سفاراتنا العراقية في الخارج –مآسي وترهل سياسي ودبلوماسي

نهاد الحديثي

القوى السياسية العراقية التي دفعت البرلمان نحو حالة من الجمود والعجز عن ممارسة دوره التشريعي والرقابي، قد تجد خلال الفترة القادمة مصلحة في إعادة تنشيط المجلس ولو لفترة وجيزة ولهدف حيوي محدّد يجمع بين تلك القوى ويتمثّل في تسهيل عملية تقاسم المناصب الشاغرة بالسلك الدبلوماسي، وذلك قبل نهاية عمر المجلس واحتمال تغيير تركيبة السلطة بعد الانتخابات القادمة , وتحاول قوى سياسية عراقية كسر جمود عملية سدّ الشغورات في الوظائف الدبلوماسية مدفوعة برغبتها في الحصول على حصص من تلك المناصب الهامة التي دأبت الأحزاب بمختلف انتماءاتها ومشاربها على تقاسمها والاستفادة مما تنطوي عليه من امتيازات مادية ومعنوية كبيرة
وأخّر التنافس الحزبي على مناصب الدبلوماسية العراقية سدّ شغور كبير قائم منذ أشهر طويلة في السلك الدبلوماسي يشمل مناصب من مختلف الدرجات، بما في ذلك مناصب سفراء لم يتسن التوافق على تحديد من يشغلها بسبب تكافؤ نفوذ القوى المتنافسة عليها وعدم تمكّن أي منها من حسم المعركة الدائرة بعيدا عن الأضواء لمصلحته ,, ومع مشارفة الدورة البرلمانية الحالية على نهايتها باقتراب موعد الانتخابات النيابية المقرّرة لشهر نوفمبر القادم أصبحت القوى السياسية الساعية لنيل حصصها من مناصب السلك الدبلوماسي العراقي تعمل على الملف تحت ضغط الوقت حيث لم يعد من مصلحتها تأجيل البت فيه إلى ما بعد الانتخابات التي لا يمكن توقّع ما قد تحمله من تغييرات في شكل البرلمان وتركيبة السلطة ككلّ ,ولتحريك جمود الملف تبدي تلك القوى مرونة وتوافقا على إعادة تفعيل مجلس النواب الذي بات عاجزا عن عقد جلساته بدفع من القوى ذاتها وبسبب خلافاتها.

وكشفت لجنة العلاقات الخارجية في المجلس, عن وجود تنسيق واتفاق على تمرير قائمة السفراء كدفعة واحدة تعمل على إدراج قائمة السفراء ضمن جدول أعمال مجلس النواب ويتطلّب تمرير تلك القائمة أولا استئناف البرلمان لجلساته بعد أن أصدرت رئاسته بداية شهر مايو الماضي قرارا مفاجئا بإنهاء فصله التشريعي، الأمر الذي زاد من تضييق المساحة الزمنية المتبقية من عمر المجلس الذي ينتهي قبل الانتخابات القادمة ,وعرف البرلمان على مدى مدته النيابية الحالية صعوبات استثنائية في عقد جلساته وإنجاز أعماله التشريعية والرقابية نتيجة الخلافات الحادّة بين القوى الممثلة تحت قبّته والتي كثيرا ما لجأت إلى أسلوب الإخلال بالنصاب القانوني لتعطيل عقد جلسات لم تكن موافقة على جداول أعمالها والتشريعات والقوانين التي كانت ستناقش خلالها.

وبشأن مسألة تعيين السفراء أوضحت اللجنة أن القائمة تضم العشرات من الأسماء من مختلف الطوائف والمكونات العراقية , ولن تخرج عملية التعيين عن المعيار الرئيسي في اختيار من يشغل المناصب الحكومية في العراق وهو معيار المحاصصة المقدم حتى على معيار الأهلية والكفاءة، حيث أكّد عضو اللجنة “عدم وجود أي تهميش لأي جهة، وأن التصويت على المرشحين سيتم دفعة واحدة خلال إحدى الجلسات المقبلة للمجلس , وأشارت إلى وجود توافق مبدئي بين الكتل السياسية بشأن التصويت على قوائم المرشحين لمناصب السفراء، قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية
وزارة الخارجية تحتاج الى سفراء جدد لسد الشغور المترتّب على انتهاء مدّة عمل بعض السفراء المحدّدة بأربع سنوات وإحالة البعض إلى التقاعد ووفاة آخرين , وفي محاولة لتأطير عملية المحاصصة للمناصب القيادية في الدبلوماسية العراقية وتقنينها جرى وضع آلية للتعيين في هذا السلك تقتضي أن يتمّ اختيار السفراء بنسبة خمسة وسبعين في المئة من المتدرّجين في العمل الدبلوماسي من داخل وزارة الخارجية، على أن يشمل ذلك الكوادر المتدرّجة في الترقيات التي تبدأ من ملحق وتنتهي بمرتبة وزير مفوّض , وفي مقابل ذلك تخصّص خمسة وعشرون في المئة من تلك المناصب للأحزاب السياسية التي يتعيّن عليها (نظريا) ترشيح شخصيات تابعة لها وفقا لمعايير يتعلق بعضها بالشهادة العلمية والتحصيل الأكاديمي , ورشحت على مدى الأشهر الماضية أنباء عن صراع شرس يدور داخل كواليس الأحزاب والحكومة وخصوصا وزارة الخارجية حول العشرات من المناصب الشاغرة في الجهاز الدبلوماسي للدولة الذي تتميّز مناصبه بجاذبية خاصّة للأحزاب والفصائل المتنفّذة نظرا لما توفّره من امتيازات كبيرة مادية ومعنوية لمن يشغلها، خصوصا حين يتعلّق الأمر بمنصب السفير ومساعديه من أعضاء البعثات إلى خارج البلاد,, وحدّدت مصادر سياسية عدد المناصب الشاغرة في السلك الدبلوماسي العراقي بحوالي تسعين منصبا من مختلف الدرجات , وتم حشو الدبلوماسية العراقية بعدد كبير من المسؤولين والموظفين غير الأكفاء -مع وجود استثناءات- بما انعكس سلبا على تسيير وإدارة البعثات الدبلوماسية العراقية حيث لا تنفك تتفجّر فضائح فساد وسوء إدارة داخل سفارات البلد في الخارج.

وتُعد ظاهرة زيادة التمثيل الدبلوماسي وفتح السفارات في الخارج أحد أوجه الفساد المالي والإداري، لكون الغالبية العظمى من السفراء ومن يأتي بعدهم من درجات خاصة في سفارات العراق بالخارج هم في الغالب من أبناء أو إخوة أو أصهار كبار المسؤولين في الدولة- ولعل ملف وزارة الخارجية العراقية من أكبر هذه الملفات التي ما زالت خفية على الرأي العام العراقي لعدم علمه بما يدور في ممثليات بلاده في الخارج، فضلاً عن التعيينات التي جرت خلال الـ 20 عامًا الماضية في وظائف دبلوماسية من خلال الأحزاب والمحاصصة.

يشير موقع وزارة الخارجية العراقية إلى أن العراق لديه 88 سفارة وقنصلية وبعثة دبلوماسية حول العالم، ولا يعد هذا غريبًا في التمثيل الدبلوماسي لأي دولة، لكن ما يثير الدهشة أن العراق لديه تمثيل دبلوماسي وسفارة في بلدان قلما تجد فيها عراقيين, يأتي هذا العدد الكبير من السفارات والبعثات الدبلوماسية في الوقت الذي أقرت فيه الموازنة العامة الاتحادية للعراق منذ عام 2019 بتقليص عدد البعثات الدبلوماسية في الخارج،
هناك خلافات كبيرة بين وزارة الخارجية ومجلس النواب فيما يتعلق بتعيين السفراء الجدد، إذ إن بعض الكتل تصر على توزيع السفارات والممثليات الدبلوماسية العراقية خارج البلاد وفقًا لحصص كتلها داخل مجلس النواب, وكانت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي , اكدت ان وزارة الخارجية ركزت على مقترحين اثنين من أجل حسم ملف السفراء، المقترح الأول يتعلق بأن يكون لوزارة الخارجية الحق بتعيين 50% من السفراء، ومثلها للكتل السياسية داخل البرلمان.لعل أكثر ملفات الفساد في وزارة الخارجية العراقية هو ملف التعيينات للموظفين والسفراء والملحقين، فكثير من موظفي الوزارة الدبلوماسيين عينوا دون المشاركة في دورات المعهد الدبلوماسي, لا نجافي الحقيقة فالخارجية العراقية فيها ترهل دبلوماسي وسياسي كبيرين وما خفي أعظم
قصة سفاراتنا العراقية وتطبيعها مع الجهل والفساد الذي يستشري في خطوط إنتاج عملها التنظيمي والإداري. فهي تنتج لنا بيضا عفنا بمواصفات السياسة العراقية الفاسدة. وهذه السياسات هي نتاج أحزاب لا تقرأ ولا تكتب، لا بالعربي ولا باللغات الأجنبية، لذلك لا نرى اليوم سفارات تابعة للدولة العراقية، أنما مقرات لأحزاب تابعة للدولة العميقة يقودها سفراء تمت تسميتهم وفقا لنظام المحاصصة الحزبية أو العائلية، لأن الدولة العراقية مصابة بمرض الوهن المزمن. وهذا هو سر وجود جيش من الموظفين يحملون جينات رئيس الحزب وأقربائه ومقلديه,, أشياء كثيرة تفطر القلب، وتزيد المآسي حزنا كبيرا. موارد مالية كبيرة تهدر بالمليارات لسفارات تبلغ 88 سفارة لا تقدم ولا تأخر إلا القليل منها. هي أكثر من سفارات الدول المتقدمة عددا. ومع ذلك جوازنا العراقي في آخر ترتيب الدول، والمواطن العراقي لا يستطيع الدخول إلى أصغر وأفقر دولة في العالم. محاصر ومنبوذ من جميع الدول التي تقيم فيها سفاراتنا. ومع ذلك تصر الخارجية على فتح السفارات والقنصليات. الكثير منها مجهولة النسب والفائدة. كينيا فيها عدد من العراقيين لا يتعدى الخمسة أشخاص، وليس معها تبادل تجاري، ومع ذلك للسفارة ملاك كبير. كذلك الحال في هانوي عاصمة فيتنام والسينغال وبريتوريا عاصمة جنوب إفريقيا، وغيرها من الدول الأوربية والأفريقية والأسيوية التي تضحك علينا بالهمز واللمز.

لم يصدمنا الوكيل الاقدم السابق لوزارة الخارجية، المرحوم محمد الحاج حمود عندما قال إن الأحزاب والكتل السياسية تفرض سفراء على الوزارة، اغلبهم جهلة ومزوِّرو شهادات. بل الصدمة الكبيرة عندما قالها في لقاء متلفز: سألت أحدهم عن سبب زيارته للوزارة فقال لا أعلم، فقط أخبروني بأنني لدي مقابلة، فالسفير العراقي يتعين بلا شروط، والشرط الوحيد هو حزبه أو عائلته. أما اللغة والاختصاص والكفاءة والتجربة والشهادة فهي من معوقات التعيين، لله درك يا وطن انه الغرق الحقيقي لوزارة السفراء والدبلوماسيين. والطوفان الأكبر لوطن يحكمه جهلة

قد يعجبك ايضا