“الشلال المتحرك”.. كيف يتحول تغير إقليمي إلى كارثة كونية؟

 

متابعة – التآخي

ان زيادة جزء من الدرجة المئوية من درجة الحرارة يحمل أهمية بالغة، لأن هذه الحرارة الزائدة تُخفي وراءها مفاتيح دقيقة مدمجة في أنظمة الأرض، وهي ضرورية لبقاء جميع أشكال الحياة على كوكبنا.

إذا استُهلكت هذه الأنظمة إلى أقصى حد، فقد تدخل الصفائح الجليدية الضخمة، والتيارات المحيطية، والغابات، في حالة جديدة – حالة تجذب الدببة القطبية والصيادين والمزارعين إلى مسار لم يختاره أحد.

يُطلق العلماء على هذه التحولات اسم “نقاط التحول”. وعند عبور إحداها، ينطلق التغيير تلقائيًا، تتسارع حركة الأنهار الجليدية، وتجف الغابات المطيرة، وتتوقف ناقلات المياه في أعماق البحار.

لم يعد هذا القلق متعلقًا بمستقبل بعيد. فقد تجاوز متوسط درجة الحرارة العالمية بالفعل عتبة 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2024 – وهو الحد الذي حددته سنوات من المفاوضات المناخية.

وتتوقع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن يقضي الكوكب عامه الكامل الثاني في حرارة تفوق 1.5 درجة مئوية في 2025، مما يجعل هذا الخط الأحمر اختبارًا حقيقيًا للإرادة العالمية.

هذا التهديد نقل نقاش “نقاط التحول” من ساحات البحث إلى موائد الحوار السياسي والعام، ما أثار تساؤلات حاسمة حول عواقب تجاوز حدود اتفاقية باريس.

تشبه المُثبّتات الأرضية الرئيسية – مثل جليد جرينلاند، والغطاء الجليدي في غرب القارة القطبية الجنوبية، ودورة المحيط الأطلسي، وغابات الأمازون – أحجار الأساس في قوس معقد. وإذا انهار أحدها، فقد ينهار الهيكل بأكمله.

وعندما يؤدي الاحتباس الحراري إلى دفع أحد هذه العناصر إلى ما بعد نقطة اللاعودة، تبدأ ردود فعل ذاتية التعزيز. يتراجع الجليد بسرعة أكبر من قدرته على التجدد، وتجف الغابات تدريجيًا، وتضعف التيارات المحيطية بسبب تغير كثافات المياه.

تتفاقم الخطورة لأن هذه الأنظمة مترابطة. فالمياه العذبة الناتجة عن ذوبان الجليد تُبطئ تيارات المحيط، مما يُؤثر على الأمطار في منطقة الأمازون، ويقلل من قدرتها على تخزين الكربون.

يسمي العلماء هذا التسلسل “الشلال المتحرك”، حيث يمكن لتغير مناخي واحد أن يتحول إلى كارثة عالمية.

معظم النقاشات حول المناخ تركز على الوجهة النهائية، لكن الرحلة بحد ذاتها تحمل مخاطر جسيمة.

فحتى تجاوز مؤقت لعتبة 1.5 درجة مئوية – كما حدث عام 2024 – قد يُشعل سلسلة تغييرات لا يمكن عكسها، وهو ما يُعرف بـ “تجاوز الحد”.

حتى إذا جرى لاحقًا احتواء درجات الحرارة، فإن الأضرار الناتجة قد تستمر لقرون، لأن حلقات التغذية الراجعة لا تنعكس بسهولة.

تُظهر النماذج الحاسوبية أن الجمع بين ذروة حرارة عالية وبقاء طويل فوق العتبة يزيد من احتمال فشل أحد الأنظمة الحيوية. وإذا تجاوزت الحرارة درجتين مئويتين، ترتفع المخاطر بشكل حاد.

هذا التحذير هو محور دراسة حديثة لعلماء من منظمات متعددة، ربطوا فيها معادلات تصف سلوك أربعة أنظمة رئيسة مناخية، ودرسوا كيف تتفاعل مع ارتفاع درجات الحرارة.

يقول الدكتور روبن لامبول، من معهد جرانثام في إمبريال كوليدج “تُبرز نتائجنا أهمية خفض الانبعاثات في هذا العقد لإنقاذ الكوكب. عدم تحقيق هدف باريس قد يُعيد تشكيل أنظمة الأرض لقرون قادمة”.

تُظهر الدراسة كيف أن تجاوز الحد الأقصى قد يُسرّع ذوبان جليد جرينلاند، ويُضعف الغطاء الجليدي في غرب القارة القطبية الجنوبية، ويُجفف الأمازون، ويُبطئ تيارات المحيط الأطلسي. ويحذر الباحثون من أن تجاوز الحد ليس مجرد احتمال، بل خطر قائم، خاصة وأن كل عنصر يُعزز انهيار العناصر الأخرى.

تُوضح أنيكا إرنست هوجنر، من معهد بوتسدام، أن “كل زيادة بمقدار عُشر درجة مئوية فوق 1.5 درجة مئوية ترفع احتمالية الوصول إلى نقاط التحول”.

وإذا تجاوز الاحترار درجتين، فإن المخاطر ترتفع بشكل كبير، خصوصًا وأن السياسات المناخية الحالية قد تقود إلى ارتفاع يقترب من 2.6 درجة بحلول نهاية القرن.

عند دراسة سيناريو لا تعود فيه درجات الحرارة إلى أقل من 1.5 درجة بحلول 2100، وُجد أن هناك فرصة بنسبة 24% لتفعيل نقطة تحول في أحد الأنظمة الأربعة.

أما في سيناريو أكثر سوءًا، حيث تبلغ الحرارة ذروتها عند 3 درجات، فترتفع هذه الاحتمالات إلى 45% بحلول 2300.

تقول تيسا مولر “تظهر نتائجنا أن الالتزام بالسياسات الحالية قد يتركنا أمام خطر دائم حتى إذا تم لاحقًا خفض درجات الحرارة”.

وتشير الأدلة إلى أن التيارات المحيطية تُظهر بالفعل علامات ضعف، مما يقلّص هامش الأمان؛ لذا فإن تثبيت الانبعاثات في عشرينات هذا القرن، وليس لاحقًا، هو الضمان الوحيد لمنع تجاوز الحد، فكل عام من التأخير يزيد من الذروة، ويُطيل مدة تجاوزها، ما يُضاعف احتمالات الانهيار.

ان خفض الانبعاثات الآن يُعطي فرصة للتقنيات النظيفة والبنى التحتية المقاومة للتغير المناخي، ويمنح الأجيال المقبلة فرصة للسير على أرض ما زالت متماسكة.

 

 

 

قد يعجبك ايضا