حيدر سالار
نتألم بصمت، لا لأن الألم خفيف، بل لأن الكلمات عاجزة عن حمل ثِقله، ولأن اللغة حين تحاول وصفه، تخونه. نحن أولئك الذين يسكنهم الوجع كما تسكن النار قلب الرماد. نتنفس الحريق كل يوم، ونُخفي الدخان خلف ابتساماتٍ لا تشبه الفرح، بل تشبه الوداع. نتألم بصمت، لأن البوح في هذا العالم أشبه بمن يرمي قلبه في قاع بئرٍ جاف؛ لا صدى يعود، ولا ماء يُروى، فاخترنا الصمت، لا هروبًا، بل لأننا أدركنا أن بعض الجراح إن نُطقت، ماتت كرامتنا. في داخلنا مدنٌ مهدّمة، قصائد ذُبحت على أبواب الانتظار، وأحلامٌ دُفنت وهي حية، تُقاوم التراب بأطرافها المرتعشة. نحن الذين لا يسمع بكاءنا أحد، لأننا لا نبكي بأعيننا، بل بأعمارنا. نُهدر الأيام ونحن نُرمّم أنفسنا بصمت، نبتلع خيباتنا، كما يبتلع الليل أسرار العاشقين. أليس الصمت شكلًا من أشكال الشجاعة؟ أم أنه المقبرة التي نواري فيها آمالنا خوفًا من خذلانٍ جديد؟ نحن لا نحتاج شفقة، نحن فقط نريد لحظة حقيقية، نريد أن يحتضننا أحدهم دون أن نسأله، أن يقول لنا: “أنا أشعر بك” دون أن نُضطر لشرح تاريخ الوجع كاملاً لكننا نعلم… لن يأتي أحد. ولذا، نتألم… بصمتٍ نقيّ، يليق بأرواحٍ أنهكتها الحياة ولم تنكسر.