د. دژوار سندی
اكاديمي ومتخصص في القانون
شهدت الساحة الإقليمية تصعيدًا غير مسبوق مع اندلاع عمليات عسكرية مباشرة بين إيران وإسرائيل في الثالث عشر والرابع عشر من حزيران 2025، حيث شنت إسرائيل غارات جوية مكثفة على منشآت إيرانية حساسة، وقُتِل أبرز قياداتها العسكرية وعلمائها النوويين، فيما ردت طهران بهجمات صاروخية ومسيّرات استهدفت العمق الإسرائيلي. هذه التطورات تفرض تحولات جيوسياسية عميقة، قد تمتد تداعياتها إلى دول الجوار، بما فيها العراق وإقليم كردستان، الذي يبقى رهين موقعه الجيوستراتيجي الحساس بين الأطراف المتصارعة.
يواجه الإقليم، الذي يتمتع بوضعية خاصة ضمن النظام الاتحادي العراقي، تحديات استراتيجية معقدة في ظل هذا الصراع. فموقعه الجغرافي وعلاقاته الدولية، خاصة مع الغرب والولايات المتحدة، يُخضعه لضغوط متعددة، خاصة من إيران التي تُبدي حساسية تجاه أي تعاون كردي–غربي ، وكذلك من بغداد التي ترصد بدقة سياسات الإقليم الخارجية. وقد تجلّى ذلك سابقًا باتهامات إيرانية متكررة بأن الإقليم يُستخدم قاعدةً لنشاطات استخباراتية معادية، ما دفع طهران إلى قصف مواقع في أربيل قبل أشهر تحت ذريعة “حماية الأمن القومي الإيراني”.
في هذا السياق، تبرز أمام إقليم كردستان خيارات محدودة لكنها حاسمة:
1. الحياد النشط والدبلوماسية الوقائية: يجب أن يُدعم هذا الحياد بحوار مكثف مع الأطراف الإقليمية والدولية لضمان عدم استهداف الإقليم، مع تبني سياسة خارجية واضحة تُعلن عدم انحياز كردستان إلى أي طرف في الصراع.
2. تعزيز الأمن الداخلي والتنسيق مع بغداد: من الضروري تعزيز القدرات الدفاعية للحدّ من المخاطر المحتملة، سواء كانت ضربات عرضية أو متعمدة، كما أن تعزيز التنسيق الأمني والسياسي مع الحكومة الاتحادية في بغداد يصبح إجراءً حتميًا لحماية سيادة العراق واستقرار الإقليم، ويُجنّبه الاتهامات الخارجية.
3. الإدارة الإعلامية والسياسية للأزمة: يجب تفعيل آليات الرقابة على الخطاب الإعلامي والسياسي لتجنب أي تأويلات مغلوطة أو استغلال من قبل الأطراف المتنازعة، مع توحيد الموقف الكردي داخليًا لضمان صوت سياسي متجانس.
4. التحوّل إلى عنصر استقرار إقليمي: يمكن لكردستان أن تستثمر أزمتها لتعزيز دورها كفاعل مستقر، عبر مبادرات تهدئة أو وساطة محايدة، مع الحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف.
ختامًا، رغم أن المواجهة الإيرانية–الإسرائيلية قد لا تكون طويلة الأجل، إلا أن تداعياتها ستُعيد تشكيل التحالفات الإقليمية. وإذا فشل الإقليم في إدارة هذه المرحلة بحكمة، فقد يُجرّ إلى صراع بعيد عن مصالحه. أما إذا نجح في توظيف أدواته الدبلوماسية والأمنية بفاعلية، فسيعزز مكانته ككيان مستقر، قادر على التأقلم مع ديناميكيات المنطقة المتغيرة.