الشرق الأوسط بين صدى ارتجاج الصواريخ وخارطة نتنياهو الجديدة : قراءة استراتيجية في زمن هرمجدون

الصحفي حيدر فليح الشمري

في زحام الدخان وتراشق التصريحات ، تتكشف ملامح معركة إقليمية كبرى يراد لها أن تُرسم بدمٍ ونار في قلب الشرق الأوسط ، المشهد لا يبدو معزولًا ، بل يترابط بخيوط دقيقة تمتد من بكين إلى طهران ، ومن تل أبيب إلى الخليج ، مرورًا بحاملات الطائرات الأمريكية التي غيرت مسارها من بحر الصين الجنوبي إلى بوابة العاصفة .
المحلل الصيني دينغ يونغ ، الذي نادراً ما تصدر تصريحاته باللغة الإنجليزية ، وجّه رسالة غير مباشرة إلى إيران محذرًا من مغبة رفضها للجلوس إلى طاولة المفاوضات ، معتبرًا أن أي ضربة نووية إسرائيلية ضد منشآتها قد تُطلق إشعاعاً عابراً للحدود ، سيكون ضحيته الأولى ليس طهران وحدها ، بل الخليج بأكمله ، هذا التحذير يحمل دلالتين :
الأولى أن الصين ، رغم تحالفها الضمني مع إيران ، لا ترغب في انفلات الوضع ؛ والثانية أن تداعيات الضربة ليست عسكرية فحسب ، بل بيئية واستراتيجية وجودية .
في المقابل ، يصر بنيامين نتنياهو على أن خارطة الشرق الأوسط ستتغير جذرياً ، في إشارة تحمل في طياتها نَفَسًا توراتيًا متطرفًا يرتبط مباشرة بنبوءات معركة ” هرمجدون ” الشهيرة ، وهي الحرب التي يرى فيها الإنجيليون المتصهينون بداية النهاية وبزوغ ” المخلّص ” اليهودي ، وفي هذا السياق ، لا يمكن تجاهل الفيلم القصير ” أنا الماعز ” ، الذي بثته جهات مجهولة قبل سنوات ، والذي أثار جدلاً واسعاً لما فيه من رمزية صادمة : انهيار أنظمة ، قباب ذهبية تهوي ، وصندوق ذهبي يخرج من الأرض فيه كتابة عبرية ، مشهد الصندوق تحديدًا عاد للواجهة بعد تواتر تقارير عن عمليات تنقيب سرية في القدس المحتلة ، تبحث عن ” تابوت العهد ” المزعوم .
وفي خضم هذا التصعيد ، أعلنت إيران أنها قد تطلق ” صواريخ ارتجاجية ” هذه الليلة ، وهو مصطلح عسكري غامض ، لكنه يحمل بين طياته رسالة نفسية شديدة التأثير : لن تكون الضربة اعتيادية ، بل تهز الأرض تحت أقدام الخصم .
أما الخليج فيقف على صفيح ساخن ؛ فدوله تدرك أن أول سحابة إشعاعية ، أو حتى فوضى عسكرية شاملة ، قد تدمر استقراره الهش ، هذه الدول التي دفعت المليارات في صفقات ” حماية ” منذ عهد ترامب ، قد تجد نفسها الآن أمام استحقاق تاريخي : هل تستمر في الصمت السياسي ، أم تتحول إلى لاعب يملك قراره بيده .!؟
أم أن المليارات التي دفعتها لا تحمي بلدانها من الدمار .؟
لا يمكن فصل تحركات حاملة الطائرات الأمريكية عن الصورة الكبرى ؛ إذ بات واضحًا أن البنتاغون يستعد لتوازن ردعي لا يُستثنى فيه خيار المواجهة المفتوحة ، لكنها أيضًا رسالة ضغط ، موجّهة لكل الأطراف : من بكين التي تراقب ، إلى موسكو التي تتحرّك من بعيد ، الى تصريح ترامب الأخير بطلبه افراغ طهران في الحال .
إننا لا نعيش مجرد أزمة إقليمية ، بل نعيش على شفير إعادة تشكيل الشرق الأوسط ضمن مسرحية كبرى ، كُتب نصها في دهاليز العقائد التوراتية وخطط القوى الكبرى ، وما يُراد اليوم ، ليس فقط تطويع إيران أو تحجيم المقاومة ، بل إحراق الأرض لينهض منها ” الهيكل الثالث ” كما يتوهمون .
فهل نحن أمام هرمجدون المنتظرة .!؟
أم أمام مناورة كبرى تكشف عن لعبة دولية تتجاوز حدود الشرق .؟
الأيام القادمة وحدها ستحمل الجواب ، لكن صوت الصواريخ الارتجاجية سيكون أول فصوله .
نصر من الله وفتح قريب .

قد يعجبك ايضا