الحصار المفروض على إقليم كردستان: جريمة قانونية وخطيئة أخلاقية

د. دژوار سندی
أكاديمي ومتخصص في القانون

أولاً: المدخل العام:
يُعدّ المساس بالحقوق الاقتصادية للمواطنين، وعلى رأسها الرواتب، انتهاكاً صارخاً للدستور والأعراف والقيم الإنسانية. وتكتسب هذه الانتهاكات بعداً أكثر خطورة حين ترتبط بقرارات سياسية تهدف إلى الضغط أو العقاب الجماعي، كما هو الحال في سياسة قطع رواتب موظفي إقليم كوردستان من قِبل الحكومة الاتحادية في بغداد.

ثانياً: الطابع القانوني والسياسي  لقطع الرواتب:
 1. انتهاك للدستور والمبادئ القانونية:

 • لا يوجد في الدستور العراقي أو أي من الأعراف القانونية والسياسية ما يبرر استخدام الرواتب كأداة ضغط.

 • الإخلال بواجب الدولة في تأمين الراتب يمثل تمرداً على التزاماتها القانونية والدستورية.

 2. الطبيعة السياسية للقرار:
 • الإجراءات المتخذة لا يمكن تفسيرها كخلل إداري أو تقني، بل تعكس قراراً سياسياً مقصوداً.

 • الهدف الأساسي يتمثل في إذلال الإقليم وتطويعه سياسياً من خلال سلاح “التجويع الاقتصادي”.

ثالثاً: البُعد الإنساني والاجتماعي للانتهاك:
 1. الإضرار المباشر بالمواطنين:
 • المتضرر الأول من هذا القرار هو المواطن الكُردي العادي: المعلّم، المدني، الطفل، والمسنّ.
 • حرمان الأسر من أبسط احتياجاتها الحياتية: الغذاء، الدواء، أجور النقل، والتعليم.

 2. المساس بالكرامة الإنسانية:
 • تحويل الراتب إلى أداة انتقام سياسي يُعدّ امتهاناً للكرامة.
 • الجوع ليس أداة ضغط مشروعة، بل هو جريمة تُمارس بغطاء مؤسسي.

رابعاً: المفارقة الأخلاقية والوطنية:
ازدواجية المعايير في التعامل مع الفساد:
 • الحكومة الاتحادية تغضّ الطرف عن الفساد المستشري في مناطق الوسط والجنوب.
 • في المقابل، تتشدّد في تطبيق إجراءات مجحفة على الإقليم الذي لم يرفع الصوت إلا طلباً للحياة والعدالة.

نكران جميل كوردستان:
 • كوردستان استقبلت ملايين النازحين واحتضنت من هرب من الطائفية والحرب دون تمييز.
 • المقاتل الكُردي ساهم في الدفاع عن بغداد حين كانت مهددة بالسقوط أمام داعش.

خامساً: تداعيات خطيرة على الوحدة الوطنية:
 1. انهيار الثقة بالوطنية المشتركة:
 • قطع الرواتب يهدد وحدة العراق أكثر مما تهدده الحركات والخطابات السياسية.
 • الشعور بالتهميش والتجويع قد يؤدي إلى القطيعة النفسية والوجدانية مع الدولة المركزية.

 2. تحوّل القضية إلى مسألة إنسانية:
 • لم تعد القضية كُردية فحسب، بل أصبحت قضية إنسانية تمسّ كل من يؤمن بالعدالة والكرامة.
 • الصمت على هذا الظلم يُعد تواطؤاً، وتبريره و مشاركة في الجريمة.

سادساً: المسؤولية الأخلاقية والنخبوية:
 1. دور المثقف والسياسي:
 • واجب المثقف أن يعبّر عن موقفه بوضوح، وواجب السياسي أن يتحمّل مسؤولياته الأخلاقية.
 • يستدعي الواجب الوطني والمهني التصدّي الفعّال لأي انتقاص من الحقوق الأساسية، إذ يُعد الصمت أو الإهمال في هذا الجانب إخلالاً بالمسؤوليات المجتمعية المشتركة.

دعوة إلى مراجعة المفاهيم الوطنية:
 • لا يمكن الحديث عن وحدة حقيقية دون مساواة في الكرامة والحقوق.
 • الأوطان لا تُبنى بالشعارات، بل على الإنصاف والعدالة الاجتماعية.

سابعاً: الختام والمقترحات:
 • إن استمرار هذا النهج السياسي في التعامل مع إقليم كوردستان لا يُهدد فقط الوضع الاقتصادي، بل يقوّض ما تبقّى من أسس العيش المشترك.؟

 • المطلوب :
 • استئناف صرف الرواتب فوراً دون قيد أو شرط.
 • مراجعة السياسات المالية مع الإقليم بما يضمن عدالة التوزيع.
 • إقرار مبدأ الشراكة الحقيقية في الموارد والقرارات.
 • وضع حد لاستخدام الاقتصاد كسلاح سياسي.

 • وأخيراً، فإن بقاء الطفل الكُردي دون حليب، والموظف دون راتب، والمريض دون دواء، هو وصمة عار في جبين الدولة، وجرح لا يلتئم في ذاكرة الكُردي ولا في ضمير الإنسان.

قد يعجبك ايضا