مفهوم النزاع الدولي ومصادره

محمد سليم المزوري

إن النزاع الدولي موجود منذ القدم وكان بشكله البسيط الذي يتلائم مع طبيعة العلاقات انسانية، والمصالح البدائية حسب التكوين البشري، تم تطور النزاع حتى أصبح تنازع الارادات الوطنية بسبب الاختلاف والتناقض وهو بالتالي تنازع على المواد والامكانات لكل مجموعة بشرية التي بدأت بشكل العشيرة والقبيلة… وحتى الدولة، ولقد كان النزاع يبدأ بالتوتر أولا وهو حالة عداء أو تخوف وشكوك.. وينتهي أخيراً بالنزاع وهو عدم الاتفاق بين دولتين أو اكثر قد يصل إلى مرحلة المواجهة المسلحة.
يحدث النزاع نتيجة لتقارب أو تصادم بين اتجاهات مختلفة أو عدم التوافق قي المصالح بين طرفين أو اكثر مما يدفع بالاطراف المعنية مباشرة الى عدم القبول بالوضع القائم ومحاولة تغييره، فالنزاع يكمن في عملية التفاعل بين طرفين على الاقل ويشكل هذا التفاعل معيارا اساسيا لتصنيف النزاعات.

أرى أن تناول أولا المفهوم الفقهي إلى موقف الفقه في النزاع ثم أتناول الفقه العربي والفقه الغربي ويعد ذلك المفهوم بالاتفاقات وقواعد القانون الدولي.
ويذهب الأستاذ (إسماعيل صبري مقلد) الى استخدام مصطلح الصراع بدلا من النزاع ويعرفه بتعريف شامل بقوله “الصراع بحجمة هو تنازع الارادات الوطنية، وهو التنازع الناتج عن الاختلاف في دوافع الدول وفي تصوراتها واهدافها وتطلعاتها وفي مواردها وامكانياتها، مما يؤدي في التحليل الاخير الى اتخاذ قرارات أو انتهاج سياسات خارجية تختلف اكثر مما تتفق، ولكن برغم ذلك يضل الصراع بكل توتراته وضغوطه دون نقطة الحرب المسلحة”.

انه تنازع الارادات الوطنية بسبب الاختلاف والتناقض في دوافع الدول وتصوراتها واهدافها وتطلعاتها.
انه تنازع على الموارد والامكانيات لكل دولة، حفاظا على هذه الموارد او التوسع نحو اكتسابها.
طبيعة هذه العلاقات المتناقضة بين الاطراف المختلفة تؤدي الى اتخاذ قرارات في السياسة الخارجية من قبل طرف أو اطراف تمس بمصالح وامكانات وموارد طرف أو اطراف اخرى.
وفي كل الحالات فان هذا التناقض والاختلاف لا يخرج عن دائرة النزاع الدولي الذي لا يصل الى استخدام الوسائل العسكرية لحسمه، والا تحولنا من النزاع الدولي الى الحرب المسلحة، وتمثل هذه الحالة النقطة القصوى في مراحل النزاعات الدولية.

كما يعرف كل من جيمس دورثي وروبرت بالستغراف، النزاع الدولي من الناحية الاصطلاحية بقولهما “يستخدم مصطلح عادة للاشارة على وضع تكون فيه مجموعة معينة من الافراد سواء قبلية أو مجموعة عرقية أو لغوية أو ثقافية أو دينية أو اجتماعية أو أقتصادية أو سياسية أو أي شيء أخر تنخرط في تعارض واع مع مجموعة أو مجموعات اخرى معينة لان كل من هذه المجموعات يسعى لتحقيق اهداف متناقضة فعلا أو تبدو انها كذلك.
فالتعريف هنا لا يخرج عن المحاور الكبرى للنزاع الدولي، أي سعي كل طرف لتحقيق اهدافه المتناقضة مع اهداف الطرف الاخر، أو قد تبدو متناقضة حسب تعبير الكاتبين، مما يؤدي الى الانخراط بشكل واع في العملية النزاعية لتحقيق الهدف المنشود.

ويقدم كل من جيمس دورثي وروبرت بالستغراف في كتابهما تعريفا للنزاع الدولي قدمة الباحث الاجتماعي لويس كوسر الذي يحدده “بانه تنافس على القيم وعلى القوة والموارد يكون الهدف فيه بين المتنافسين هو تحييد أو تصفية أو أيذاء خصومهم”.
وفي هذا التعريف بين لنا لويس كوسر بان النزاع الدولي هو تنافس على القيم والموارد والهدف منه تحقيق احد الأهداف الأتية حسب إمكانية وقوة كل طرف: تحييد الخصم، أو الاتجاه نحو تصفيته أو العمل على الحاق الضرربه وايذائه.
وينبه كل من جيمس دورثي وروبرت بالستغراف المتخصصين في دراسة النزاعات الدولية بضرورة التمييز بين مصطلحين النزاع/ التوتر.

فالتوتر هو حاله عداء وتخوف وشكوك وتصور بتباين المصالح أو ربما الرغبة في السيطرة أو تحقيق الانتقام، ويبقى ذلك كله في الاطار الذي لا يتعدى ليشمل تعارضا فعليا وصريحا، اذ ان التوتر حالة سابقة عن النزاع/ الصراع وكثيرا ما رافقت حالات التوترات انفجار الصراع/ النزاع، كما قد يكون التوتر غير بعي عن التعاون القائم بين المتنافسين.
وفي الغالب تبقى اسباب التوتر مرتبطة بشكل وثيق باسباب الصراع/ النزاع وفي حالة ما اذا تحولت التواترات الى نقطتها القصوى قد يؤدي بدورها أو تكون عاملا مساعدا أو رئيسيا لحدوث الصراع/ النزاع، كما أن الصراع/ النزاع في نقطته القصوى قد يؤدي الى حالة الحرب.
وإذا أخذنا القواميس المتخصصة في المفاهيم والمصطلحات السياسية وتابعنا البحث عن تعريف النزاع الدولي فاننا نجد انفسنا أمام تعريفات شاملة، تتداخل فيها التعريفات اللغوية والاصطلاحية من مصادر النزاعات الدولية والادوات السياسية لتسوية هذه النزاعات الدولية، وهو ما نجده مثلا في قاموس العلوم السياسية، الذي يعرف النزاع الدولي على انه: عدم الاتفاق بين دولتين أو اكثر، قد يصل الى مرحلة المواجهة المسلحة، وقد تكون ناتجة عن تناقض دبلوماسي أو الاعتداء على حدود دولة، أو الاعتداء على المصالح الوطنية لدولة ما، أو عدم احترام القوانين الدولية، أو التحرك بدافع اتفاق التعاون المتبادل بين الدولتين، أو قمع اقلي اثنية أو دينية، وعلى الرغم من تضاعف الهيئات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فانها لم تستطع وقف توسع النزاعات الدولية وبالاخص في القارة الافريقية والتي امتدت مع التسعينات من القرن العشرين الى قلب أوربا في البلقان والقوقاز.

أذا توقفنا عند هذا الحد من التعريفات للنزاع الدولي من حيث أن هناك بعض النقاط المشتركة في تلك التعريفات والقائمة على التناقض/ التصادم/ الاختلاف/ التنازع بين طرفين أو أكثر بسبب الارادات والاهداف المتعلقة بالموارد والامكانيات وعناصر القوة والقيم، أي حول عناصر القوة المادية وعناصر القوة القيمية، فان التحليل هنا يقودنا لتحديد: ما هي مصادر هذه النزاعات كما تبينها التعريفات؟

قد يعجبك ايضا