شيركو حبيب
لمجرد أن بعض الخلافات بين الحكومة الاتحادية و حكومة إقليم كوردستان لم تحل حتى الآن، تقوم بغداد بمعاقبة شعب الإقليم فتمنع صرف رواتب موظفه وتوقف سعادة مئات الآلاف من العائلات مع حلول عيد الأضحى المبارك، مستخدمة حجج وهمية بلا سند قانوني أو دستوري.
هذه القرارات التي تحكمها أهواء شخصية للمعادين للشعب الكوردي، تؤكد وجهة نظرنا التي نرددها منذ عقود، حول جريمة الاستعمار القديم الذي أصر على تفتيت كوردستان وضم أراضيها إلى العراق و دول اخرى دون إرادة شعبها، ومع ذلك؛ كانت رؤية الكورد و زعيمهم الخالد ملا مصطفى بارزاني ومن بعده الزعيم مسعود بارزاني، في الدفاع عن مشروع بناء دولة مدنية فدرالية ديمقراطية، تأسس لها دستوريا منذ العام 2003، لكن هؤلاء لايزالوا يفكرون بعقلية الأنظمة البائدة، وهم مستمرون في الاستبداد والإيذاء بشتى الطرق ضد الشعب الكوردي، ومالم ينجزونه ضده بالأنفال أو الكيماوي لجأوا إليه بمحاولات الإذلال والتجويع.
فالحكومات في الأنظمة الفدرالية مهما كانت الخلافات السياسية أو اختلاف وجهات نظر الشركاء في الوطن، لا تحرم المواطنين حقهم و قوت يومهم تحقيقا لانتصارات سياسية غير شريفة، بالمخالفة للدستور والأعراف والأديان السماوية كافة، فكيف يمكن أن تربط حسابات السياسي بحق طفل في المأكل والملبس والمسكن والعلاج والتعليم والخدمات، بأن تمنع عنه راتب عائله، أو تقصي ذويه وتسعى لكسرهم وقهرهم، وكيف لفقيه أن يحكم بمشروعية تلك الأفعال، وأين برلمان الشعب العراقي كله من هذا اللغم الذي يستهدف تدمير وطن وقد كانت مهمة نوابه الرقابة على الحكومة قبل التشريع؟ .
إن الله سبحانه وتعالى خلقنا كوردا، ويقول في كتابه الكريم “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا” صدق الله العظيم ، وكما خلق الأقوام الأخرى خلق الكورد أيضا، الكل في خدمة الوطن بأجندة أهله وليس بأجندات أجنبية و توجهات خارجية، فلا قيمة لفعل خارج سياق المصلحة العامة الجامعة لكافة الأعراق والأديان تحت مظلة واحدة.
حينما يعتقد هؤلاء أن تركيع الشعب الكوردي سهلا باستخدام سياسة منع الأرزاق والأقوات، فهم لا يدركون أن الشرفاء والوطنيين كثر من عرب العراق، و أفعالهم لن تحدث فرقة أو تنافرا بين الكورد والعرب المؤمنين بعراق اتحادي فيدرالي.
يقول الإمام علي عليه السلام “قطع الأعناق و لا قطع الأرزاق”، وعليه؛ نؤمن بأن بناء وطن يسوده المحبة و السلام و التآخي لا يكون بصنع القرار خارج حدوده، ولا بالاستقواء على شعب مسالم وقطع رواتب وأجور أرباب العائلات فيه، ولو أن أحدا من المتعقلين راجع سياسات العقاب الجماعي عن غير جرم ارتكبه الكورد أو حكومة كوردستان، لتأكد أن كل السبل التي يسعى الحكماء لسلكها بغية تحقيق التوافق الوطني التام بين أربيل وبغداد، يمكن أن تنسد في المستقبل القريب بأفعال غير المسؤولة، ما يهدد بعودة العلاقات إلى نقطة الصفر، ويوقف أي تقدم لصالح البلد، ويدعم خروج الجماهير غاضبة ضد الظلم والاستبداد.
ستكون ردود الأفعال الشعبية على قرارات حكومة بغداد التي تحجب عن مواطني كوردستان قوت يومهم خارج التوقعات والسيطرة، و غضبة الكورد يعلم مداها من يقرأ التاريخ، وقد هزت أنظمة و أطاحت بمستبدين كثر، ودائما ما يتضامن معها الوطنيون الشرفاء كما حدث في ثورات الكورد خلال العقود الماضية، وليعلم متخذو القرار الخاطئ أن أحوال العراق والمنطقة ليست بالمواتية لاختلاق خلافات داخلية، ولا يملك العرب والكورد في هذا البلد رفاهية اصطناع الأزمات، فكفاهم تخلفه عن ركب التطور بسبب الفساد والاستبداد، وحالهم يكرر لهؤلاء “ولا تزر وازرة وزر أخرى”.