نهاد الحديثي
حدّد “الإطار التنسيقي” أربعة مصادر لتسرّب “المال السياسي” إلى الانتخابات البرلمانية المفترض إجراؤها قبل نهاية العام الحالي. وأغلب تلك المصادر تأتي من جهات في السلطة وأخرى من خارج البلاد، وتُستخدم لضخ المال المباشر أو استغلال إمكانيات الدولة. وفي اجتماع “الإطار التنسيقي” الأخير، حذّر التحالف الشيعي، رسميًا هذه المرة، من استخدام المال السياسي في الانتخابات. قبل ذلك كانت أطراف في “الإطار” تلمّح في تصريحات إعلامية إلى “بيع وشراء” المرشحين والناخبين.
وقال “الإطار” في بيانه إنه حذّر من “استخدام المال السياسي في التأثير على الرأي العام”. تقول المصادر إن “المحافظين متهمون باستخدام المال العام للترويج للانتخابات، وكذلك رؤساء الهيئات مثل رئيس هيئة الحشد الشعبي.
يشكل المال السياسي العلامة الفارقة في كل انتخابات تقام في العراق، رغم تحذيرات المختصين من عدم استطاعة القوى الناشئة مجاراة ما تمتلكه الكتل السياسية المشكلة لنظام ما بعد 2003 — وفي موسم الانتخابات تصرف مبالغ طائلة من المرشحين تصل إلى مئات آلاف الدولارات لتقديم الخدمات إلى المواطنين لغرض كسبهم حتى وصلت في بعض الأحيان إلى شراء الأصوات في مقابل مبالغ معينة توزع على أفراد العائلة الواحدة، في حين تكثر زيارات المرشحين إلى المناطق ميدانياً للاستماع إلى آراء الناس وتقديم الخدمات. المال السياسي أثر في نتائج الانتخابات في الدورات الماضية، خاصة وأن هناك من يستغل المناطق الفقيرة والبسطاء في كسب أصواتهم خلال مواسم الانتخابات”، مشيرًا إلى أن “تأثير المال السياسي أقوى من البرامج، وبالتالي لابد من اتخاذ سلسلة إجراءات قانونية تحد من خطورة المال السياسي في كسب الأصوات, وكانت مصادر مطلعة، كشفت، عن توجه سياسي نحو القبائل والعشائر لضمان العملية الانتخابية المقبلة في ظل الصراعات والانقسامات بين الكتل، مبينة أن “هناك توجه لتوظيف المال السياسي، والسلطة بشكل خاص لكسب هذه الفئة”، متوقعة أن تكون الأجواء الانتخابية مشحونة بالخلافات السياسية، وكذلك حتى الطائفية، التي يسعى البعض إلى استخدامها وسيلةً للدعاية الانتخابية وكسب عاطفة بعض الجمهور.
ظاهرة فساد المال السياسي تهدد مجددا بنسف شرعية هذه العملية وتحويلها إلى مجرد تجديد شكلي” لنفس القوى التقليدية التي تسيطر على مفاصل الدولة منذ سنوات,, وشهد العراق في الدورات الانتخابية السابقة العديد من الممارسات التي تشير إلى تغلغل المال الفاسد في العملية السياسية. وتتمثل أبرز مظاهره في شراء الأصوات، خصوصا في المناطق الفقيرة التي تعاني من نقص في الخدمات، حيث يستغل بعض المرشحين حاجة الناس لتقديم رشى نقدية أو سلال غذائية. وتمويل حملات إعلامية ضخمة من مصادر غير معلومة، غالبا مرتبطة بأحزاب أو فصائل مسلحة ذات نفوذ وإنفاق مبالغ خيالية على الإعلانات والدعاية الانتخابية دون أيّ رقابة أو محاسبة. واستغلال مؤسسات الدولة في الترويج للمرشحين المدعومين من أحزاب حاكمة
وتخشى أطراف في “الإطار” ضياع “حكم الشيعة”، بحسب تعبيرهم، لصالح القوى السنية، خصوصًا مع تراجع الدور الإيراني في المنطقة,, وتزيد هذه المخاوف من وجود جهات خارجية تريد شراء النواب بمبلغ مليون دولار، بحسب نوري المالكي، زعيم دولة القانون. وأشار المالكي إلى أن الانتخابات المقبلة “انتخابات محكومة بالأموال، والتنافس فيها سيكون ماليًا.
وكانت المفوضية قد أعلنت عن تعليمات الحد الأعلى للإنفاق على الحملات الانتخابية.
وقالت في بيان، إن الحد الأعلى للإنفاق الانتخابي للمرشح “هو مبلغ 250 دينارًا مضروبًا بعدد الناخبين في الدائرة الانتخابية التي يرشح عنها”. وقدّر في انتخابات التشريعية الأخيرة (2021)، معدل إنفاق المرشح الواحد على الدعاية الانتخابية بنحو 8 ملايين دينار على الأقل. وشارك في تلك الانتخابات أكثر من 3 آلاف مرشح، فيما التحذيرات ليست بخصوص الأموال المُعلنة، وإنما المخفية
يجمع مراقبون ان السيطرة على المال السياسي في الانتخابات أمر صعب للغاية في العراق , واشاروا ان منع المال السياسي في الانتخابات عبر تغيير قانون الانتخابات غير عملي , ويرون ان المسؤول الفاسد يستطيع استغلال منصبه والمال العام منذ أول يوم يشغل فيه الموقع، ولا يحتاج أن ينتظر إلى ما قبل الانتخابات, وترى عالية نصيف، النائبة المقربة من السوداني، أن “أموالاً طائلة” تُنفق لـ”تسقيط السوداني , وقالت نصيف على منصة “إكس”: “الذين ينفقون مبالغ طائلة على الحملة الإعلامية الكبرى لتسقيط السوداني هم أنفسهم الذين جعلوا العراق غارقاً في البؤس والفقر والفساد والبطالة وانعدام الخدمات طوال العشرين سنة الماضية , وأضافت: “وكأنهم حاقدون على هذا الشعب، إلى درجة أنهم يغضبون لو تم تبليط شارع! هؤلاء أجمل منظر عندهم هو أسلاك المولدات المربوطة على الأعمدة بشكل قبيح، ويشعرون بالسعادة عندما يبقى العراق متخلفاً عن التطور.
هذه الممارسات أدت في السنوات الماضية إلى إفراز برلمان ضعيف الإرادة الشعبية، يخضع لتوازنات المال والنفوذ أكثر ممّا يعكس صوت الناخبين، فلقد أظهر الشارع العراقي، خصوصا منذ احتجاجات تشرين 2019، سخطا واسعا تجاه العملية الانتخابية وآلياتها المشوّهة. فالكثير من العراقيين باتوا يرون أن الانتخابات لا تُحدث تغييرا حقيقيا، بل يتم التلاعب بها عبر المال والولاءات السياسية، ما أدى إلى عزوف جماهيري متزايد عن التصويت، واتهامات متكررة للمفوضية العليا للانتخابات بعدم الشفافية، وضعف تمثيل القوى الجديدة والمستقلة بسبب قلة الموارد وصعوبة المنافسة أمام الأحزاب الغنية.
وتحدث القيادي في الحزب الديمقراطي الكوردستاني هوشيار زيباري، عن ما وصفه بـ”حجز وشراء” بطاقات الناخبين، فيما دعا القضاء العراقي ومفوضية الانتخابات إلى اتخاذ موقف حازم، لـ”منع شراء الذمم, وقال زيباري في تدوينة إن “عمليات بعض الأحزاب والقوائم والفصائل في حجز وشراء بطاقات الناخبين مسبقاً؛ للتصويت لها، بدفع نصف المبلغ والنصف الآخر بعد التصويت في الانتخابات القادمة، هي إهانة للعملية الديمقراطية”.وأضاف، “على القضاء والأجهزة الرقابية، والمفوضية العليا، اتخاذ موقف حازم وصارم لمنع شراء الذمم بالمال ,, ويرى الأكاديمي يحيى الكبيسي أن «المال السياسي في العراق جزء من بنية الفساد التي تحكم النظام السياسي العراقي». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الإنفاق الضخم مصدره المال العام الذي يتحصل عليه السياسيون من خلال تمثيلهم في السلطة التنفيذية كوزراء أو وكلاء وزارات أو رؤساء هيئات أو مديرين، أو من خلال الأموال التي يحصلون عليها كوسطاء بين مقاولين ورجال أعمال والسلطة التنفيذية، فضلاً عن هيمنتهم على المحافظات وتخصيصاتها المالية , وتابع الكبيسي: «نتحدث عن مئات المليارات من الدولارات يحصل عليها الفاعل السياسي كل سنة، وهذا المال يُعاد تدوير قسم منه خلال الانتخابات كنوع من الاستثمار لضمان تمثيل أكبر في السلطة التشريعية.
المجتمع الدولي، خاصة بعثات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، يراقب الانتخابات العراقية بدقة. وقد أصدرت بعثات المراقبة في دورات سابقة تقارير تشير إلى وجود مخالفات تتعلق باستخدام المال السياسي وتأثير الفصائل المسلحة على إرادة الناخبين، وهذا ما يضع العراق أمام اختبار كبير لصورته أمام العالم، فاستمرار فساد المال السياسي يقوّض مصداقية العملية الديمقراطية ويؤثّر على علاقاته الخارجية، بما في ذلك ثقة المستثمرين الدوليين في استقرار البلد، واستمرار الدعم الدولي المشروط بالإصلاحات، بالإضافة إلى عامل دبلوماسي أكثر تحفظا مع حكومة يُنظر إليها على أنها نتاج لعملية انتخابية فاسدة
بالرغم من التحديات، ما زالت الانتخابات القادمة تمثل فرصة لإصلاح حقيقي، إذا ما تم اتخاذ إجراءات جدية تشمل: تشديد الرقابة على تمويل الحملات الانتخابية، وإلزام جميع المرشحين بالكشف عن مصادر تمويلهم. ومحاسبة قانونية واضحة لكل من يثبت تورطه في شراء الأصوات.