دور الحزب الديمقراطي الكردستاني في توحيد الصف الكردي

د. دژوار سندي

يمثل الحزب الديمقراطي الكردستاني أحد أبرز الفاعلين السياسيين في المشهد الكردي منذ تأسيسه عام 1946 على يد الزعيم الخالد الملا مصطفى البارزاني. وعلى مدى ثمانية عقود متتالية، اضطلع الحزب بدور محوري في تشكيل الهوية السياسية الكردية، مع تركيز واضح على ضرورة توحيد الصف الكردي كشرط أساسي لتحقيق المطالب القومية، سواء على مستوى إقليم كردستان أو في إطار العلاقة مع الحكومة في بغداد.

تعود جذور التزام الحزب بمبدأ الوحدة الكردية إلى الحقبة التأسيسية الأولى، حيث أدرك القادة الأوائل أن التشرذم الداخلي يشكل أكبر عقبة أمام تحقيق التطلعات القومية للشعب الكردي. وقد تجلى هذا الوعي في المحطات التاريخية المبكرة، مثل التحالفات التي عقدها الحزب خلال ثورة أيلول (1961-1975) ومحاولاته الدؤوبة لتوحيد الفصائل الكردية رغم الخلافات العميقة. كما برز هذا التوجه بوضوح بعد انتفاضة 1991، عندما أدرك الحزب ضرورة تشكيل جبهة كردية موحدة، مما أدى إلى تأسيس حكومة إقليم كردستان بالشراكة مع الاتحاد الوطني الكردستاني عام 1992.

شكل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 منعطفاً حاسماً في تعزيز دور الحزب الديمقراطي الكردستاني كقوة موحدة للصف الكردي. في هذه المرحلة الحرجة، قاد الحزب جهوداً مكثفة لضمان تمثيل موحد للكورد في العملية السياسية العراقية الناشئة. تمثلت هذه الجهود في صياغة “الورقة الكردية الموحدة” خلال مفاوضات كتابة الدستور العراقي عام 2005، والتي تضمنت المطالب الكردية الأساسية مثل النظام الفيدرالي وحقوق اللغة والثقافة. كما برع الحزب في إدارة الملف الشائك للمناطق المتنازع عليها، حيث عمل بالتعاون مع الشركاء الكرد على الحفاظ على المكاسب الكردية في كركوك ومناطق أخرى، رغم المعارضة الشديدة من بغداد.

ومع ذلك، واجهت مسيرة الوحدة الكردية تحديات جسيمة، تجلت بوضوح في أعقاب استفتاء استقلال كردستان في سبتمبر 2017. كشف هذا الحدث التاريخي عن الهشاشة الكامنة في البنية السياسية الكردية، خاصة بعد فقدان السيطرة على كركوك. في هذا المنعطف الحرج، برز الحزب الديمقراطي الكردستاني مرة أخرى كقوة دافعة نحو إعادة توحيد الصفوف، حيث بذل جهوداً حثيثة لتعزيز الحوار مع القوى الكردية الأخرى، بما في ذلك الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير. كما دعم الحزب إنشاء آليات مؤسسية للتنسيق السياسي بين الأحزاب الكردية، بهدف صياغة مواقف مشتركة تجاه القضايا المصيرية مع الحكومة الاتحادية.

تواجه الوحدة الكردية اليوم تحديات معقدة تتمثل في الخلافات المستمرة حول إدارة الموارد النفطية، وتأثير القوى السياسية الصاعدة، والضغوط الإقليمية المتنامية. في مواجهة هذه التحديات، يظل الحزب الديمقراطي الكردستاني ملتزماً بدوره التاريخي كحاضن للوحدة الكردية، مع إدراك متزايد للحاجة إلى تجاوز الخلافات الشخصية وتعزيز البنى المؤسسية التي تضمن استمرارية التنسيق الكردي.

ختاماً، يشكل الحزب الديمقراطي الكردستاني، عبر مسيرته الطويلة، العمود الفقري للوحدة الكردية في العراق. ورغم كل التحديات والعقبات، حافظ الحزب على رؤيته الاستراتيجية القائمة على أن الوحدة الكردية هي السبيل الوحيد لضمان الحقوق القومية وتحقيق الاستقرار السياسي. وفي ظل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة، تبرز الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز هذا المسار الوحدوي، الذي يبقى الضمانة الأكيدة لمستقبل الشعب الكردي في إطار العراق الاتحادي.

قد يعجبك ايضا