يوسف حسن محمود – محلل سياسي
تُعد أزمة رواتب موظفي إقليم كردستان واحدة من أبرز القضايا السياسية والاقتصادية في العراق بعد 2003. فالعلاقة بين أربيل وبغداد يشوبها الكثير من التوتر، لا سيما فيما يتعلق بتقاسم الموارد المالية، وعلى رأسها النفط.
جذور الأزمة
منذ عام 2014، بدأت الحكومة الاتحادية في بغداد بتقليص أو إيقاف إرسال رواتب موظفي الإقليم، بعد أن قررت حكومة كردستان تصدير النفط بشكل مستقل عبر تركيا. هذا التصرف اعتبرته بغداد تجاوزًا على الدستور، الذي ينص في مادته (111) على أن النفط والغاز ملك لجميع العراقيين.
في المقابل، ترى حكومة الإقليم أن لها الحق في إدارة مواردها، خاصة مع غياب قانون اتحادي ينظم إدارة النفط والغاز. وهذا الغياب ساهم في تفاقم الخلاف، وزاد من معاناة المواطنين الذين يعتمدون بشكل كبير على الرواتب كمصدر دخل رئيسي.
البُعد السياسي والاقتصادي
القضية لا تتعلق بالمال فقط، بل هناك أبعاد سياسية واضحة. فبغداد تستعمل ورقة الرواتب كوسيلة ضغط على الإقليم للامتثال لقرارات الحكومة الاتحادية، بينما تحاول أربيل الحفاظ على قدر من الاستقلال المالي والسياسي، ما يؤدي إلى حالة من الشد والجذب المستمرة.
إضافة إلى ذلك، فإن الانقسام الداخلي في الإقليم بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني يُضعف الموقف الكردي أمام بغداد، ويجعل من الصعب الوصول إلى اتفاق مستقر.
مستقبل العلاقة… إلى أين؟
إذا استمرت هذه الأزمة دون حلول حقيقية، فإن آثارها لن تقتصر على الجانب المالي فقط، بل قد تؤدي إلى تآكل الثقة بين المواطنين والحكومتين، وربما تخلق بيئة من عدم الاستقرار.
ما الحل؟
الحل يكمن في:
•تشريع قانون النفط والغاز الاتحادي الذي ينظم العلاقة بين المركز والإقليم بشكل عادل.
•تشكيل صندوق مالي مشترك لإدارة صادرات النفط تحت إشراف بغداد وأربيل.
•تعزيز الشفافية في الإيرادات والنفقات.
•توحيد الخطاب السياسي الكردي في التفاوض مع الحكومة الاتحادية.
في النهاية، لا يمكن بناء عراق مستقر ما دامت الخلافات المالية تُدار بعقلية الصراع لا بعقلية الشراكة. فالحوار الجاد والمبني على المصلحة الوطنية هو الطريق الوحيد لتجاوز هذه الأزمة.