دلفين وعيد الأضحى

د. هيثم المياحي

غفت دلفين ذات السبع اعوام من العمر على حصيراً محاك بأيدي امها القروية ورأسها على فخذ ابيها الذي كان يغني لها بصوته المتذابـــل حزناً (نامي وعين الله ترعاك قرة عيني دلفين .. نامي فسوف تكون السنة افضل من باقي السنين). نامي ابنتي فقد جفت دموعي وتيبست عروقي حسرات عليك هذه اليلة. جميلتي ذات العيون الزرقاء والشعر الاشقر وكأنه خيوط الشمس بين احضاني نامي ايتها المجاهدة الكوردية والمضحية منذ ان خلقتي ليومك هذا.
وقد بدء الصباح بنوره يسطع وكبرت المساجد في القرية واعتلت اصوات الأطفال مبكراً والاب لن يحرك ساكناً من مكانه حيث دلفين نامت على فخذيه المليئة بالدفء والامان. كان يضع يداه على اذنيها كي لا تصحوا على اصوات الاطفال وهم يصفقون ويغنون ويرقصون في صباح اول ايام عيد الاضحى وهي بلا ملبساً جديد وبلا مالاً تستطيع ان تشتري في وتشارك الاطفال في العيد طقوسهم البريئة والجميلة.

كانت هذه اول مرة في حياته لن يصلي الفجر مع المصلين، بل كانت اول عيد يكون حبيس الألم والدمعة والحسرة وبنته الجميلة بين فخذيه ولن تنقطع دموعه وجعاً. حينما سمع المؤذن وهو يقول (الله اكـــبر الله اكـــبر) انهار في البكاء وكانه طفلُ فقد امه بل وكانه جبل‘ قد انهارت قوته وتلاشت صخوره الكبيرة. رفع رأسه الى السماء وهو يبكي بلا صوت ويرتجف جسده وكأنه يحاكي الرب في السماء وكان لسان حاله
” اللهي سامحني فأنا المذنب امامك اليوم الهي لن افعلها منذ نعومة اظافري فقد علمني ابي ان اصلي الفجر مهما كانت الظروف صعبة ومهما كنت متعباً او مريضاً الهي اقسم بعظمتك وقدرتك ان جسدي قد شل ودقات قلبي قد توقفت ودموعي لن تنقطع طوال اليلة فكما ترى انها دلفين انها الملاك الراقد بين احضاني انها خلقك الجميل المتدلي شعرها على الارض الهي انا اعلم بأني مقصراً هذا اليوم وتخاذلت عن اداء صلاتي ويعتصر قلبي حزناً ولكن قد هدت كياني هذه الطفلة وجمدت الدم في عروقي حزناً عليها فقد غفت دون عشاء وكبرت مساجدك وابتهلت الناس والمصلين بعيدك وكما ترى لا استطيع ان ادعها ترى وتسمع كي لا توجع قلبي وهي دون ثياب جديده في اول يوم العيد وحتى دون مال تستطيع ان تشارك الاطفال في العابهم بل دون طعام في البيت.

الهي اليس صحيح كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فكيف يظلم الراعي رعيته وكيف يقطع صاحب الملك قوت العباد وكيف يتركونا بهذا الوجع والألم المستمر. الهي الهي اللهي وهو يرددها وتعالى صوته فقد صحت ذات العيون الزرق ونظرت الى ابيها وقد حضنته وهي تبكي معه دون ان تعلم لماذا هو يبكي ويصرخ بهذه الطريقة وبدأت تمسح دموعه بيدها الملائكية الصغيرة وتقول له (بابا هل تريد قبلة حتى تكون سعيداً) نعم انت تريد قبلتي فقد نسيتها قبل ان انام. فحضنها بكل حب ووجع وقال لها ولسانه يتعثر ناطقاً نعم حبيبتي نعم جميلتي انا حزين لأنك لن تقبليني قبل ان تنامي.
وجاءت الأم بابريق من الشاي ورغيف من الخبز الباقي من ليله البارحة فوضعته امامهم وهي تحاول ان تخفي دموعها امامهم وخصوصا دلفين فوقفت الجميلة وحضنت امها وقالت (جازين بيروز ماما). وهنا قد عرف الاب بأنها تعرف اليوم عيد فوقعت كلماتها عليه كالخنجر في قلبه وتركهما وفر خارج البيت معتصراً باكياً صارخاً مخاطباً السماء بعالي صوته ( جازين بيروز جازين بيروز) وكانه يحاكي الباري عز وجل وهو معاتباً.

هنا اقول قطع الاعناق ولا قطع الارزاق ان كانت هناك خلافات سياسية بين الساسة او خلافات بين حكومة كوردستان وحكومة المركز بغداد فما ذنب هؤلاء الفقراء والمساكين يعيشون كل هذا الوجع والألم والحسرة ما ذنب الاطفال ينامون جياعاً ما ذنبهم لا يفرحون بعيدهم اقول لمن قطع رواتب الشعب الكوردي اما تخشون يوم لا رجعة فيه اما تخشون الوقوف طويلا امام الله وهو مالك الملك وأنتم تسرقونه ولا تعطونه لشعبكم. اياكم والظلم فهو العن سياسة تستخدموه ضد المكون الكوردي فوالله ما وجدتهم الا اناس طيبون متدينون قريبون من الله واصاحب خلق وادب ومخافة لله عز وجل. سوف يذكر التأريخ ان عشرات الالاف مثل دلفين الجميلة قد مر عيدها دون فرحة ودون دبكة ورقصة ودون ابتسامة لأبيها وامها. قال الامام علي (ع) “يوم المظلوم على الظالم اشد من يوم الظالم على المظلوم”

ونذكرهم بما قال الله عز وجل في كتابه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم ” ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار.”

قد يعجبك ايضا