د. سامان سوراني
أكاديمي كوردي
في الآونة الأخيرة، شهدت العلاقة بين حكومة بغداد وإقليم كردستان تطورات غير مواتية للشعب الكوردستاني، حيث فرضت حكومة بغداد سياسة الإقصاء تجاه إقليم كردستان، وأقدمت على قطع رواتب الموظفين الحكوميين في الإقليم، مما أدى إلى تفاقم معاناة الشعب الكوردستاني مرة أخری. هذه الإجراءات الجائرة لیست مجرد محاولات اقتصادية، بل هي خطوة نحو تقويض حقوق شعب كوردستان المشروعة التي كفلها الدستور العراقي.
وفي هذه الظروف الصعبة، سعی الرئيس مسعود بارزاني، كمرجع و رمز کوردستاني جاهداً لحماية حقوق الكورد والدفاع عن مصالحهم، داعياً إلى وحدة الصف الكوردستاني في مواجهة هذه السياسات التي تهدف إلى تشديد الخناق على الإقليم في ظل التحديات الداخلية والإقليمية المعقدة
دعوات الرئیس بارزاني للوحدة الكوردستانية هي جزء من رؤية إستراتيجية تُدرك المخاطر الوجودية التي تحيط بكوردستان، ومن بين تلك المخاطر، تأتي السياسات الإقصائية التي تنتهجها حکومة بغداد ضد الإقليم، لا سيما قطع رواتب الموظفين، والتدخل في شؤون الإقليم المالية والسياسية.
وفي تصریحاته الإخيرة أعتبر الرئیس بارزاني أن وحدة الموقف الكوردستاني هي الرد الأمثل على هذه السياسات و شدد على أن ما تتعرض له كردستان ليس فقط نزاعاً سياسياً أو دستوریاً، بل هو محاولة لخنق إرادة الشعب الكوردستاني ومعاقبته جماعيا، کما عاقبه النظام السابق بسبب طموحه في الحفاظ على خصوصيته کینونته.
لقد کان استفتاء الاستقلال عام ٢٠١٧ أبرز تعبير عن هذه الرؤية. رغم المعارضة الإقليمية والدولية، قرر الرئیس بارزاني المضي قدما فيه كرسالة واضحة: أن الشعب الكوردستاني لن يتراجع عن حقوقه المشروعة في تقرير المصير.
ورغم التبعات السياسية التي لحقت بالإقليم بعد الاستفتاء، ظلّ الرئیس بارزاني يعتبر أن الموقف الموحد آنذاك هو من أبرز إنجازاته السياسية، وأن ما تحقق كان تعبيراً صادقاً عن إرادة الكورد.
ووحدة الموقف الكوردستاني هي السد المنيع أمام كل محاولات التهميش، وأن مستقبل كوردستان مرهون بقدرة أبنائها على تجاوز خلافاتهم والوقوف صفاً واحداً دفاعاً عن حقوقهم.
بالتأکيد یتعامل الرئيس مسعود بارزاني مع المواثيق الدولية، تلك التي تعكس عالمية القيم و خصوصية الثقافة والعقائد الإيمانية والتطور والرقي و وحدة الضمير الإنساني، التي ترفع من شأن قبول الحوار الخارج عن الاحتفال البروتوكولي والمبني علی قضايا أساسية ومحاور حاكمة، كدستور يملأ فضاءات التعايش والحوار و العقلانية.
کل هذا يؤدي بالنتيجة الی ترسيخ قيم المواطنة الفاعلة و معالجة المتناقضات السلبية و الخلافات الدينية والمذهبية بين المكونات والكيانات المختلف في الإقليم.
الحاضر الكوردستاني المتميز بالسلام والأمن الاجتماعي والقرارات السياسية السليمة للقيادة الكوردستانية الحکيمة وفّر الأجواء المناسبة للمضي قُدماً نحو بناء الإقليم وبنيته التحتية.
أما فیما یخص العراق فإن قيادات أحزاب السلطة الشيعية في بغداد مأزومة بوعيها المذهبي والطائفي وهي غير مؤمنة أصلاﹰ بالديمقراطية وبالممارسات والسلوكيات الديمقراطية، فكيف يمکن أن ننتظر منها تصحيح مسار بناء النظام السياسي؟
لقد أصبح الطوفان مسألة وقت، ونحن لانری حلول للوضع الحالي في العراق، مادام الطبقة السياسية الشيعية الحاکـمة في بغداد تُقاتل في سبيل إدامة وجودها في السلطة وهي وللأسف لاترید أن يخرج العراق من المأزق الذي یعیشه.
إن معاقبة ما يقارب مليون وربع المليون عامل وموظف في إقلیم کوردستان، الى جانب أسرهم بشكل منهجي، لا لشيء بل لأنهم کوردستانیون، يظهر السياسة الحاقدة والممنهجة، التي تمارسها تلك الطبقة تجاه شعب كوردستان.
لذا نحن لاننتظر من هذه الطبقة السياسية الفاشلة أن تعمل علی التمرس بإستراتیجیة فکریة جدیدة من مفرداتها، الإعتراف المتبادل، لغة التسویة، عقلیة الشراکة، البعد المتعدد، ثقافة التهجین والعقلانیة المرکبة.
هؤلاء لا يعترفون بما يقع لذا نری بأن الوقائع تهمشهم، و بالتأکيد من لا يقوم بتشخيص الواقع لا يقاومه ومن لا يستخدم لغة مفهومية جديدة لا يساهم بشكل إيجابي في تغييره.
ختاماﹰ نقول، بدون ترسيخ مبدأ التعايش السلمي في العراق ، ذلك المبدأ الذي طبقه الرئیس مسعود بارزاني في الإقلیم، لن يكون هناك إستقرار سياسي أو أمني، ولن يكون هناك نهوض اقتصادي ومجتمعي، كما لا يمكن لطرف ما عدﹼ نفسه رابحاﹰ وغيره بالخاسر، بل إن جميع الأطراف ستكون خاسرة في لعبة شد القوى بين الطوائف والقوميات المتنازعة.
وعلی القوی السياسية الکوردستانية أن یعملوا بوصايا الرئیس مسعود بارزاني و يرفعوا صوت الوحدة في مواجهة سياسة الإقصاء التي تمارس من قبل حکومة بغداد.