الاعلامي والاديب حسن العكيلي
الفضاء الازرق المتوشح ببياض الهدوء والسكينة يمنح الروح الامل والتحرر من قيود الضنك واعراض البرد القارص. فلا غيوم سوداء تضغط على الصدر. وتغير بأزيزها المزاج ولا رياح تلوي ساعد الاغصان المنهكة من ثقل الثمار الناضجة..
لكن شد ما اثار العجب في نفسي خلو السماء من الطيور وفراغ الاغصان من الزقزقات والالحان الطروبة. هل هي تغيرات المناخ التي ادت الى هجرتها لاماكن اخرى. أم السحب التي تسببت في تشتيت اسراب الطيور وانكفائها في مواطن فتحت ابوابها لاستقبال المهاجرين الجدد
لم أعد احتمل الجلوس في فنارات لاتعرف غير عد السفن الذاهبة والايبة . ما الجدوى من السهر الذي يغلف الراس بالصداع ويمنح السيقان التي انهكها الوقوف نوبة من الشلل والاقدام الكثير من العلل. فغياب الحمائم عن الاغصان المحنية الراس من ثقل العناقيد الناضجة والارض المعشوشبة بالدغل والعشب المبلل بالماء الرقراق الملتحفة بالاوراق المتساقطة بردة فعل الرياح موسم الخريف. بوابة تخبأ خلف جدرانها المزيد من الاسئلة المبهمة التي تحتاج الى اجوبة خالية من الغموض والمتاهات والمجاهيل فالليل الوحش الجالس بقربي يزرع في قلبي الرعب وفي عيني بذور الارق ويمنح اذني صفير الاسلاك الشائكة وانفي دخان البارود المتصاعد من كل مكان..
من منع الحمام امتطاء صهوة الريح وقيد ارجلها المتشوقة للحرية والعيش بأمان .. من اغلق ابواب الافق بمتاريس الحطب النارية وشوه بالحبر الاسود مسارات الدروب والغى خارطة الطرق الجوية.. من اومأ للريح العاتية ان تجبر اشرعة السفن برمي سلاح الولوج في اعماق البحر ورفع رايات الاستسلام
سيدي ياموج البحر الا تعلم ان الرياح العاتية ان غضبت تلوي ذراع النار ويصبح كالمرقاب العاطل ينظر للاشياء بعين معطوبة
سيدتي لاتكوني مع الريح وجهان لعملة واحدة فالريح منذ القدم تعاني من الفصام المزمن فمزاجها المتقلب ياخذ بالانفس الى مزيج من الهلوسة والتوهم والتفكير والسلوك غير المنظم فوضى عارمة تزرع الرعب في قلوب الفراشات المتوجهة الى شجر الياسمين والقداح الاحمر
لقد مرت سنين عديدة وقصائدي تعاني من ضنك الحال وخيبة الامل والحزن والاشتياق ورغم ارتدائها للمحسنات البديعية وتوافق لفظها وتوظيف الرمز والاسطورة بين شطري سطورها التي الت على نفسها بالصمود رغم المحنة التي عاشت لحضاتها بمرارة..
لاتكوني نافذة هدامة لما اكتب ولما ابوح ولما اتمنى عهدي بقلبك بئر يضخ الماء الزلال فلا تلبسي ثوب الريح ووجه الموجة الغاضبة وتتصيدين بالماء العكر باحثة عن اخطائي وعثراتي وثغراتي
ماذا فعلت لكي تهدري محاسني وتصبي جام غضبك على مفرداتي الممشوقة كطفلة رافدينية . ماذا فعلت لتغلقي الابواب والشبابيك بوجه حمائمي المحملة برسائل الود والمحبة وتحاولين الهروب والاختفاء بين المروج والطلاسم ذات الخطوط التي لامعنى لها.
انت من فتحتي الباب لليل الكئيب ان يغزو افقي بظلامه الرتيب واطلقت العنان للذئاب المسعورة كي تطارد الوعول المسالمة وتزرع في قلوب البلابل الرعب والصداع
ماذا تبقى من عمرنا وسراج الربيع يوشك على الانظفاء والافول وقطار الرحلة المتشنجة يعوي بصوته المبحوح ويذكر النائمين ان رحلتنا شارفت على الانتهاء.وان المدن الماهولة بالسكان والقرى المتناثرة كخرز المسبحة المبثوثة . تم تجاوزها ولم يبق من الحكايا سوى بصمات اصابع اليد المطبوعة على جسد الكراسي الخشبية والصدى الذي تلاشى تلاشي قرقعة الرعد المزمجرة بين ثنايا الافق المكتظ بالغيم الموجب والسالب
متى تأتين الي وترمي في وجه البحر جواز السفر وحافظة الصور المزدحمة بفصول الغربة والاحزان. وان تتعهدي للقمر المغلوب على امره . للسفن الراسية المتأهبة للرحيل. للبحر المتشائم ان لاتطأ قدميك فوق رمال الشاطئ ثانية وان تتحرر روحك من عشق المنافي.. والادمان على خمر الغربة..