيساً آخر إلى تنامي حدة ظاهرتي الفقر والفقر المدقع.

وربما يكون تحدي الفقر وتراجع قدرات دول جنوب القارة الأفريقية من بين دوافع الاستراتيجية الدولية تجاه دول جنوب القارة الأفريقية، ولا يقوم الاعلام بدوره المطلوب في عرض حدة المشكلات الأفريقية تمهيدا لتخفيفها، بخاصة أن الحرب الروسية- الأوكرانية لا زالت مستمرة والتوقعات في شأن انتهائها تظهر ضئيلة بعدما اتضح أنها حال من حالات استمرار للصراع الغربي الشرقي المحتدم منذ ما يزيد على قرن من عمر البشرية، فيجري التركيز عليها وعلى اوضاع الشرق الاوسط لاسيما احداث غزة وعلى الانتخابات الاوروبية والاميركية وغيرها من الاحداث، اما افريقيا فلا يفرد لها الاعلام العالمي مساحة كافية لذلك.

قد يعجبك ايضا