الاستاذ المساعد الدكتور
رزكار حمه رحيم
بات من منظور التراث السياسي ونظريات الاعلام والاتصال السياسي مفهومي الوساطة والتاطير مفهومين جوهريين في كل عملية سياسية هادفة ، وعليه بات لزاما بحث هذين المفهومين وتوضيح إمكانية الافادة منهما في واقعنا العربي لتطوير التعاطي بين مختلف الفاعلين في مجال السياسية والاجتماع والاقتصاد، وقبل تحديد كل من المفهومين وجب الاشارة الي مسألة في غاية الاهمية تكمن في طبيعة العلاقة بينهما ، هل الوساطة تقتضي ان يكون المجتمع مؤطرا ومهيكلا قبليا أم الوساطة كنظرانية” وممارسة هي أحد الادوات التي تسمح بتأطير المجتمع في كل مناحي الحياة الاجتماعية؟ ”
ففي هذا الصدد يطلعنا التراث النظري أن العلاقة القائمة بينهما هي علاقة جدلية، أثارها هابرماس في الكثير من مؤلفاته دون الاشارة اليهما صراحة، فالفضاء العام يقتضي الاشهار ويقتضي التواصل ، كما انه ايضا وبالنظر لسوسيولوجيا الفاعل الاجتماعي يستشف أن الوساطة باتت ضرورية ويمكن فهم وإدراك أهميتها انطلاقا من التي يقيمها الباحثون والمهتمون بها، ففي الاستعمالات الكثيرة لمفهوم الوساطة تتبدي روتين بارزتين :
-الاولي تنظر اليها كتقنية يستحوذ عليها رجالات القانون في الكثير من المجالات،الوساطة العائلية والوساطة في الوسط التربوي وفي المؤسسات الاقتصادية بأنواعها حينما تشدد الاضرابات مما جعلها تتخذ شكل التقنية، طالما انها تعمل علي تجسيد التفاوض والتسوية والصلح كآلية لإيجاد الحد الأدنى من التوافق لخلق عالم مشترك، كما انها تحدد انطلاقا من الوظائف والأهداف التي عادة ما تجعلها محدودة من حيث الزمان إذا ما زال الصراع، توقفت عن الاشتغال.
-في حين الرؤية الثانية للوساطة وهي التي ننوي توضيح أهميتها كآلية لترسيخ ثقافة التغيير عموما والتغيير السياسي علي وجه التحديد، يمكن اعتبارها كفلسفة وروية للعالم، بل هي الية للتواصل الدائم والية للضبط الاجتماعي، تمنح السلطة لمختلف الفاعلين والأطراف للأخذ بمسؤولياتهم ولا يفوضون قراراتهم للعبث فيها، لا سيما في الحقل السياسي الذي هو أكثر تعقيدا والأبعد علي حمل الفرقاء وأطياف المجتمع المعقد والمتنوع للالتقاء بسهولة والقبول بالوساطة، لذا بات للقيام بها أن تتوفر جملة من الشروط القبلية يمكن حصرها في ترسيخها كثقافة لا كممارسة ظرفية، بمعني جعلها سلوك قبلي قبل انتشار العنف واندثار راس المال الاجتماعي، كغياب الثقة وتراجع الارادة للتغيير جراء سيادة سيكولوجية جمعية الكل يخاف الكل ،المجتمع يخاف السلطة والسلطة تخاف المجتمع، وعليه تبرز قوى ظلامية ورجعية تقاوم التغيير ، إن الوساطة لا يمكن أن تتجسد كفلسفة ولا كممارسة، دون إدراك أن التاريخ الاجتماعي دوما لا يتلاقي وتاريخ الافكار، وكذا التقاء مع الحقيقة السياسية والاجتماعية، بعبارة أشمل إن الوساطة لا يمكن أن تؤدي الغرض في ترسيخ ثقافة سياسية للتغيير الاستراتيجي، إذا ما هيمن الخطاب السياسي النافي للاختلافات في المجتمع، وهو ما نعرفه في الخطاب السياسي في العالم العربي، نخفي الحقائق لا نقر بالفقر والفقراء، ولا نقر بحق الاقليات واضطهادها وحقها في ممارسة ثقافاتها وتعلم لغاتها ،لا نقر بالمعطي السوسيولوجي وتهديداته للاستقرار الاجتماعي، وهنا أقصد الاسلام السياسي .
– إن الوساطة تقتضي الاخذ للتغيير المعبر عنه، كحاجة ليس من الضروري تتماثل بنفس الكيفية لدي كل أطياف المجتمع وقواه السياسية، التي تجعل من فئات بالمجتمع يقيمون علاقاتهم مع الواقع السياسي كخيال ومع باقي الفئات الاجتماعية الأخرى لاسيما الشباب، ترسخت لديهم أنهم الأولي للقيام بالتغيير والإصلاح والحكم، كونهم يمتلكون –الشرعية التاريخية طالما أنها أجيال قادت حركات التحرر، هذا الفكر السلطوي لا محالة سينتج فئات أخري يتمثل لديها الفعل السياسي وممارساته المختلفة سواء كمعارضة سياسية او حركات اجتماعية جديدة، بوصفهم فئات مقهورة و ضحايا للفئة الأولي، لا يتماثلون والتاريخ كونه لم يتم ديمقراطيتها، وبالتالي يسعون لإقامة قطائع عنيفة مع الاجيال التي سبقتهم ومع الواقع، تؤدي في الكثير من الاحيان الي عنف وشغب. تتوقف إثرها الوساطة المؤسسية وتتوقف النظم الاجتماعية عن الاشتغال فاسحة المجال لفراغ نهايته عطل مجتمعي يطال كل الجوانب ، إنها حقائق تستشف في ظل الواقع العربي وهو ما ينذر به الشباب العربي في عدم تماثله والأجيال التي سبقته مهما كان نوع لونها السياسي او رؤيتها للتغيير، لان المجتمعات العربية توقفت عن الاستثمار في الوساطة والتأطير لهذه الاجيال، من حيث ترقية المواطنة واستبدال او بالا حري دعم الثقافة التمثيلية بالثقافة التشاركية، ودمقرطة علاقتنا بالماضي لتفسح المجال لحرية التعبير عن الحاجات الفعلية المرحلية والتأسيس للأوليات في ظل فضاء عام مشترك، الكل يلتقي فيه حول الاولويات والحاجات الملحة، التي تتماشي والمرحلة والسياقات التى تمر بها المجتمعات العربية في ظل حتمية تاريخية للتغيير سياسي.