عبدالكريم إبراهيم
تُعدّ مرحلة الطفولة من أهم مراحل بناء شخصية الإنسان، حيث تُؤسَّس خلالها ملامح الفرد الأولى وتتكوّن توجهاته. وتمثل الأسرة، بوصفها البيئة الأولى التي يحتك بها الطفل، عاملاً حاسمًا في هذا التكوين، سواءً بالإيجاب أو السلب. فالأساليب التي تعتمدها الأسرة في التنشئة تلعب دورًا جوهريًا في رسم ملامح شخصيته المستقبلية، إذ يتلقى الطفل عبرها معارفه الأولية وقيمه المجتمعية .
لكن السؤال المهم هنا: كيف نضمن أن تكون العلاقة بين الطفل وأسرته، بوصفها الحاضنة الأولى له، متناغمة مع مبادئ حقوق الإنسان، وخالية من مظاهر العنف التي قد تُمارَس أحيانًا تحت مبرر التربية؟
إن التوازن بين احترام حقوق الطفل والالتزام بتربية قائمة على الثوابت الأخلاقية، هو ما دعت إليه الديانات السماوية كافة، وعلى رأسها الإسلام. فهذه التعاليم تُشكّل أساسًا متينًا يمكن أن تنطلق منه النظم التربوية الحديثة التي تنادي بإيجاد علاقة متوازنة بين الحزم واللين. فكلا الأسلوبين يمكن أن يكون فاعلًا وناجحًا إذا استُخدم في سياقه الصحيح .
الطفولة، بطبيعتها، عالم من البراءة والتجربة، وتظهر فيها سلوكيات متباينة بين الإيجابي والسلبي. ومن هنا تأتي أهمية التعرف على هذه السلوكيات، وتعزيز الجوانب الإيجابية منها، والعمل على تعديل السلوكيات السلبية بشكل تدريجي عبر التوجيه والممارسة السليمة. فبناء شخصية الطفل لا يتحقق من خلال التجارب السريعة، بل عبر تراكم الخبرات التي يكتسبها من محيطه بمرور الوقت .
ولكي تأخذ التربية مسارها الصحيح، لا بد من وضع أولويات واضحة ومحددة في التعامل مع عالم الطفولة، تسهم في بناء شخصية متوازنة وواعية. ومن أبرز هذه الأولويات: التهذيب في المعاملة، وضمان حق الطفل في التعليم، وتوفير بيئة آمنة ومستقرة. فهذه العوامل تساهم في تنمية شخصية الطفل، وتخفف من حِدّة التوتر الداخلي، وتبث فيه روح الطموح والنجاح .
وفي نهاية المطاف، يبقى الجو الأسري هو المحور الأساسي في هذا البناء، فهو القادر على توفير المناخ الملائم لنمو الطفل بشكل سليم، وعلى خلق انسجام يُعزز استقرار الأسرة بأكملها