قطع مصادرارزاق الناس وعيشهم يدخل بإطار الجرائم الجنائية الكبرى

د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

المرصد السومري لحقوق الإنسان\ التجمع العربي لنصرة القضية الكوردية

مجدداً تقطع الحكومة [الاتحادية] رواتب موظفي كوردستان وهي بالنسبة لهم تشكل مصدر عيشهم في وقت يجرِّم القانون الدولي قطع مصدر عيش إنسان واستخدام التجويع سلاحا لتهديده وابتزازه بأي شكل ولأية غاية كانت. ولطالما عدَّ القانون استغلال الجوع أو لقمة العيش سبباً لمقاضاة مرتكبها بجريمة القتل أو الشروع به سواء كان فرديا أم جمعيا بمنطق الجينوسايد كما تفعل قوى عدوانية قاهرة..
وحتى عندما يقف الموضوع عند حدود الضغط اكتفاءً بالتهديد والابتزاز فإنها من الجرائم الخطيرة في القانون الدولي وفي العهود والمواثيق المعروفة أممياً.. وهي تمثل سبباً لإشعال خطاب الكراهية وفعليا في الفضاء العراقي لطالما كانت سمة مرافقة لنُظم الطغيان الدكتاتورية المستبدة ومسلسل الإبادة الجماعية الذي استغلته في حربها ضد شعب كوردستان بخلفية هويته القومية.. ومن ثمّ فإن الخطاب الشوفيني الاستعلائي الذي يُفترض أن يكون قد انتهى وولى يجري اجتراره وتكرار عبثه الإجرامي ونتائجه..
وإذا كانت مسؤولية مرتبات موظفي الشعب ومنها مصادر رزق أبناء شعب كوردستان هي قانونا وعلى وفق الاتفاقات المرعية بمسؤولية مباشرة للحكومة التي تدعي كونها اتحادية فإن قطعها تلك الرواتب تعد أولا وقبل شيء مخالفة دستورية بكل المعايير القانونية وهي على وفق القوانين الدولية المعنية تعد جريمة كبرى تقترب من إنزال عقاب جماعي للإبادة.. فضلا عن كونها جريمة تمييز في صرف مصادر عيش أبناء الشعب في دولة فيديرالية واحدة دع عنكم تبنيها خطابا شوفينيا (مركزيا) يتستر بالتصدي لحل خلاف سياسي أو مالي مع طرف في الدولة الفيديرالية..
إن كل المبررات والذرائع التي ساقتها أطراف حكومة بغداد وقد باتت تجتر المركزية التي غادرها العراق دستوريا منذ ربع قرن مثلما انتهى منها في الاتفاقات والعهود المرعية المعقودة والموقع عليها مرارا، لا تستطيع إخفاء ظواهر التمييز والتعامل بفوقية واستعلاء شوفيني مع شعب كوردستان وإدامة إلحاق الأذى وعرقلة مسيرة التنمية مع التعرض المفضوح لسبل العيش الحر الكريم لهذا الشعب، وهو أمر سجل التاريخ خطله وفشله وهزيمته مرارا وتكرارا..
لقد جاءت تلكم القرارات الظالمة هذه المرة ردَّ فعل على ممارسة حكومة كوردستان واجباتها المشروعة تجاه الإقليم وتجاه الوطن والشعب عندما وقَّعت اتفاقات النفط والغاز مع تلك الشركات المتخصصة ومهامها المعترف بها قانونيا قضائيا منذ سنوات خلت وهو ما يكشف حجم الخلل البنيوي في بغداد تجاه أداء المسؤوليات في توفير الكهرباء للشعب على الرغم من دفع مستحقات الغاز مضاعفا ولعدة مرات لدولة إيران التي تعودت أخذ الأموال والنكث بأداء المستحقات وما سيوفره غاز كوردستان سيقطع الطريق على هدر أموال العراقيين ومنحها عطية بلا مقابل يحل المشكلة التي أزمنت وأدمنتها الأطراف المتحكمة تلك التي مازالت تتلكأ في تقديم مشروع قانون النفط والغاز للإقرار والمصادقة النهائية في ضوء الحوار والمفاوضات بوصفها سبيل الحل النهائي..

إن محاولات ترحيل المسؤولية وإصدار تلك البيانات المضللة واختلاق الأعذار والذرائع التي لا تستند إلى أية أرضية واقعية حقيقية سليمة ودفع قوى الحث والتحريض على الكراهية واستعداء كوردستان وشعبها والتعامل بلغة التمييز والاستعلاء الشوفيني وإيقاع أشد الضرر والأذى بهذا الشعب بل عدم الاكتفاء بالتهديد للابتزاز وإنما ولوج منطق الشروع بالقتل الجماعي في ضوء المساس المباشر والصريح بصفة كلية شاملة عبر قطع مصادر عيش أبناء الشعب بأوسع قطاعاته العاملة؛ إنّ كل ذلك يمثل شكلا مدانا من التخلي عن مسؤولية الحكومة تجاه الشعب برمته وليس تجاه قطاع هامشي صغير فيه مع كل محاولات الإيهام بان الطرف الكوردستاني هو المسؤول وبينما تبقى الأعذار بكل طروحاتها قاصرة وغير قانونية وتتناقض وحقوق الإنسان ومصيره وجوديا في العيش الحر الكريم فإن الرد الطبيعي المسنود قضائيا وقانونيا محليا عراقيا وأمميا دوليا هو أن حكومة بغداد اليوم هي المسؤول المباشر والنهائي عن واجب إرسال رواتب موظفي كوردستان بلا تأخير و\أو تلكؤ وبصورة فورية مباشرة وأن كل الخلافات تبقى رهن الحوار الوطني والتشريعات الواجب إقرارها عبر ذاك الحوار والتفاوض ..
إننا في الحركة الحقوقية العراقية بكل مكونات شعب عراقنا الفيديرالي يدينون هنا الطرف المسؤول الذي شخصته مدونتنا الحقوقية القانونية هذه وأملنا بل ثقتنا وطيدة بانتصار إرادة شعب كوردستان وقيادته في السير بطريق البناء والتنمية وبخطى تظل ذخرا للعراق الفيديرالي وشعبه بكل مكوناته وأطيافه..
فلتطلقوا فورا مصادر العيش وتحملوا مسؤولياتكم وارتكوا هذه المساومة التي لن تعود عليكم بمكسب انتخابي أو بتلبية مطمع إعادة النظام المركزي والتجاوز على النظام الفيدرالي فلقد اختار العراقيون جميعا الديموقراطية وسيفرضون آلياتها ونهجها وهم يدركون ألا ديموقراطية بلا فيديرالية في عراق اليوم والغد..
شعب كوردستان حرا وشعب قدم كل تلكم التضحيات الجسام لحريته وحقوقه لن يعود القهقرى إلى الوراء ولن يتراجع ومعه الشعب العراقي بكل قوى التقدم والحرية.. فلنحسم معركة الحقوق والعدالة الاجتماعية والمساواة والحرية اليوم قبل الغد ولنؤكد أن شعبنا أهلنا بتمام الوعي والاستعداد للدفاع عن تلك الحقوق والحريات ولن يتخلى عن قدسية ما حققته تضحيات أبنائه..
لا لتسييس دفع مستحقات أبناء شعب كوردستان ورواتب هي مصدر عيشهم الحر الكريم ومصدر حيواتهم وجوديا.. ونحن نشدد على أن القضية ليست قانونية بقدر ما هي بالجوهر سياسية تستند لمواقف مسبقة وإرادة تتجه للابتزاز ومزيد (الضغط) بعد أن خرقت حكومة بغداد التزاماتها قانونيا دستوريا بميادين أخرى منها تطبيق المادة 140 ومنها تلبية دفع مستحقات نسبة 12.67٪ وغيرها على الرغم من التزام كوردستان بالاتفاقات المشار إليها بقرار المحكمة الاتحادية وإلزام دفع المستحقات ومنع تسييسها كما ورد..
ونذكر بأن وزارة المالية وحكومة بغداد لم تقدم جداول سوى الشهر الأول من هذا العام 2025 فيما لم تقدم جداول أخرى فيما تواصل إطلاق الذرائع لتسبيب قرارها ليس بالتسييس حسب بل في مصادرة قوت الشعب بما يخالف الدستور والقوانين المحلية والأممية..
من هنا نرى ضرورة وقوف قوى التقدم والتنوير وحركة التغيير واستعادة الديموقراطية وعمقها الفيديرالي وقفة موحدة للتضامن وعدم الوقوف على أرصفة الحياد السلبي وتجنب تحميل المسؤولية لحكومة بغداد بوصفها السبب الفعلي لكل المجريات الكارثية الجارية بوقت لا تشكل الخلافات السياسية إلا وجها آخر لا يحق وضعه بوجه توفير قوت الشعب وكأنهم يقدمون على العربة على الحصان..
كل التضامن مع مطلب شعب كوردستان اليوم في حقه الثابت غير القابل للمساومة والمزايدة والذي نرفض وإياه خطابات التضليل والذرائع الدعية..

قد يعجبك ايضا