تأثير المبادرة الفردية لوفد الاتحاد الإسلامي الكوردستاني على التماسك الكردي سياسياً وقانونياً

د. دژوار سندي

في ظل التطورات السياسية الأخيرة في العراق، برزت ظاهرة المفاوضات المنفردة للأحزاب الكوردستانية مع الحكومة الاتحادية، متجاوزةً الإطار المؤسسي لحكومة إقليم كوردستان. وتأتي زيارة وفد من الاتحاد الإسلامي الكوردستاني إلى رئيس مجلس وزراء العراق، خارج إطار الوفد الكوردستاني الموحد، كمثالٍ بارزٍ على هذه الظاهرة. ورغم أن الزيارة قد تم تقديمها إعلامياً في سياق البحث عن حلول لأزمة رواتب موظفي الإقليم، إلا أنها تثير تساؤلات جوهرية حول مدى مشروعيتها من الناحية الدستورية والقانونية، فضلاً عن تداعياتها السياسية على التمثيل الكوردستاني الموحد.

أولاً: الإطار الدستوري والقانوني لتمثيل إقليم كوردستان:
ينص الدستور العراقي لعام 2005 في المادة (117) على اعتماد نظام اللامركزية الإدارية، بما في ذلك منح إقليم كوردستان حكماً ذاتياً في إطار الدولة الاتحادية. كما تؤكد المادة (121) على صلاحيات الإقليم في إدارة شؤونه المالية والإدارية وفقاً للقانون. وبموجب هذه النصوص، تُعتبر حكومة الإقليم الجهة الوحيدة المخولة دستورياً بالتفاوض باسم كوردستان في القضايا ذات الطابع السيادي أو المالي.
وعليه، فإن أي مفاوضات تجري خارج الإطار الرسمي لحكومة الإقليم تتعارض مع المبدأ الدستوري القاضي بتمثيل الإقليم عبر مؤسساته الشرعية، مما يضعف موقفه التفاوضي ويُضعف شرعيته المؤسسية. كما أن مثل هذه الممارسات قد تشكل سابقةً خطيرةً تسمح بتجاوز صلاحيات حكومة الإقليم، وهو ما يُهدد الاستقرار السياسي والقانوني للإقليم على المدى البعيد.

ثانياً: التداعيات السياسية للزيارة المنفردة على التماسك الكوردي:
1. تقويض مبدأ التمثيل الموحد:
لطالما اعتمدت القوى السياسية الكوردستانية على استراتيجية التفاوض الموحد لتعزيز موقفها أمام الحكومة الاتحادية. وتُعد حكومة الإقليم، بقيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني (KDP)، الممثل الشرعي للإقليم في المحادثات مع بغداد. غير أن زيارة الاتحاد الإسلامي المنفردة تمثل خروجاً عن هذا الإطار، مما يُضعف الموقف التفاوضي الكوردي ويُعزز احتمالية تعامل الحكومة الاتحادية مع الإقليم ككيانات متفرقة بدلاً من كيان سياسي موحد.

2. تسييس الملفات الخدمية وتأثيرها على الاستقرار المؤسسي:
تُعد أزمة رواتب موظفي الإقليم قضيةً إنسانيةً وخدميةً ملحةً، ولا يجوز تحويلها إلى ورقة ضغط سياسية. إن التعامل المنفرد مع هذا الملف يُهدد الاستقرار المؤسسي للإقليم، كما أنه يُسهّل على الحكومة الاتحادية تطبيق سياسة “فرّق تسد” لتقويض المطالب الكوردية المشروعة.

3. مخاطر التمثيل المجزأ:
في حال استمرار نهج التفاوض المنفرد، فإن ذلك سيؤدي إلى:
– تقويض هيبة حكومة الإقليم بوصفها الممثل الدستوري الوحيد لكوردستان.
– إضعاف المطالب الكوردية في الموازنة العامة العراقية.
– تفاقم الانقسامات الداخلية بين الأحزاب الكوردستانية، مما يُضعف قدرتها على تحقيق أهدافها الاستراتيجية.

ثالثاً: موقف الحزب الديمقراطي الكوردستاني والدفاع عن الشرعية الدستورية:
يُشكّل الحزب الديمقراطي الكوردستاني، بوصفه أكبر كتلة سياسية في الإقليم، العمود الفقري للتمثيل السياسي الكوردي في بغداد. وقد أكد قادة الحزب مراراً على ضرورة إجراء جميع المفاوضات مع الحكومة الاتحادية عبر القنوات الرسمية لحكومة الإقليم، حفاظاً على مبدأ الشرعية الدستورية وتجنباً لأي تفريط بصلاحيات الإقليم.

الخاتمة: نحو تعزيز التمثيل الموحد:
إن ضمان حقوق إقليم كوردستان الدستورية والمالية يتطلب:
1. الالتزام الكامل من جميع الأطراف السياسية الكوردستانية بتمثيل الإقليم عبر حكومته الشرعية.
2. رفض أي محاولة لتعطيل الموقف التفاوضي الكوردي عبر المبادرات الفردية.
3. تعزيز الحوار الداخلي بين الأحزاب الكوردستانية لمواجهة التحديات المشتركة بموقف موحد.

تأسيساعلى كل ما تقدم، فإن الزيارة المنفردة لوفد الاتحاد الإسلامي الكوردستاني تمثل انتهاكاً للمبادئ الدستورية التي تحكم تمثيل الإقليم، كما أنها تُشكل تهديداً للوحدة السياسية الكوردستانية. لذا، فإن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب إجراءاتٍ حازمةً من جميع مكونات المشهد السياسي في كوردستان للحفاظ على مكتسبات الإقليم الدستورية والمؤسسية.

قد يعجبك ايضا