د . صباح ايليا القس
اسمه احمد بن الحسين وكان مولده في واحد من أحياء الكوفة وهو كنده فهو كندي من الكوفة , لم يكن من أشراف القوم لان أباه كان يعمل في مهنة السقاية , لكن اباه كان على حظ من العقل اذ اكتشف في هذا الصبي موهبة في القول لم يكن عليها زملاؤه الصغار .. وكان من يروم تثقيف ابنه يرسله الى البادية حيث النقاء اللغوي متجاوزا حي الكوفة حيث الاختلاط بالاعاجم وحينها تتشوه لغته وطاقته المندفعة .
شب هذا الفتى على اجواء البادية حيث سلامة اللغة ومجالس القبيلة والدواوين وسيرة الشخصيات والقصائد والاشعار وايام السمر والحكايات فضلا عن ان شباب البادية كانوا يتلقون دروسا في الفروسية والمقارعة بالسيوف والرماح فضلا عما تتيحه هذه الاجواء من انفتاح على الآفاق الرحبة بعيدا عن زحامات المدينة .. وهذ الانفتاح على المدى خلق عند الشاب خيالات بعيدة المدى وشجاعة قلّ نظيرها لا سيما عند مجالسة الشخصيات المهمة فحينها تظهر شخصيته المتحررة من قيود التحضر والرسميات التي تجري عند زيارة واحد من كبار القوم ..
وكانت نتيجة هذه الشخصية القوية والمحصنة بالطاقة والعبقرية وبعد ان شاع اسمه وذكره وطارت شهرته في المحافل واصبح مطلب كبار القوم فرض على الجميع ان ينشد مدائحه وهو جالس ولا يرتضي ان يقبل الارض بين يدي الممدوح , وقد وافق الجميع على هذا الشرط على العكس من كل الشعراء المادحين الذين يقبلّون الارض بين يدي الملك وينشدون قصائدهم وقوفا على ان ينصرفوا على الاغلب عند الانتهاء من انشادهم .
إن الاعتداد بالنفس شيء مقبول اذا كان ضمن الضوابط الاجتماعية والدينية ولما كان المتنبي خارقا لهذه النظم فقد إدّعى النبوة وهو ما يزال حديث العهد في تسلق قمة المجد ومن هنا جاءت التسمية ( المتنبي ) اي الذي ادعى النبوة ولكن دعوته وافكاره وإن لقيت بعض الانصار والانبهار بقدرته الشعرية .. لكن أمير حمص خرج عليه وأسره وأدخله السجن حتى تاب وقد تفرق انصاره فأفرج عنه ..
ربما كانت هذه الحادثة سببا لزيارة البلدان والطواف بين الحكام والولاة باحثا عن الجاه والرزق وناشرا شعره بين الجميع حتى انه وصل مصر ومدح ملكها كافور الاخشيدي الحبشي الاسود لكن لم يطل به المقام هناك فهرب من قبضته وهجاه في قوله :
لا تشتري العبد الا والعصا معه
إنّ العبيد لانجاسٌ مناكيدُ
ولو ان هذا البيت لا يعني شيئا اليوم بعد اعتماد الامم المتحدة وكل دول العالم قانون منع العبودية ..
وفي الضد من هذا البيت نجد ان المتنبي يمدح سيف الدولة الحمداني فيقول :
ما لي أُكتمِّ حُبَّا قد برى جسدي وتدّعي حُبَّ سيف الدولة الاممُ
ونظرا للمقام العالي الذي ناله حتى ظن ان لا مثيل له فقال :
سيعلم الجمع ممن ضمَّ مجلسنا بأنني خيرُ من تسعى به قدم
انه مرض العَظَمَة او داء الغرور شفانا الله واياكم منه والله المستعان .