عسكرة الحرم الجامعي… انتهاكات تهدد التعليم في الموصل

 

علي محمد

يتعرض حرم الجامعات في العراق لانتهاكات متكررة تشمل دخول أفراد بسلاحهم وزيهم العسكري، وهذا من المشاهد المألوفة محلياً منذ عام 2003، لكن اتساعها خلال السنوات الأخيرة بات مصدر جدل أكاديمي واسع، إذ تخترق هدوء الجامعات بين وقت وآخر بنادق الكلاشينكوف أو المسدسات التي يحملها المسلحون.

ورغم أن القانون الذي يحظر تلك الظاهرة ما زال سارياً تشهد أروقة الكليات والمراكز العلمية انتشار السلاح بين يدي أفراد ينتمون لفصائل مسلحة مختلفة تدخل الجامعة تحت ذرائع متعددة، من بينها الاحتفالات والندوات، حيث تُتهم قيادة الجامعة بأنها متورطة في مجاملة أفراد الفصائل المسلحة بتوجيه دعوات إليهم لغايات شخصية مرتبطة بنفوذ هذه الجهات وسيطرتها على مجمل مفاصل الحياة في الموصل وعموم نينوى.

يقول أحد مسؤولي الأمن في حرم الجامعة العام الواقع في مدينة الموصل إنهم “لا يملكون أي قدرة على منع أفراد الفصائل من الدخول إلى الجامعة”، مضيفاً: “باتت الظاهرة واضحة، وبعضهم يدخل الجامعة، ويستعرض بسلاحه كتصرفات مراهقين أمام الطالبات، وقبل مدة، حدثت مشادة بين أحدهم وطالب في الجامعة لهذا السبب”. ويؤكد أن العام الدراسي الحالي “شهد أكبر خروقات وانتهاكات للحرم الجامعي في الموصل، حيث يرفض الأفراد المنتمين للفصائل تسليم سلاحهم وفي بعض الأحيان يتركون مخزن الرصاص عند غرفة الأمن ويدخلون بسلاحهم وكأنهم باتوا مدنيين الآن”.

ويشير أستاذ جامعي طلب عدم الكشف عن هويته إلى أن “رئيس الجامعة متورط في تمكين هذه الظاهرة، إذ إن الدعوات الموجهة إلى قادة الفصائل في الاحتفالات والندوات تكون أولوية له، وبطبيعة الحال، يحضرون مع موكب وعشرات المسلحين الذين يرافقونهم”، مضيفاً لـ”العربي الجديد” أن “تدخلات الفصائل، وخاصة جماعة عصائب أهل الحق، وبابليون وحشد الشبك، في الجامعة تعدت إلى مفاصل أكاديمية ومهنية، ومنها الضغط لنجاح هذا الطالب أو الطالبة ورفع درجات آخر، أو قبوله في برنامج دراسات معين، وكله خلافاً للضوابط والعدالة طبعاً

ويستنكر الأستاذ الجامعي تفاقم التجاوزات بحصول مقاولين تابعين للفصائل على المقاولات والإنشاءات الأخيرة في العديد من الكليات التابعة للجامعة، إذ تحال المشاريع إلى هؤلاء بشكل مباشر من قبل رئاسة الجامعة، مضيفاً أن هيمنة الفصائل لا تقتصر على جامعة الموصل وإنما جامعات نينوى الأربعة (نينوى والموصل والحمدانية وتلعفر.

واحتضنت جامعة الموصل في شباط الماضي مؤتمراً موسعاً حضره قادة مختلف الفصائل المسلحة والألوية ، التي تنتشر في محافظة نينوى إلى جانب المئات من المسلحين الذين دخلوا الحرم الجامعي بزيهم العسكري، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة رسمية وشعبية إزاء ما وصف في الموصل بأنه محاولات عسكرة الجامعة ونشر المظاهر المسلحة فيها بعد أن بقيت طيلة السنوات الماضية بعيدة عن تلك المظاهر.

وقالت جامعة الموصل عقب المؤتمر إنها “وفي خطوة لافتة، نظمت المؤتمر المركزي (الحشد الشعبي تاريخ ونضال وتضحيات) في المسرح الكبير بالجامعة، برعاية وزير التعليم العالي والبحث العلمي نعيم العبودي”، ووصفته بالحدث الوطني المهم.

وعلى خلفية ما جرى، جرت دعوة من احدى الكتل رئيس الوزراء إلى “التدخل العاجل لوضع حد لمحاولات عسكرة المؤسسات العلمية”، وشددت في بيان لها على “ضرورة بقاء الجامعات العراقية، وعلى رأسها جامعة الموصل، بمنأى عن أي استغلال سياسي أو عسكري”، محذرة من أن “تحويل جامعة الموصل إلى مظاهر العسكرة يشكل انتهاكاً صارخاً لهويتها الأكاديمية والمدنية، ما يعد سابقة خطيرة تمس مكانة الجامعة وتتنافى مع رسالتها العلمية والتربوية وتقحمها في أمور خارج مهامها الأكاديمية.”.

في هذه الأثناء، حذر ناشطون من تداعيات إخضاع المؤسسات العلمية لسلطة الفصائل المسلحة وأجندتها التي باتت تمثل أحد أوجه الإرهاب في العراق. ويقول الناشط السياسي في محافظة نينوى محمد الغانم إن “مظاهر عسكرة الجامعات التي باتت واضحة في الفترة الأخيرة تشكل خطراً حقيقياً على رصانة العملية التعليمية، فضلاً عن تأثيرها السلبي على المجتمع”، لافتاً إلى أن جامعة الموصل ومنذ تأسيسها عام 1967 لم تشهد أنشطة سياسية أو عسكرية، ولكن باتت تلك الأنشطة تفرض عليها من قبل إدارة الجامعات ووزارة التعليم.

“في المقابل، يدافع الأستاذ في جامعة الموصل زياد سمير عن الظاهرة قائلاً إن “الحديث عن عسكرة الجماعات وخضوعها للمحاصصة الحزبية مبالغ فيه، ويحمل نيات التسقيط السياسي”. ولم ينف وجود بعض الفعاليات التي استضافت الفصائل المسلحة في الجامعات وكذلك محاولة بعض الجهات الحزبية بسط نفوذها فيها، لكنه أوضح أن هذه التدخلات تحصل في جميع مؤسسات الدولة العراقية وأن الجامعات العراقية، إلى جانب القضاء، هي المؤسسات الأقل تأثراً بواقع المحاصصة الحزبية والأقل خضوعاً للنفوذ السياسي لغاية الآن.

ويعتبر الأكاديمي عادل كمال أن استمرار هذه الظاهرة كفيل بـ”تراجع مستوى المؤسسات التعليمية في الجامعة، بسبب كسر احتكار الحالة المدنية والعلمية فيها التي يجب أن تبقى”، مضيفاً لـ”العربي الجديد” أن “جامعة الموصل قد تخسر مكانتها العلمية، وحتى الموثوقية في الشهادات التي تمنحها، في حال استمر التدخل في الحياة الأكاديمية من جهات لا علاقة لها بها

 

قد يعجبك ايضا