عندما يصبح راتب الموظف معاناة إنسانية

د. جمال السعدي

أثارت مناشدة وجّهها الناشط الحقوقي الصديق رَنج عبد الله باراوي من إقليم كردستان العراق إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وإلى المنظمات الحقوقية المحلية والدولية بخصوص أزمة تأخر رواتب موظفي كردستان العراق المتكررة، شريط ذكريات معاناتي مع تأخر الراتب الشهري ليومين أو ثلاثة، وليس أشهراً كما هو الحال لموظفي كردستان العراق، وكيف ارتفع منسوب القلق عندي كوني مصاب بمرض ضغط الدم المزمن، لبقاء حبة واحدة من العلاج الذي لا أستطيع أن أمارس حياتي بشكل طبيعي بدون أخذه بانتظام، إضافة إلى عدم رغبتي بالاستدانة من أحد، لأن ذلك يمس بمصداقيتي، ربما أكون غير قادر على رد المبلغ المدين به في الوقت المناسب إلى من أقرضني. وأعتقد أن هذه معاناة الكثير من الموظفين في كردستان العراق، سواء كانوا مرضى أو ممن كانوا أصحاء وأصيبوا بالمرض نتيجة القلق والهم لعدم قدرتهم على تلبية متطلبات عوائلهم.

بصفتي ناشطاً حقوقياً في مجال حقوق الإنسان، لا يسعني إلا أن أنحني إجلالاً لأولئك الموظفين في الإقليم خاصة ومناطق العراق الأخرى الذين لا يزالون صامدين رغم العاصفة، رغم أنهم يؤدون عملهم الوظيفي، لكنهم يجهلون متى يحصلون على ثمرة جهدهم الوظيفي. هذه ليست مجرد أزمة مالية أو سياسية، بل هي قضية تنال مرتبة عليا في السلم الإنساني وتمس الاستقرار النفسي للفرد والمجتمع، وتسرق منهم أبسط حقوقهم في العيش الكريم التي كفلها الدين الإسلامي بحديث الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين: “أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه”.

وأين ذهب القابضون على السلطة من نصوص الدستور الذي يتحدث في نصوصه عن الكرامة؟ ولكن أين هي الكرامة؟ نص الدستور العراقي لعام 2005 في مادته 14 على أن “العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي”، لكن كيف يكون الموظف في كردستان العراق مساوياً لغيره وهو يُحرم من راتبه لشهور؟ كيف يشعر بالعدالة وهو يرى زملاءه الموظفين في المحافظات الأخرى يتقاضون رواتبهم بانتظام؟

وتؤكد المادة 23 / أولاً من الدستور: “الملكية الخاصة مصونة، ويحق للمالك الانتفاع بها واستغلالها والتصرف بها، في حدود القانون”، فهل راتب الموظف ليس ملكية خاصة له؟ أليس من حقه أن يحصل عليه في وقته دون تأخير أو مماطلة؟ فالراتب ليس مجرد رقم، بل يعني الكرامة للموظف وعائلته في التمتع بحياة كريمة، وهو صحة للمريض الذي يحتاج إلى الدواء، وهو يعني تعليماً للطالب الذي يريد أن يلبي احتياجاته التي تساعده على الاستمرار في مسيرة التعلم، وهو استقرار للأسرة التي تريد أن تعيش بكرامة.

وأخيراً نوجه نداءنا إلى الإخوة الموظفين في إقليم كردستان العراق: أنتم لستم وحدكم في المطالبة باستلام رواتبكم في مواعيدها، فهذا حق وليس منّة أو هبة من أحد، بل أنتم تطالبون بحق مسلوب. لذا نناشد ذوي الشأن بضرورة الإسراع في حل هذه المشكلة والتخفيف عن كاهل الموظفين، وأن يضعوا هذه الأزمة الإنسانية نصب أعينهم قبل الخلافات السياسية، ونطالب المنظمات الحقوقية المحلية والدولية برفع صوتها عالياً… كفى معاناة للموظفين بتأخير حقوقهم.

قد يعجبك ايضا