إعداد د. يوسف السلوم
شهدت وسائل التواصل الاجتماعي خلال العقد الأخير تطورًا مذهلًا ومتسارعاً في استخدامها وانتشارها، حتى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وعلى الرغم مما حققته من فوائد في مجالات التواصل الاجتماعي وتقريب المسافات، والتعلم، وتبادل الخبرات، إلا أن الوجه الآخر لهذا التقدم التكنولوجي يكشف عن مشكلات خطيرة ناتجة عن سوء استخدامها.
حيث تحولت بعض المنصات الرقمية إلى ساحات للفوضى اللفظية، وخطاب الكراهية، ونشر الشائعات والاخبار الكاذبة، ونشر الفيديوهات الغير لائقة دون رقابة أو وعي بمسؤولية الكلمة والنشر، فقد ساهمت الحسابات المجهولة والوهمية والمحتوى غير الموثوق(المحتوى الهابط) في تعزيز التضليل وهدم القيم المجتمعية والاخلال بالآداب والاخلاق العام وبالتالي الاخلال بالنظام العام، وهو ما ظهر جليًا خلال أزمات سياسية وصحية واجتماعية، حيث لعبت الإشاعات دورًا كبيرًا في تأجيج الخوف والانقسام بين الناس، كما ساهمت بعض الفيديوهات الى هدم القيم والاخلاق المجتمعية.
و من أكثر مظاهر سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي انتشار الصور والمقاطع الخاصة دون إذن، أو التشهير بأشخاص لأهداف شخصية أو سياسية، مما أدى إلى تدمير سمعة البعض وتعرضهم للابتزاز أو التنمر الإلكتروني وغيرها من المظاهر.
كما وقد أظهرت بعض الدراسات الحديثة أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل يؤدي إلى اضطرابات نفسية لدى فئة الشباب، مثل القلق والاكتئاب والعزلة الاجتماعية، ولم يعد الإدمان على هذه المنصات مقتصرًا على الترفيه، بل أصبح نمط حياة يهدد الصحة النفسية والفكرية للأجيال الناشئة.
وعلى هذا فإن الحد من هذه الظواهر السلبية في سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لا يتطلب فقط تطوير أدوات الرقابة الإلكترونية، بل يستوجب أيضًا تعزيز التوعية المجتمعية في بيان مخاطر سوء الاستخدام، وتدريب الأفراد وخاصة المراهقين على الاستخدام الآمن والواعي لهذه المنصات الرقمية، كما أن دور الحكومات لا يقل أهمية في وضع تشريعات صارمة تحاسب من يستخدم هذه المنصات لأغراض خبيثة أو خارج إطار القانون، وذلك من خلال الاسراع في تشريع مسودة قانون (مكافحة الجرائم الالكترونية) لعام 2019 الذي لم يتم التصويت عليه من قبل البرلمان.
و أخيراً فإن وسائل التواصل الاجتماعي هي أداة قوية، يمكن أن تكون في خدمة التنمية والمعرفة، أو تتحول إلى سلاح يهدم القيم ويهدد السلم الاجتماعي و الفيصل في ذلك هو وعي المستخدم، ووجود بيئة قانونية وأخلاقية تحكم هذا الفضاء الرقمي الرحب.