فيزت كوردستان – Veset Kurdistan ثورة السياحة والآثار تبدأ بثقل سياسي واستراتيجي

صبحي المندلاوي

“فزت كوردستان” بالعربية تعني أن كوردستان ربحت الجولة وربما الحرب، أما في الإنجليزية Veset Kurdistan فهي دعوة: “تعال إلى كوردستان”. هذه الازدواجية ليست مصادفة بل مقصودة، وتحمل ذكاءً في التسويق وفي بناء صورة ذهنية إيجابية.

نحن لا نقف فقط أمام جملة لغوية تتمايز بين العربية والإنجليزية، بل أمام مشروع يحمل في اسمه وعدًا وهوية. وعد بالنهوض، وهوية تمتد من عمق التاريخ إلى آفاق السياحة الحديثة. إنها عنوان المؤسسة التي أعلنت عنها حكومة إقليم كوردستان بالتعاون مع شركاء من القطاع الخاص، في خطوة تأخرت كثيرًا لكنها جاءت لتؤسس لثورة جديدة طالما حلمنا بها: ثورة السياحة والآثار.

افتتاح المشروع من قبل رئيس الحكومة السيد مسرور بارزاني لم يكن مجرد واجب بروتوكولي، بل رسالة سياسية واقتصادية واضحة المعالم. في المشهد الكوردستاني، عندما يتصدر رئيس الحكومة مشروعًا، فهو يضعه ضمن أولويات المرحلة ويوجّه الإدارة والرأي العام نحوه كخيار استراتيجي. هذا الظهور في لحظة إطلاق المشروع يعني ببساطة أن السياحة والآثار لم تعد ترفًا، بل أصبحت سياسة دولة.

مسرور بارزاني، الذي أكد مرارًا على ضرورة تنويع مصادر الدخل والابتعاد عن التبعية النفطية، يدرك تمامًا أن الاستثمار في السياحة هو استثمار طويل الأمد في الهوية والاقتصاد والانفتاح.

لطالما كانت كوردستان تُعرَف بثورتين: ثورة أيلول وگولان التحررية. واليوم، إذا كنا نبحث عن ثورة ثالثة سلمية ومدنية واستراتيجية، فهي بلا شك ثورة السياحة والآثار. لم نكن نبالغ حين دعونا إلى ذلك في مقال صحفي نُشر قبل أكثر من عام، لأن كوردستان لا تقل عن أي منطقة في الشرق الأوسط من حيث الموارد السياحية، بل تتفوق عليها في جوانب طبيعية وتاريخية وروحية.

جبال شامخة، ووديان خضراء، ومصايف تنبض بالحياة، وآثار تتحدث بلغات الحضارات القديمة. كل هذا كان نائمًا تحت غبار الإهمال حتى جاءت هذه المبادرة لتوقظ الإمكانيات وتدق أبواب العالم.

‏Veset Kurdistan.. اسم ذكي ودلالة مزدوجة.

السياحة ليست فقط زائرًا يأتي وينفق، بل هي لغة تعارف، وبوابة استثمار، وعامل استقرار اقتصادي واجتماعي.

ما يُحسب لهذه المبادرة هو شراكتها مع القطاع الخاص، وهو ما افتقدته أغلب مشاريع التنمية في كوردستان سابقًا. أما اليوم، فإن فتح الأبواب أمام رجال الأعمال والشركات المحلية والدولية يمكن أن يُحدث نقلة نوعية، شريطة أن تُدار العملية بحوكمة ومهنية. وحين يأتي الغطاء السياسي من أعلى سلطة تنفيذية، كما حصل مع تدشين المشروع من قبل مسرور بارزاني، تصبح البيئة آمنة ومحفزة وجاذبة للمستثمرين.

حين نقول “ثورة”، فنحن لا نقصد مهرجانات موسمية فحسب، بل رؤية شاملة تبدأ من الترويج والتأهيل، وتمر بالبنية التحتية والخدمات، وتنتهي بالتجربة السياحية المتكاملة. لماذا لا يكون في كل مدينة متحف عصري يروي حكاية المكان؟ ولماذا لا يتحول كل وادٍ في بهدينان أو كرميان إلى مزار متكامل بخدمات تضاهي المعايير العالمية؟

ولماذا لا يُعاد النظر في بعض المواقع السياحية التي لا تزال تفتقر إلى أبسط مقومات الجذب؟ ولنا في مصيف بيخال مثال صارخ، وقد تحول إلى ما يشبه “سوق الشورجة” بسبب كثرة المحلات العشوائية وسوء توزيع المطاعم التي تقطع حركة الزوار. والصورة لا تختلف كثيرًا عند شلال گلي علي بيك وغيره الكثير.

نعم، السياحة مقاومة. إنها مقاومة ناعمة في وجه محاولات طمس الهوية، وفي وجه تهميش كوردستان عن خريطة الشرق الأوسط كوجهة سياحية آمنة وجذابة. وهي مقاومة ذكية ضد العزلة الاقتصادية وضد التبعية الأحادية للموارد النفطية.

نثق كثيرًا بنجاح المشروع. وإذا ما حُسن التخطيط والإدارة، فإن “فزت كوردستان” لن تبقى شعارًا لمؤسسة، بل وصفًا لحالة: حالة انتصار مدني واقتصادي وثقافي. وحينها سنقول بحق إن كوردستان دخلت ثورتها الثالثة بثقة، وبقيادة تؤمن بأن التنمية ليست فقط طرقًا وأسواقًا، بل كرامة وهوية وأفق جديد لشعب لا يعرف إلا الصعود.

قد يعجبك ايضا