البارزاني المرجع والملجأ

 

 

 

 

 

 

 

 

د.سعد الهموندي

 

 

 

البارزاني المرجع والملجأ هو عنوان كتاب بقلم الدكتور سعد الهموندي مستشار الرئيس مسعود بارزاني و رئيس مؤسسة رؤى للتوثيق والدراسات الأستراتيجية والمستقبلية، الذي يتضمن محطات مهمة من شخصية الرئيس مسعود بارزاني ومواقفه وبعض الأحداث، التي جعلت منه مرجعًا سياسيًا يستشار ويأخذ بتوجيهاته ونصائحه عند حدوث الأزمات والأنسدادات السياسية ، وملجأ لجميع العراقيين اثناء المحن والظروف الصعبة، لذلك نسعى من خلال نشر اجزاء الكتاب ان نلقي الضوء على خصوصياته الأخلاقية ومواقفه ازاء خصومه و صبره وحنكته وذكائه في التعامل مع المواقف الصعبة التي واجهته سواء اثناء ايام الكفاح المسلح او عند النزول من الجبل لينشأ اقليمًا عامرًا مزدهرًا و يصبح رقمًا صعبًا في المعادلات السياسية والتوازنات في العراق والمنطقة.

 

 

الحلقة الثالثة وعشرين

وهنا انجذبت واشنطن وموسكو إلى هذه الصراعات عندما رأت مصالحها تتعرض للتهديد أو تبينت فرصًا لتعزيزها، وقد كانت النتيجة شبكة من الاستجابات المتقاطعة على مجموعة متداخلة من الصراعات التي يشترك فيها عدد من اللاعبين وتحالفات واسعة بين أطراف متباعدة،مضافًا إليها التدخل العسكري الخارجي، فاتخذت دول الجوار بعض المواقف المؤيدة لهذا أو لذاك، فالمشهد العراقي كان مائلًا باتجاه التدخل الروسي والإيراني، أما المشهد الأردني فكان منحازًا للتدخل الأمريكي، بينما نرى أن سياسة مسعود البارزاني كانت مختلفة عن الجميع، إذ أنه عرف أن هذه التدخلات أو هذا الانحياز لن يجلب سوى المزيد من الدمار على الدول المنحازة، فاتخذ الموقف الإنساني الحيادي، واقفًا ضد القتل وتدمير الشعوب، وبنفس الوقت واضعًا بلاده في بوتقة استقبال اللاجئين والمنظمات الإنسانية.

فقد أدرك أن الوضع في الشرق الأوسط يزيد من صعوبة معالجة الصراعات المنفردة ويرفع المخاطر في أن يكون للدبلوماسية والمساعدة الخارجية تبعات سلبية غير مقصودة.

 

لقد أدت المواجهة بين القوى العظمى إلى تسييس وتقويض مؤسسات ووكالات كانت فعالة في الماضي، وحل محلها مؤسسات ووكالات أخرى، وأحد الأمثلة على ذلك الآلية المشتركة للتحقيق، وهي شراكة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، التي اعتمدت السياسة البارزانية أن تكون جزءًا منها، مع الأمم المتحدة، حيث تاسس هذا التحالف بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2235 لعام 2015 وهذا التحالف كان من مقرراته سحب الأسلحة الكيميائية بالتعاون  مع أربيل، وعمان، وبغداد، والقاهرة، لتأسيس مرحلة جديدة من السلام في الشرق.

وهنا يمكن القول إن الولايات المتحدة لعبت هذا الدور بالصورة الصحيحة، لكنها تراجعت خطوة إلى الوراء فيما يتعلق بالجهود الدبلوماسية، وانحازت إلى بعض أطراف الصراع حتى أكثر مما كانت تفعل في الماضي، فكان انسحابها من الاتفاق النووي وفرض (أقصى درجات الضغط)، خطوة غير صحيحة في إرساء قواعد السلام.

بالمقابل استعملت روسيا قواتها العسكرية لصياغة التسويات الدبلوماسية، لكنها ركزت جهودها على تعزيز قوة أحد الأطراف ضد الطرف الآخر بدلًا من السعي إلى التوصل إلى تسوية حقيقة، فاتخذت موسكو لنفسها موقعًا كلاعب في الشرق الأوسط الأوسع، فبنت علاقات جيدة مع طرف مهم من الأطراف، بما في ذلك أولئك المتصارعين مع بعضهم بعضًا، بمن فيهم إسرائيل، وإيران،والسعودية ،وسورية،وتركيا، ومصر.

 

هنا قدم مسعود البارزاني ورقة عمل يوضح فيها أن أي عملية سلام في الشرق لن تكتمل وربما لن تتم ما لم تتضافر الجهود في تقليص نقل وبيع الأسلحة، خاصة تلك الدولة المنتجة للأسلحة، والتي تبيع لواحد أو أكثر من الأطراف المتحاربة، فهي بذلك تساعد في تغذية الحروب التي تدّعي أنها تريد من الدبلوماسية إنهاءها.

 

وفي حين أن علاقاتها تيسر التواصل والمحادثات بشأن سورية وليبيا، إلا أن موسكو لم تكن حتى الآن قادرة أو مستعدة لترجمة هذه العلاقات إلى خطوات ذات معنى لإنهاء الصراعات بشكل مستدام.

ففي الحالة السورية، فإن دعمها للنظام مدفوع جزئيًا باعتقادها أن استعادة دمشق للسيطرة الكاملة ستحقق الحصيلة الأكثر استقرارًا، وتردع حدوث انتفاضات في المستقبل وتشكل نجاحا مهمًا لروسيا في المنطقة.

بالمقابل كان الاتحاد الأوربي اللاعب الدولي الذي يمكن القول إنه شعر بأثر حروب الشرق الأوسط بشكل مباشر أكثر من غيره، ولم يكن قادرًا على فرض نفسه دبلوماسيًا في المنطقة بشكل يمكن أن يساعد على التوسط لإنهاء الصراع، إذ إنه مثقل بالانقسامات الداخلية، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، كما أن قدراته الكامنة على التوسط يعقّدها بيع الدول الأعضاء فيه الأسلحة لأحد أطراف الصراع، وهنا نرى أن السياسة البارزانية استمرت ورغم ضعف الاتحاد الأوربي، بالضغط على الدول الفاعلة لإخراج المنطقة من حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.

بالمقابل نرى أن التحالفات الإقليمية، مثل مجلس التعاون الخليجي، وجدت صعوبة في تبني موقف مشترك من صراعات المنطقة، بالنظر إلى أنها منقسمة داخليًا وتنزع إلى تصدير تنافسها إلى الساحات الخارجية، ومن هنا أدركت السياسة الكُردية وجوب مدّ جسور تعاون مع الخليج العربي من جهة، ومع تركيا من جهة ثانية، فضمت بذلك صدارتها للموقف الحيادي في هذا الصراع.

وهنا قدم مسعود البارزاني ورقة عمل يوضح فيها أن أي عملية سلام في الشرق لن تكتمل وربما لن تتم ما لم تتضافر الجهود في تقليص نقل وبيع الأسلحة، خاصة تلك الدولة المنتجة للأسلحة، والتي تبيع لواحد أو أكثر من الأطراف المتحاربة، فهي بذلك تساعد في تغذية الحروب التي تدّعي أنها تريد من الدبلوماسية إنهاءها.

\\\\\\\\\\\

وهنا نذكر جميعًا أن جهود السلام تعثرت في عدة حالات بسبب الإقصاء على أساس سياسي لواحد أو أكثر من الأطراف المعنية المهمة، فمن شبه المؤكد أن القرار الذي اتخذه الأمين  العام للأمم المتحدة (بان كي مون) في كانون الثاني/ يناير 2014 بسحب دعوته لأيران للمشاركة في المحادثات السلام حول سورية في جنيف، رغم دورها البارز في الحرب السورية، أسهم في عدم فعالية تلك المحادثات، وعلى نحو مماثل، أدت الضغوط التركية إلى إقصاء وحدات حماية الشعب المرتبطة بحزب العمال الكردستاني عن محادثات جنيف، وهو قرار يتعارض مع الدور المهم للكُرد في شمال شرق سورية، وهنا أكد البارزاني أنه من المرجح أن تلجأ الأطراف المستبعدة إلى عرقلة تحقيق اتفاق سلام، والسعي لإفساد أي اتفاق نهائي، وهذا ما حصل بالضبط.

ورقة السلام البارزانية أكدت أن الحل هو في المقاربة:

يشكل التعقيد المتزايد للصراعات المتداخلة في الشرق الأوسط، إضافة إلى عدم ملائمة الأدوات التي استعملها المجتمع الدولي لمعالجتها، مبررًا قويًا لانتهاج مقاربة جديدة، ويتمثل أحد الاحتمالات في التحول إلى مبادرات تطرح من قبل (تحالفات الراغبين ذوي التفكير المتشابه، أو مجموعة الأصدقاء، التي تتمتع بدعم مؤسسات أكبر مثل الأمم المتحدة، أو الاتحاد الأوربي، أو الجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجي.

 

 

فالقصد الذي أراد إيصاله البارزاني للاعبين السياسيين هو أن تتوقف إيران والسعودية عن تغذية الصراع في اليمن، وإنهاء الحرب في سوريا، فتوقف التدخل الخارجي السلبي لن يكون شرطًا كافيًا للتسوية الناجحة للصراع، لكن من شبه المؤكد أن يكون ذلك شرطًا أساسيًا لتحقيق السلام،  وهنا نرى أن البارزاني استقى هذه المعادلة من التاريخ نفسه، ومن الصراع والحروب التي قادها الكُرد ضد البعث، وضد الداعمين الدوليين لأي تحالف ضد الكُرد سابقًا.

 

فالعنصر المحوري كما رأه البارزاني هو بالنظر إلى صراعات الشرق الأوسط والتعامل معها على أنها مترابطة، وإن إشعال أي جزء منها سيحدث حريقًا أكثر اتساعًا، وهو ما أكده في حديثه مع حكام دول الخليج العربي.

(ستكون مثل هذه المقاربة بحاجة للأخذ بعين الاعتبار كيف أن معظم حروب المنطقة بدأت محليًا واتسعت خارجيًا لتجتذب لاعبين إقليميين أو حتى دوليين في دوائر مترابطة، ولإنهاء هذه الحروب علينا أن ننهي كل أشكال الاختلاف السياسي، فإذا ما توصلت روسيا والولايات المتحدة إلى فهم مشترك لكيفية تسوية الصراع في الشرق الأوسط، فإنهما ستتمكنان من تقييد أفعال اللاعبين المحليين والإقليميين).

فالقصد الذي أراد إيصاله البارزاني للاعبين السياسيين هو أن تتوقف إيران والسعودية عن تغذية الصراع في اليمن، وإنهاء الحرب في سوريا، فتوقف التدخل الخارجي السلبي لن يكون شرطًا كافيًا للتسوية الناجحة للصراع، لكن من شبه المؤكد أن يكون ذلك شرطًا أساسيًا لتحقيق السلام،  وهنا نرى أن البارزاني استقى هذه المعادلة من التاريخ نفسه، ومن الصراع والحروب التي قادها الكُرد ضد البعث، وضد الداعمين الدوليين لأي تحالف ضد الكُرد سابقًا.

\\\\\\\\\

فالطريق السوي لإحلال السلام يقوم على التقدم إلى الأمام مع وصول الأطراف المعنية إلى اتفاق في سبيل الحد من مخاطر اندلاع أعمال عدائية بشكل غير مقصود من خلال حوار واسع وشامل يهدف إلى خفض تصعيد التوترات الإقليمية.

وينبغي لمثل تلك العملية أن تكون تدريجية وتراكمية، وتبدأ بمنطقة الخليج وتتسع لتشمل لاعبين آخرين في الشرق الأوسط مع تقدم الحوار، وينبغي دعوة دول من خارج الشرق الأوسط منذ البداية لتقديم الدعم، أو أن تدخل الدول الحيادية والسياسات الحيادية في محور دعم الحوار.

يمكن لحوار شامل أن يبدأ بطريقة محدودة نسبيًا،أي في منطقة الخليج، وأن تشارك فيه الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي (السعودية،والإمارات،وقطر، وعُمان، والكويت والبحرين)إضافة إلى إيران والعراق ووساطة الحكومة الكُردية في إقليم كُردستان، والمملكة الأردنية الهاشمية، أي أن يجتمع اللاعبين الرئيسيين في الخليج، ضمن طاولة مفاوضات مع الجانب الإيراني.

بالنظر إلى عدم احتمال انخراط دول الخليج العربي في حوار شامل دون دعم وضوء أخضر أميركي في ظل الظروف السياسية الراهنة، ثمة حاجة للبدائل، على الأقل حتى تتغير سياسة واشنطن، وينبغي على القوى الخارجية الأخرى أن تستفيد من هذه الفترة للشروع باستكشاف الوسائل التي تمكنها من طمأنة دول الخليج بشأن الاهتمام الدولي بمبادرة جماعية، ودعمها لها، مبادرة تطلقها هذه الدول وتحضر أرضيتها استعدادًا للاطلاق النهائي للحوار، ويمكن أن تبدأ بتشكيل مجموعة من الدول ذات التفكير المشترك.

اليوم سياسة البارزاني في الشرق الأوسط توضح الدور الذي يمكن للاعبين الخارجيين أن يقدموه مع تقديم أفكار أولية تضمن السلام الذي ينشده، وذلك من خلال:

– يمكن للدول الأوربية وغيرها أن تتخذ الخطوة الأولى بتأسيس مجموعة رئيسية للتعبير عن دعمها لحوار شامل بين دول الخليج.

-يمكن لصناع السياسات من الدول المشاركة في المجموعة الرئيسية الخارجية وأن تطلق نقاشات مع دول الخليج والولايات المتحدة لاستكشاف إمكانية إطلاق مثل تلك العملية من داخل منطقة الخليج.

-إذا أثبتت هذه النقاشات نجاحها، يمكن لدول الخليج الأكثر حرصًا على الانطلاق في هذا المسار أن تبدأ بمحادثات غير رسمية مع الحكومات في منطقة الخليج الدول الستة الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وإيران وإقليم كُردستان العراق، وعندما تعتقد أن الوقت بات مناسبًا، تصدر دعوة لها لإطلاق محادثات تحضيرية لوضع جدول الأعمال والقواعد الناظمة لمؤتمر يعقد في النهاية، ومناقشة الأفكار الأولية للتغذية الراجعة والدعم، ويمكن للمجموعة الرئيسية الخارجية أن تقدم دعمًا دبلوماسيًا لهذا الجهد.

-استنادًا إلى هذه التغذية الراجعة، يمكن للاعبين الخليجيين أن يضعوا خطة أولية لطرق إدارة المؤتمر، بما في ذلك وضع آليات لإحاطة وسائل الإعلام والحكومات الخارجية بالمجريات.

البارزاني القدوة والملجأ بين دول الشرق الأوسط:

بعد عقود طويلة، رفعت خلالها النخب السياسية السائدة في الشرق الأوسط، الكثير من الشعارات واليافطات الكبرى، وصلنا فيها إلى نتائج مخزية وإخفاقات وخيمة.

فكل الشعارات واليافطات الكبرى، أصبحت الوقائع المضادة هي الواقع الشاخص والقائم، فبدل الحرية ازدادت الديكتاتورية وأشكال الاستبداد في فضاء هذا الشرق، وبدل الوحدة بكل مستوياتها ازدادوا تشظيًا وتجزئة، وبدل العدالة تضخمت مستويات الظلم وغياب المساواة في المجتمعات الشرقية.

ولعل الدرس المهم الذي نستفيده من هذه التجارب السياسية الطويلة، هو أن الاستبداد السياسي وغياب الحريات العامة والانتهاك المتواصل لحقوق الإنسان، لا تقود كل هذه الوقائع إلا إلى الخراب والفساد والفشل.

والنخب السياسية السائدة فشلت فشلًا ذريعًا في إدارتها لشؤون أوطانها، بفعل الاستبداد ومتوالياته.

فلا يمكن للظلم السياسي أن يقود إلى صيانة الحقوق، وذلك لأن الاستبداد السياسي بكل صوره وأشكاله، هو المسؤول الأول عن ما يعاني منه الواقع في الشرق اليوم من مشاكل وازمات لا تنتهي.

فالعرب اليوم هم ضحية تاريخية لأنظمة سياسية مستبدة، عملت كل شيء من أجل استمرار سلطاتها المطلق، فضحت بالنسيج الاجتماعي، وضخمت التناقضات الداخلية الأفقية والعمودية، من أجل استمرار هيمنتها المطلقة، وتناست حقوق باقي شعوبها، فوقت في مصيدة الاستبداد.

وللأسف أصبحت ذيلًا تابعًا لمحاور خارجية من أجل أن تستمد من هذه المحاور الخارجية القوة والقدرة لقمع الداخل، لدرجة أن العالم الشرقي بأسره اليوم، يعيش مكشوفًا غلى كل الصعد أمام مؤامرات الخارج ومخططاته الخطيرة.

لذلك ومع أي أزمة هيكلية أو نوعية يواجهها هذا الشرق، تتجه مباشرة الأسئلة إلى الواقع التأسيسي، فالأزمات السياسية تقود إلى طرح جملة الخيارات السياسية التي تسير عليها هذه الدولة أو تلك، والإخفاق الاقتصادي يقضي إلى طرح الإشكالات ذات الطابع التأسيسي التي تتجاوز الحقل الاقتصادي.

وهكذا نجد وبعد هذه العقود العديدة من الاستقلال، أن الدول العربية، لازالت تعيش في المربع الأول، وأن الاسئلة والإشكاليات المطروحة في فضائها، هي ذات الأسئلة المطروحة في العقود الماضية، والفارق الجوهري على هذا الصعيد هو في المستوى والمآلات المترتبة على هذه الاسئلة والإشكاليات.

حين ارتفع صوت مسعود البارزاني محاولًا أن يُعيد الشرق إلى مجالها الطبيعي، لم يصغ له أحد، خاصة أولئك الذين يقبعون في السلطة العراقية بعد سقوط نظام البعث عام 2003.

ففي غمرة هذا التداعي في النظام الإقليمي، بدت الحرب الأهلية لا محالة قادمة، فأوضح البارزاني خطورة هذه الحرب قبل حصولها، لكن الجميع تجاهله، وحين قدمت هذه الحروب باتت للأسف قضية إخمادها أمرًا مستعصيًا، خاصة في سوريا واليمن، وكذلك في ليبيا والعراق.

ثم ظهر ما كان يخشاه البارزاني ويحاول أن يبعد بلاده عن ساحة المعركة، ألا وهو الصراع الإقليمي على النفوذ كالمنافسة بين المملكة العربية السعودية وإيران، وهذه الأمور زادت الأمر تعقيدًا.

فالبارزاني عرف أن تصعيد هذه الصراعات سيكون الأكثر وحشية في المرحلة التالية من أجل صناعة توازن للقوى، خاصة التقلب في اعقاب ثورات عام 2011 وقبلها الغزو الأمريكي عام 2003.

فأول ما فعله البارزاني هو أنه فتح بلاده اقتصاديًا وسياسيًا نحو الاتحاد الأوربي، ومتن العلاقات معه، فحيد بلاده على أن تدخل صراعًا ليس صراعها وحربًا ليست حربها.

ثم صنع اتفاقيات سياسية وعسكرية مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبشكل منفصل، فضمن الدعم الدولي لبلاده في حال قررت أحد أقطاب العالم أن تجعل من كُردستان ساحة حرب لها.

وهنا نرى سباق المسؤولين  الأمريكيين والروس في القدوم إلى أربيل وعقد الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع الحكومة.

بعد ذلك عرف البارزاني أن النزاعات المحلية ستصبح المسرح الذي تدور عليه المنافسات الإقليمية المتواصلة على هيئة صراعات أوسع نطاقًا وأشدّ فتكًا، فبدأت عمليات توريد السلاح إلى المنطقة تتعاظم بصورة حادة، وهي صفقات التي تتنافس فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون بصورة نشطة.

ولا ننسى هنا أن البارزاني عرف منذ عام 2003 أن الشرق الأوسط يعاني من شحّ ملموس في معايير الحرب وآليات فضّ النزاع، بالمقارنة مع مناطق العالم الأخرى، وكان من نتائج ذلك أن المنطقة تحوّلت بجميع بقاعها إلى وكر دبابير من التدخّلات العسكرية.

 

قد يعجبك ايضا